سلجوق ترك يلماز - يني شفق
تسعى تركيا بمفردها لإيقاف الحرب الأوكرانية منذ انطلاقها وذلك من خلال القيام بمخاطرات كبيرة، حيث حاولت تركيا التقليل من آثار الأزمات المحتملة عبر الحفاظ على علاقاتها مع الجانبين الروسي والأوكراني. يمكن لأي شخص معرفة ما أقصده بالمخاطرات وما معنى النظر إلى عالم يتمحور حول الغرب. ويجب أيضًا التفكير من وجهة النظر هذه بأن الدول الغربية تزيد تدريجيا من موقفها المناهض لتركيا إلى مستوى العداء. كما أن الاتهامات الاستبدادية المتزايدة في الآونة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتبطة بشكل مباشر بتلك المخاطر. وخلال فترة الانتخابات الأخيرة أيار / مايو 2023 نرى أن المعارضة التركية انحازت بشكل علني إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وأعلنت عزمها حشد صفوفها ضد روسيا. من الممكن القول إن هذه التصريحات العلنية تفتح الباب أمام تطورات خطيرة للغاية، وأعتقد أن هذه هي الطريقة التي قيم بها الشعب التركي العملية الانتخابية. لم يكن من الطبيعي أن يحاول المراقبون رسم أوجه تشابه واضحة بين أردوغان وبوتين، خاصة أثناء الانتخابات. وهذا الأمر كافٍ لفهم مدى المخاطر التي تتعرض لها تركيا. وعلى الرغم من مرور فترة على انتهاء الانتخابات، إلا أن عجز المعارضة عن تصديق النتائج لا يمكن فهمه من خلال التطورات الداخلية.
الخطر الأكبر الذي نتج عن الحرب الأوكرانية هو أزمة الغذاء العالمية. كانت الجهود المبذولة تحت قيادة الرئيس أردوغان للتغلب على هذه الأزمة قيّمة جدا. لم تنته المخاطر المستقبلية لكن النجاح الذي تحقق حتى الآن يستحق أن يكون نموذجًا لحل المشكلة. ثاني أهم المخاطر بالنسبة لتركيا هو جعل البحر الأسود منطقة غير آمنة. لذلك بذلت تركيا جهودًا كبيرة لإنهاء التطورات التي كان من الممكن أن تؤدي إلى ذلك. يمكننا أن ننقل تجربة تركيا الأخيرة في المضيق إلى حرب القرم. تبين لنا هذه التجربة أن الأجواء الضبابية يمكن أن تحدث في أية لحظة. واليوم يتحدث العالم عن صعود آسيا. من المعروف أن تركيا أدخلت خطاب "آسيا مرة أخرى" إلى جدول الأعمال على الصعيد الدولي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار تطورات ما بعد 15 يوليو/تموز من حيث مضمون خطاب "آسيا مرة أخرى"، فإن تطور العلاقات بين الدول التركية يصبح أكثر أهمية، ويتم فهم أهمية البحر الأسود بشكل أفضل عندما ننظر إلى "قرن تركيا" في السياق الأوسع. ويشير هذا إلى أن أمن البحر الأسود أمر حيوي. وكل هذا يفسر سبب اتخاذ تركيا موقفًا فعالا ونشطا في الحرب الأوكرانية للقضاء على المخاطر العالمية والإقليمية.
كما أن حرب أوكرانيا تهدد الوجود القومي لأتراك القرم. وهذا يدل على أن الحرب الحالية قضية وطنية لتركيا من جانب واحد. لم يُثر ذلك الكثير من التداعيات العامة، لكن زيارة مصطفى قرم أوغلو إلى تركيا جاءت في حيز زيارة الرئيس الأوكراني. من الحقائق المعروفة أنه لا يوجد بلد آخر غير تركيا يحمي قرم أوغلو، الذي ترتبط حياته كلها بنفي أتراك القرم. ومن المهم جدًا أن يلتقي وزير خارجيتنا ،هاكان فيدان بقرم أوغلو. ولا ينبغي ترك مستقبل أتراك القرم لأوكرانيا أو لأي قوة أخرى.
لقد نُفي قرم أوغلو مع جميع أتراك القرم الذين ناضلوا من أجل العودة إلى شبه جزيرة القرم منذ منتصف الثمانينيات. وهذه القضية كبيرة وتصلح أن تكون موضوعا لإنتاج الأفلام. حتى إن الإجراءات التي اتخذتها موسكو يمكن أن تخبر عالمنا بالكثير اليوم. الأهم من ذلك بالنسبة لنا أن نحاول فهم الأربعين عامًا الماضية من خلال التركيز على الأحداث الاجتماعية والسياسية التي حدثت في العالم التركي. الإصرار على شرح العالم من خلال التركيز على أنفسنا يمكن أن يؤدي إلى نظرة هوسية، لكن الاتساع الجغرافي للعالم التركي يكفي لإظهار مغالطة النظر باستمرار إلى الخارج لشرح الأحداث. ففقدان البوصلة مشكلة يجب أن تؤخذ على محمل الجد..
ومن الحقائق التاريخية المريرة أن جميع الأتراك أُجبروا على مغادرة شبه جزيرة القرم. وعلى الرغم من هذا الواقع القاسي، فقد بذلوا كل جهد ممكن للعودة إلى شبه جزيرة القرم. من الصعب جدا إدراك قيمة هذا النضال. بالإضافة إلى ذلك، "إسماعيل غاسبرالي- أحد أعظم المثقفين والناشطين في الفترة الحديثة من التاريخ التركي وربما أهمها- يتصدى بمفرده ليكشف عن قيمة شبه جزيرة القرم. لا يمكننا التعامل مع الحرب الأوكرانية مثل تعامل مع أي دولة أخرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس