أ.د أحمد أويصال - الشرق

عندما خسرت الإمبراطورية العثمانية مصر وقناة السويس لصالح بريطانيا العظمى، أرادت بناء طريق تجاري بديل يربط بين الشرق والغرب، فتم التخطيط لإنشاء خط سكة حديد برلين - بغداد لربط الخليج العربي (والمحيط الهندي) ببحر الشمال، وأن يكون خط سكة حديد الحجاز بمثابة خط سكة حديد موازٍ لقناة السويس ولطرق المواصلات البحرية المؤدية إلى اليمن، لكن مسارات الحرب العالمية الأولى ونتائجها أوقفت هذه المشاريع، وأصبح اليوم لدينا شرق أوسط مختلف صممه الغرب.

وبينما بدأت الجغرافيا السياسية العالمية تتغير مع صعود الصين مؤخراً، فإننا نشهد مؤخراً تجدد الحروب التجارية وحروب الممرات التجارية، وتركز هذه المنافسة العالمية على مشروع الصين العالمي المسمى مبادرة الطريق والحزام، الذي يهدف إلى نشر المنتجات الصينية في جميع أنحاء العالم بسرعة وأمان.

أثبتت جائحة كورونا أهمية سلاسل التوريد، كما أثبتت حرب أوكرانيا أهمية طرق المواصلات البحرية، مثال على ذلك أزمة نقل الحبوب في حوض البحر الأسود، وأعلنت البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي عن مشاريع مماثلة للتجارة العالمية، وأطلقت الولايات المتحدة بالاشتراك مع اليابان وأستراليا مشروع شبكة النقطة الزرقاء الذي يدعم الاستثمار في مشاريع البنية التحتية عالية الجودة حول العالم، واقترحت روسيا إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومؤخراً تم الإعلان عن أحدث هذه المشاريع على هامش قمة G20 في الهند، وهو ممر الهند-الشرق الأوسط - أوروبا، برعاية ومشاركة أمريكية.

تريد إدارة بايدن تحقيق انتصار على الصين الصاعدة قبيل عام الانتخابات القادمة، وشدد مستشاره الأمني جيك سوليفان على إمكانات النمو الاقتصادي والتواصل في الشرق الأوسط.

شكك المسؤولون الأتراك في منطق استخدام هذا الممر الجديد إذا تجاوز تركيا التي أكملت بالفعل البنية التحتية لطرق المواصلات والسكك الحديدية الحديثة، تركيا تريد اتصالاً أسرع بآسيا الوسطى عبر ممر زنغزور في القوقاز الجنوبي، وبالخليج العربي عبر العراق، لقد قطعت الحرب الأوكرانية الممر الشمالي لمبادرة الطريق والحزام الصينية، فأصبح ممرها الأوسط الذي يمر عبر أذربيجان أكثر أهمية، ولأن تركيا حالياً مرتبطة بأذربيجان فقط عبر جورجيا أو إيران، فإن تركيا وأذربيجان يضغطان بشدة على أرمينيا لفتح ممر زنغزور لجعل الطريق بينهما أقصر وأسرع.

وعلى عكس إيران، تدعم تركيا تفعيل مشروع «قناة التنمية» الذي يخطط العراق لإنجازه بالتعاون مع تركيا، ومع دول المنطقة الأخرى الراغبة في الاستفادة من هذا المشروع، فمثلاً يمكن لدولة قطر أن تستفيد من هذا المشروع بتصدير غازها إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا باستخدام ممر قناة التنمية الذي سينطلق من الأراضي العراقية، ممر قناة التنمية قد يؤدي إلى تعزيز اقتصاد العراق واستقلاله السياسي في مواجهة النفوذ الإيراني.

ومن الممكن أن يؤدي الممر الجديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا إلى تعقيد الجغرافيا السياسية الإقليمية إذا كان يشمل إسرائيل. وقد يجمع الدول المستبعدة من المشروع مثل عُمان والعراق وتركيا ومصر. بطبيعة الحال، الصين التي تمتلك الكثير من الموارد والمتقدمة في سباق الاقتصاد العالمي لن تظل مكتوفة الأيدي أما هذا الممر الجديد، فيحتوي الممر التجاري الجديد أيضًا على العديد من الثغرات، أولاها أن القوة التنافسية للهند لا تضاهي الصين التي لديها ناتج محلي إجمالي في عام 2022 يعادل خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للهند في ذات العام. وثانية الثغرات هي من سيمول هذا المشروع الكبير، لأن الهند ليست لديها موارد كافية لتمويل هذا المشروع مثل الصين. حاليًا، خصصت الولايات المتحدة والأوروبيون معظم مواردهم لحرب أوكرانيا. ولذلك، فإنهم لن يكونوا متحمسين للغاية لتمويله كمستفيدين غير مباشرين للمشروع. وسيكون المصدر البديل للتمويل هو دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ثالثًا، يؤدي إدراج إسرائيل في هذا المشروع أيضًا إلى تعقيد الأمور، لأن مناقشات التطبيع ستستغرق وقتًا طويلاً مع الدول العربية، وسيكون استقرار إسرائيل أيضًا علامة استفهام للمستثمرين. رابعاً، النسخة الحالية من الممر الجديد ستتخللها عمليات نقل متعددة للبضائع براً وبحراً حيث سيكون مسارها: بر – بحر – بر – بحر – بر. مما سيضيف وقتاً وتكلفة كبيرة للمنتجات الهندية مقارنة بمسار المنتجات الصينية وغيرها في الممرات الأخرى المطروحة للتجارة العالمية. وإذا اختار الخط البديل العراقي- التركي (ممر مشروع قناة التنمية) فسيكون مسار البضائع المشحونة: بر – بحر – بر فقط، مما يقلل زمن وتكلفة المنتجات المنقولة، ناهيك عن تكلفة البنيات التحتية والخدمات اللوجستية. وسوف يمثل هذا المشروع بمثابة إحياء لخط سكة حديد برلين- بغداد، ولذلك فإن الخيار بين الانخراط بمشروع ممر قناة التنمية «الواعد» أو مشروع ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا «المبهم» سيكون مطروحاً أمام ممولي هذا المشروع، وخاصة المملكة العربية السعودية.

عن الكاتب

د. أحمد أويصال

مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس