إسماعيل ياشا - عربي21
أثار موقف رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان من عملية طوفان الأقصى، والهجمات الوحشية التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، استغراب الكثير من محبيه في الشارع العربي واستياءهم من ذاك الموقف الذي يصفونه بـ"الضغيف" وحتى "المتخاذل"، لأنهم كانوا يتوقعون من الرئيس التركي موقفا كالذي أبداه في منتدى دافوس عام 2009، كما أنهم يعلقون آمالا كبيرة على تركيا، وينتظرون منها في بعض الأحيان مواقف وخطوات تفوق قدرتها.
المثل العربي يقول: "من لدغته الحية يخاف من الحبل"، وهناك مثل تركي مشابه يقول إن من يحرق لسانه بالحليب الساخن يأكل اللبن الزبادي وهو ينفخ فيه لتبريده، في إشارة إلى الحذر الشديد. ولعل هذان المثلان يساعدان في فهم موقف تركيا التي عانت من تدهور علاقاتها مع عدة دول في المنطقة بسبب موقفها الداعم لثورات الربيع العربي، وهو موقف مشرف إلا أن تركيا دفعت ثمنه غاليا، وبذلت جهودا حثيثة في الآونة الأخيرة لترميم العلاقات التي تراجعت بسببه.
أنقرة تدرك أن إسرائيل تتمتع بحماية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، وأن هناك أنظمة عربية تتمنى أن تنجح إسرائيل في القضاء على حركة حماس وإعادة حكم القطاع إلى السلطة الفلسطينية، كما أن قوى إقليمية أخرى لها حساباتها الخاصة. ولذلك، تحسب ألف حساب قبل أن تقدم على أي خطوة كي لا تجر البلاد إلى مخاطر تهدد أمنها القومي. وهي سياسة يراها البعض ترددا لا ينبغي له ويؤدي إلى تضييع فرص لا تعوض.
الحكومة التركية برئاسة أردوغان تسعى إلى فعل كل ما تقدر على فعله، لوقف إطلاق النار وحماية الفلسطينيين، كما تتطلع إلى دور الوساطة في الملف الفلسطيني على غرار الدور القطري، وترى أن خطوات كطرد السفير الإسرائيلي لا تخدم ما ترمي إليه. وتدرك جيدا أن الطريق إلى غزة يمر من معبر رفح، وأنها بحاجة لتعزيز علاقاتها مع القاهرة لتتمكن من الوقوف إلى جانب سكان القطاع وتخفيف آلامهم ومعاناتهم.
تصريحات رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في إدانة جرائم إسرائيل، جاءت أشد من تصريحات حليفه أردوغان. ويبدو أن هناك تبادلا للأدوار بين شركاء تحالف الجمهور المؤيد للحكومة. وقال بهتشلي، في كلمته الأخيرة أمام نواب حزبه، إن الأمم المتحدة لم يعد لها تأثير، كما أن منظمة التعاون الإسلامي لا أمل فيها، مضيفا أن الدول الإسلامية تشاهد قصف القطاع دون أن تحرك ساكنا، وأن مهمة حماية غزة والدفاع عنها في هذه الحالة تقع على عاتق الشعب التركي. وأشاد في ذات الوقت بالاتصالات التي يجريها أردوغان، وأعلن أنه يؤيد تحركات الرئيس التركي.
المعارضة التركية بدورها تبدي ارتياحا من الموقف التركي الرسمي والجهود الدبلوماسية التي تبذلها أنقرة لوقف الاشتباكات ومساعدة سكان القطاع، إلا أن بعض أحزابها، كالحزب الجيد برئاسة ميرال آكشنير، تتهم في ذات الوقت حماس بــ"الإرهاب". ولا يشارك حزب السعادة برئاسة تمل كاراموللا أوغلو وحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو رأي حليفهما في الطاولة السداسية، بل يدعمان المقاومة الفلسطينية، كما رحبا بتصريحات بهتشلي التي تدعو إلى حماية سكان القطاع.
الحكومة التركية أرسلت عدة طائرات محملة بالمساعدات الإنسانية والأدوية والمستلزمات الطبية إلى مطار العريش المصري لإدخالها إلى القطاع، كما أرسلت فريقا يتألف من 20 طبيبا متخصصا. ويعتزم وفد من البرلمان التركي زيارة القطاع للتعبير عن تضامن تركيا مع سكان غزة، والاطلاع على الأوضاع الإنسانية والانتهاكات الإسرائيلية.
التعاطف الشعبي في الشارع التركي مع ما يحدث في قطاع غزة كبير للغاية، وهناك فعاليات مختلفة في كافة المدن التركية لدعم صمود المقاومة الفلسطينية. كما أن معظم هؤلاء المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني يؤيدون موقف الحكومة التركية من الأحداث، ومساعيها الحثيثة لوقف إراقة الدماء في القطاع وتضميد جراح سكانه.
حزب العدالة والتنمية سينظم يوم السبت مظاهرة حاشدة في مدينة إسطنبول للتنديد بجرائم إسرائيل والتضامن مع الشعب الفلسطيني. ومن المنتظر أن يشارك فيها أردوغان مع حلفائه، ويلقي كلمة أمام الجماهير، ويتوقع أن ينتقد الرئيس التركي في كلمته موقف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من انتهاكات إسرائيل.
الحكومة التركية تبحث عن طريق يحمي أرواح الفلسطينيين وحقوقهم، ويتوافق في ذات الوقت مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، إلا أن الموقف الغربي الداعم لإسرائيل يسد كافة تلك الطرق. ولذلك، تسعى أنقرة إلى توحيد مواقف الدول الصديقة لفلسطين لتشكيل جبهة ضاغطة على إسرائيل وحلفائها، وضامنة لحقوق الشعب الفلسطيني. ويقوم وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بزيارات للعواصم العربية للقيام بهذه المهمة الصعبة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس