قدير أوستون - يني شفق
يشير رفض روسيا تمديد اتفاقية الحبوب إلى أنها تريد خلط الأوراق مرة أخرى بعد حدوث تمرد زعيم فاغنر بريغوجين وانعقاد قمة فيلنيوس. سلط تمرد بريغوجين الضوء على نقاط الضعف والتصدعات في الجيش الروسي، مما جعل بوتين يفقد المصداقية السياسية. وأصبح من الواضح أن روسيا لن تحقق نتيجة حاسمة على جبهات القتال في المستقبل القريب. كما يشير التقدم البطيء للهجوم المضاد الذي بدأته كييف إلى أن أوكرانيا لن تحقق نتائج في وقت قصير. وتُظهر حالة التوازن هذه أن الحرب قد تمتد لسنوات إذا لم يأمر بوتين قواته بالانسحاب التام. ومن المعروف أن الجيش الروسي يواجه صعوبات خطيرة لوجيستياً وبشريا. في هذا المشهد، حيث لا يمكن كسب التفوق العسكري، نرى أن طرقًا مثل إلغاء اتفاقية الحبوب تُستخدم لتوفير مزايا غير متكافئة.
في مواجهة الوضع العسكري "الذي لا يقهر" في الجبهة، يمكننا القول إن كلا الجانبين يسعيان إلى خطوات لتغيير قواعد اللعبة ونجاحات توفر التفوق النفسي. على سبيل المثال، قد يهدف نشر قوات فاغنر في بيلاروسيا إلى توسيع الجبهة. أما على الجانب الأوكراني، إذا كانت جهود زيلينسكي للحصول على خارطة طريق واضحة وناجحة لضمان عضوية بلاده في الناتو، فمن الممكن أن تبدأ مرحلة جديدة خلال الحرب. ويشير استهداف القوات الأوكرانية لجسر القرم مرة أخرى إلى أنها تريد زيادة وتيرة الهجوم المضاد من خلال إلحاق هزيمة نفسية جديدة بالجيش الروسي.ولعل إنهاء الكرملين لاتفاقية الحبوب يهدف إلى محاولة لتقليص الخيارات الاقتصادية لأوكرانيا وإلغاء وصولها إلى البحر الأسود.
يمكن القول إن روسيا تبحث عن خطة جديدة لتغير قواعد اللعبة بعد قمة فيلنيوس للناتو. من الواضح أن موسكو منزعجة من دعم تركيا المتكرر لعضوية أوكرانيا وتمهيد الطريق لعضوية السويد. فبعد انتهاء القمة مباشرة، رأينا قرارات روسيا في استخدام حق النقض الروسي للمساعدات الإنسانية لسوريا وإنهاء اتفاقية الحبوب.
نظرًا لأن اتفاقية الحبوب هي خطوة تزيد من سمعة روسيا في دول "الجنوب العالمي" ، فإن عدم تجديد الاتفاقية سيكون ضد موسكو. هذه الخطوات التي اتخذتها موسكو من خلال إنهاء صفقة الحبوب وترك تركيا في وضع صعب من خلال منع المساعدات الإنسانية إلى سوريا، قد تجعل الأمور تؤول إلى عمليات تفاوض جديدة، لكنها ليست كافية لتحويل مسار الحرب لصالح روسيا.
ويرى بعض المحللين بأن اتفاقية الحبوب يجب أن تتم حتى لو لم توافق روسيا عليها، ويقولون إن سفن شحن الحبوب يمكن حمايتها من قبل دولة ثالثة وأن تركيا يجب أن تسمح بمرور السفن عبر المضيق لهذا الغرض، مشيرين إلى أن روسيا ليس لها الحق في منع السفن. وإن عددا قليلا جدا من البلدان لديها القوة البحرية لحماية سفن الحبوب. علاوة على ذلك، لم تسمح تركيا بسيناريوهات قد تزيد خطر الصراع في البحر الأسود كما كان في الماضي. لذلك، ستبحث تركيا عن طرق للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن الحبوب. لن يوافق الكرملين بسهولة على صفقة جديدة، لكنه سيشعر بضغط دول "الجنوب العالمي". إن فسخ موسكو صفقة الحبوب قد تؤدي في النهاية إلى لعب تركيا دور الوسيط الحاسم مرة أخرى.
ويرى خبراء الخطوات التي اتخذتها تركيا في قمة فيلنيوس مُبالغٌ فيها معتبرين ذلك "تحولا إلى الغرب". ولكن على الرغم من أن خطوة انصمام السويد التي اتخذتها تركيا في مواجهة الوعود التي قطعت فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي و طائرات "إف 16" ومكافحة الإرهاب يتم تفسيرها على أنها "عودة إلى الغرب" لكن علينا التذكر بأن هذا يتم كشرط للمصالح الوطنية. إذا جلسنا على الطاولة مع روسيا مرة أخرى، فلا ينبغي أن نفاجأ إذا قرأنا التحليلات التي تفيد بأن تركيا تعود هذه المرة إلى الشرق. وبما أن تركيا تدرك جيدا أنه لا توجد خيارات تحالف متجانسة مثل الغرب أو الشرق، فإنها ستواصل العمل من خلال إعطاء الأولوية للمصالح الوطنية. إذا لم يكن من الممكن التوصل إلى صفقة حبوب جديدة فيبدو أن روسيا تريد أن تجعل من المستحيل على أوكرانيا الوصول إلى البحر الأسود على حساب تفاقم أزمة الغذاء العالمية. في مثل هذا السيناريو، قد يحتدم الصراع في البحر الأسود ويصبح أمرا لا مفر منه.
لقد قامت تركيا، منذ بداية الحرب الأوكرانية، بمحاولات دبلوماسية لإنهاء الصراع. واستطاعت الجمع بين وزيري الخارجية الأوكراني والروسي في إسطنبول، ولكن جهودها لم تحقق وقف إطلاق النار بسبب نقص الدعم من الغرب ونهج روسيا المتطرف. وعلى الرغم من ذلك، برزت تركيا كدولة يمكن أن تلعب دور الوسيط الحاسم. تصرفت تركيا قبل العديد من الدول الأوروبية في دعم دفاع أوكرانيا عن نفسها، ورأت مصلحتها الوطنية في إنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن. وعندما لم يكن الحل الدبلوماسي ممكنا ركزت تركيا على التخفيف من الآثار الإقليمية والعالمية للحرب وتحقيق نجاحات مثل تبادل الأسرى وصفقات الحبوب. وسيتعين على تركيا أن تلعب دورا رئيسيا مرة أخرى في مفاوضات صفقة الحبوب، حيث إن الفشل في تجديد صفقة الحبوب يهدد بتأجيج أزمة الغذاء العالمية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس