ترك برس
تساءل تقرير نشرته صحيفة "اندبندنت تركية" عن أسباب عدم وصول حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة في تركيا، إلى السلطة منذ أكثر من نصف قرن، وكان آخر هزيمة تعرض لها هي في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها البلاد قبل قرابة شهرين.
التقرير الذي حمل توقيع الكاتب لطفي أوزشاهين، قال إن حزب الشعب الجمهوري "يبدو وكأنه منفصل عن المسيرة الاجتماعية للأمة ويتعثر أحياناً في فهم سطحي للتاريخ يربطه بـ"الكمالية".
وأضاف: يمكننا القول إن فهم الكماليين الأرثوذكس لحزب الشعب الجمهوري ونهجه في الدين والتقاليد والسياسة والثقافة، هو بالضبط مثل هذا، باستثناء بعض الفروق الدقيقة لدى بعض السياسيين والأكاديميين والكتاب في حزب الشعب الجمهوري، وبعبارة أخرى، فإن البعض يرون أن الشعب التركي (الفلاحون، الهيكل التربوي العقائدي، الجهلة، الرجعيون)، هم عقبة أمام التقدم والحداثة، وكما يقول يعقوب قادري في روايته "يابان": "غالباً ما يكونون مبتذلين، وقحين، وجبناء، وغير موثوقين".
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
ولأنهم تجمعوا في المسجد حول إمام أو ملا أو شيخ، يؤمنون بهم ولا يستطيعون استخدام عقولهم، فهم غير متعلمين، ويؤمنون بالقرآن الذي يفترض أنه نزل من السماء، لذا فهم في حاجة إلى أن يستنيروا ويتحرروا من أجل مصلحتهم وخلاصهم، ويجب أن يكونوا مثل الغربيين حتى في أزيائهم، ولذلك ليس من غير العلمي أن نقول إن الفلسفة التأسيسية لحزب الشعب الجمهوري هي في الأساس مناهضة للتقاليد والدين والإسلام، لا سيما مثل عصر التنوير الفرنسي، ومع ذلك فإن هذا الحكم لا يعني أن جميع المواطنين الذين صوتوا للحزب هم على هذا النحو، بل يوجد بينهم أشخاص متدينون ومرتبطون بشدة بالقيم الوطنية والروحية وبعضهم حتى يؤدي فريضة الحج، وما نفعله هو فهم الفلسفة التأسيسية المستنيرة النخبوية لحزب الشعب الجمهوري، هذا هو الهدف الرئيس الذي استمر حتى عام 1950 باستثناء ما فعله كل من عدنان مندريس ومصطفى بولنت أجاويد اللذين تركا حزب الشعب الجمهوري ونأيا بنفسيهما عن الفهم الكمالي الأرثوذكسي، ويمكن أن يطلق عليهما "المراجعين"، إذاً ما هو الإسقاط الثقافي الاجتماعي والسياسي لهذه الأيديولوجية المستنيرة؟
في هذه الرؤية فإن كل شيء مفروض على الناس من الأعلى، فلا يؤخذ رأي الشعب في شيء، فهذا نظام موحد لا يسمح إطلاقاً بالتعددية الثقافية والتعليمية، إنها لغة قومية وبناء أمة علمانية قائمة على أساس عرقي (الكردية، اللازية، الجورجية، الشركسية... إلخ)، فهي لا تتسامح مع مثل هذه المفاهيم، وهذا فهم على الطريقة السوفياتية للعلمانية، وهو ضد تجلي الدين في المجال العام.
