ترك برس
تميّز خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام أمام الكتلة النيابية لحزبه العدالة والتنمية، بأنه تضمن تصعيداً في النبرة تجاه إسرائيل بعدما حافظ منذ بداية التصعيد الأخير على نبرة أقل حدة. ووجّه أردوغان رسائل لـ تل أبيب حذّرها من التصعيد.
وأدان أردوغان في الخطاب نفسه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، معلناً إلغاء زيارة رسمية لتل أبيب كانت مجدولة مسبقاً، قائلاً إن "إسرائيل استغلت نوايا تركيا الحسنة، وإنه لن يذهب إلى إسرائيل مثلما كان مخططاً، وأضاف أن الهجمات الإسرائيلية على غزة ودعم هذه الهجمات يصل إلى حد الاغتيال والمرض العقلي"، في إشارة إلى الدعم الغربي للاحتلال الإسرائيلي.
وقال الرئيس التركي إن "الدموع التي يذرفها الغرب من أجل إسرائيل نوع من الاحتيال"، وأكد أن بلاده ستواصل استخدام كل الوسائل السياسية والدبلوماسية والعسكرية اللازمة، وحثّ إسرائيل على الاستجابة لدعوات السلام.
وأضاف: "من أجل إظهار الحقيقة بوضوح في عالم مليء بالأموات الأحياء، فإن تركيا شعباً ودولة مستعدة لاستخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية، وإذا تطلب الأمر العسكرية" لوقف هذه الحرب، دون توضيح ماهية هذه الوسائل وخصيصاً العسكرية. مضيفاً أن "إسرائيل تنفذ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، واحدة من أكثر الهجمات دموية ووحشية، والمقززة في التاريخ ضد الأبرياء في غزة".
تركيا ترفع وتيرة خطابها تجاه إسرائيل.. ما الرسائل؟
لا شك أن أبرز ما كشفه خطاب أردوغان حول تطور الخطاب الرسمي التركي تجاه هذه الأزمة، هو إيضاح موقفها بالكامل تجاه حركة حماس والدفاع عن علاقة أنقرة معها، بوصفها حركة تحرر وطني ضد الاحتلال، على عكس ما تسعى أمريكا لفرضه على دول المنطقة، وهو إدانة حماس وربط أفعالها بـ"تنظيم داعش"، بحسب تقرير لـ "عربي بوست".
وترجمة لهذه التصريحات، قالت وسائل إعلام تركية إنه بُعيد خطاب أردوغان، اجتمع وزير الخارجية التركية هاكان فيدان بقيادات من حركة حماس في إسطنبول، لتأكيد الموقف التركي من الدفاع عن الحركة، بعدما زعمت وسائل إعلام إسرائيل أن أنقرة طالبت في 7 أكتوبر/تشرين الأول قيادات حماس بمغادرة أراضيها كي لا يتم وضع أنقرة في موقع حرج.
في الوقت نفسه، كشفت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، أن تركيا قررت تعليق خطط التعاون مع "إسرائيل" في مجال الطاقة، وأن وزير الطاقة التركي قرر إلغاء زيارة مجدولة لتل أبيب، بعدما أعلن أردوغان إلغاء زيارته لإسرائيل هو الآخر.
ومنذ بداية الحرب، اكتفى الخطاب التركي خلال الأيام الأولى بإدانة "الخسائر في أرواح جميع المدنيين" والتأكيد على "الاتصال مع جميع الأطراف المعنية للمساعدة في إنهاء النزاع".
لكن بعد قصف إسرائيل للمستشفى المعمداني في قطاع غزة الذي أدى لاستشهاد نحو 500 فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، قال الرئيس التركي إن "القصف الإسرائيلي هو رد غير متناسب، ويصل إلى حد المذبحة". ودعا إسرائيل إلى وقف هجماتها على قطاع غزة التي ترقى إلى حد التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
كما طالب أردوغان الحكومة الإسرائيلية بوقف قصفها للأراضي الفلسطينية، طالب الفلسطينيين "بوقف تحرشاتهم ضد التجمعات السكنية المدنية في إسرائيل". وهو خطاب لم يكن ليشبه ردود فعله على التصعيد الإسرائيلي في الحروب السابقة، أو الجرائم في الضفة الغربية والقدس.
حيث قال الرئيس التركي في حرب غزة عام 2014، التي استُشهد فيها نحو 3000 فلسطيني: "يلعن الإسرائيليون هتلر ويشتمونه ليلاً ونهاراً بسبب الهولوكوست، ولكن اليوم، نجد أن دولة إسرائيل الإرهابية قد تجاوزت فظائع هتلر من خلال عملياتها بغزة".
أما في عام 2018، حيث استُشهد عشرات الفلسطينيين المدنيين في فعاليات مسيرات العودة على حدود قطاع غزة، وصف أردوغان نتنياهو بالإرهابي، وسحبت تركيا سفيرها في تل أبيب وأعلنت السفير الإسرائيلي لديها شخصاً غير مرغوب به.
لكن تركيا سعت لاحقاً مع نهايات عام 2020 لتحسين علاقاتها مع عدد من الأطراف الإقليمية، التي شهدت علاقاتها معها توتراً وتراجعاً خلال السنوات الماضية، ومن بينها إسرائيل.
حيث قررت أنقرة الإفراج عن الزوجين الإسرائيليين المحتجزين في إسطنبول وفتح صفحة جديدة مع إسرائيل، ومقابل ذلك زار الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، تركيا وسط استقبالٍ رسمي حافل.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، التقى أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث بحثا تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية، بحسب ما أعلن حينها بيان للرئاسة التركية.
ما الوسائل التي هدد أردوغان باستخدامها ضد إسرائيل؟
أردوغان، خلال خطابه الأخير الذي شن فيه هجوماً على إسرائيل لارتكابها حرب إبادة في غزة، قال إن تركيا مستعدة لاستخدام "الوسائل السياسية والدبلوماسية، وإذا تطلب الأمر العسكرية" لوقف الحرب، لكن لم يوضح الرئيس التركي ماهية هذه الوسائل وخصيصاً العسكرية.
فالخيارات الدبلوماسية والسياسية متاحة بالنسبة للأتراك، وقد تم استخدامها مسبقاً مثل إلغاء لبعض الاتفاقيات الاقتصادية أو السياسية المشتركة بين الطرفين، وهو ما حدث الآن بتعليق خطط التعاون مع "إسرائيل" في مجال الطاقة بحسب بلومبرغ، أو طرد السفير الإسرائيلي وسحب السفير التركي من تل أبيب على سبيل المثال، أو الضغط على واشنطن والغرب بأوراق عدة، مثل سحب تفويض البرلمان التركي بانضمام السويد لحلف الناتو.
لكن تهديد أردوغان باستخدام "وسائل عسكرية" هو الأول من نوعه، وغير مسبوق في الخطاب الرسمي. لذلك، لا شك أن هذه الجملة تحتاج لتفسير من الجانب التركي، إذ لا يمكن تخيل هذا الخيار إلا عبر البحر المتوسط بحسب محللين.
وتجري تركيا حالياً مناورات عسكرية في البحر الأبيض المتوسط مستمرة منذ نحو أسبوع، فهل من الممكن على سبيل المثال أن تتطور هذه المناورات للضغط على الجانب الإسرائيلي أو الأمريكي هناك، حيث تحرك واشنطن حاملات طائرات وبوارج عسكرية على سواحل فلسطين المحتلة؟ لا أحد يعلم ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!