وحزب الشعب الجمهوري ليس حزباً يسارياً بالمعنى الماركسي، كما هو مفترض، بل إنه يتوافق مع حزب قومي يميني كلاسيكي، لذلك لا يستطيع العمال المضطهدون الحصول على أصوات شرائح المجتمع، فهو حزب نخبوي بعيد عن لغة الناس، وتواصله مع الجمهور ضعيف، وقد ظل بعيداً من اتخاذ موقف واضح في ما يتعلق بالانقلابات العسكرية، بل على العكس من ذلك فقد أيد انقلاب عام 1960 والممارسات العلمانية لعملية 28 فبراير (شباط)، وهذا الوضع جعل حزب الشعب الجمهوري غير آمن في نظر غالبية الناس، ولن نبالغ إذا قلنا إن هذا هو حزب الشعب الجمهوري الكلاسيكي بشكل عام، وبمعنى آخر، وفق تعبير إدوارد تشايلدز، فإن حزب الشعب الجمهوري، كحزب مستنير، لا يعكس الخيال الاجتماعي والسياسي للأمة، ووفق بعض علماء الاجتماع الأميركيين، يبدو الحزب وكأنه منفصل عن المسيرة التاريخية والاجتماعية للأمة، حيث يتعثر أحياناً في فهم ضحل للتاريخ يكون سطحياً لدرجة أنه يبدأ التاريخ التركي مع الجمهورية، فهل يمكن لحزب لديه مثل هذا الفهم أن يكون في السلطة ضمن بيئة ديمقراطية؟
أما بخصوص رئيس الحزب السيد كمال كليتشدار أوغلو، فلأول مرة في تاريخ حزب الشعب الجمهوري يكون له زعيم من أصل علوي، ولقد حاول بصدق أن يقود الحزب إلى خط ديمقراطي ليبرالي، وقد قال "بالنسبة لنا فإن الشعب أهم من الدولة، حيث تأتي رفاهية وسعادة الشعب في المقام الأول، ونحن نحتضن جميع شرائح الجمهور كما هي، الأكراد، اللاز، الشراكسة، المساجد، الأئمة، المحجبات... ليست لدينا مشكلة مع الجميع".
وهذا الفهم يعد ثورة في تاريخ حزب الشعب الجمهوري الكلاسيكي، لكن هذه الثورة لا تنتشر في الحزب لأنه لا يتكون فقط من كليتشدار أوغلو، وإنما يتألف من طبقة "النبلاء المزيفين"، والأكاديميين السابقين والفنانين، وقضاة وباشاوات متقاعدين، متجمعين في الأحياء الفاخرة بالمدن، وهذه الجماعات هي العمود الفقري الأيديولوجي لحزب الشعب الجمهوري، ولهذا لا يمكن زرع الثقة لدى الشعب.
أما الأسباب الثانوية فيمثلها الانهيار الاقتصادي والفساد وعدم الثقة في العدالة، وانعدام الكفاءة، وعدم كفاية الحلول البديلة، وغير ذلك.
الانتخابات التركية
وفي 14 مايو/ أيار الماضي، شهدت تركيا انتخابات برلمانية ورئاسية في آن واحد، وصفت بـ "التاريخية" لكونها تتزامن مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية.
وتنافس في الانتخابات البرلمانية 24 حزباً لحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان البالغ إجمالي عدد مقاعده 600 مقعداً.
واستطاع تحالف "الجمهور" بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان من الحصول على غالبية البرلمان، بواقع أكثر من 320 مقعداً، فيما 268 منها فقط لحزب العدالة والتنمية، والباقي للأحزاب الأخرى المتحالفة.
في المقابل، لم ينجح تحالف "الطاولة السداسية" المعارض في تحقيق الغالبية بالبرلمان، حيث حصل حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة في البلاد، على 169 مقعداً فقط، بحسب النتائج النهائية التي كشفت عنها الهيئة العليا للانتخابات (YSK).
وعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، فقد خاض السباق 3 مرشحون عن تحالف حزبية مختلفة، هم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان عن تحالف "الجمهور"، وزعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو عن تحالف "الأمة" أو ما يعرف بـ "الطاولة السداسية"، والسياسي القومي سنان أوغان عن تحالف "الأجداد"، فيما أعلن محرم إنجه، المترشح عن حزبه "البلد" الانسحاب من التنافس قبل أيام بشكل مفاجئ.
وشهدت الجولة الأولى حصول أردوغان على 49.52 بالمئة من الأصوات، فيما نال منافسه الأبرز ومرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو 44.88 بالمئة، وسنان أوغان 5.17 بالمئة، لتعن الهيئة العليا للانتخابات عن امتداد السباق الرئاسي إلى الجولة الثانية التي جرت بتاريخ 28 مايو/ أيار 2023.
وأسفرت الجولة الثانية من الرئاسيات، عن حصول الرئيس أردوغان على 52.18 في المئة من الأصوات ومنافسه قليجدار أوغلو على 47.82 في المئة، ليتم بذلك انتخابات أردوغان لولاية جديدة تمتد لـ 5 سنوات.
وفي انتخابات الإعادة لاختيار الرئيس، أدلى 52 مليون و93 ألفا و375 ناخبا محليا بأصواتهم، وبلغ معدل التصويت 85.72 في المئة، فيما بلغت نسبة المشاركة 88.92% داخل البلاد، و53.80% خارجها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!