د. علي محمد الصلَّابي - خاص ترك برس

كان السلطان نور الدين محمود (رحمه الله) يرى بأن إزالة الدولة الفاطمية هدفاً استراتيجياً، للقضاء على الوجود الصليبي، وتقويض النفوذ الباطني في بلاد الشام، وتوحيد العالم الإسلامي تحت قيادة واحدة. وقد حرص على إعادة مصر للحكم الإسلامي الصَّحيح، فوضع الخطط الأمنية والاجتماعية والتروبية والعسكرية الَّلازمة، وأعدَّ الجيوَّش المطلوبة، وعَيَّن الأمراء ذوي الكفاءة المنشودة، فتمَّم الله له ما أراد على يدي جنديَّهِ ِالمخلص، وقائده الأمين الناصر صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله)، والذي نفذ سياسة نور الدين الحكيمة في إرساء الحكم الراشد في مصر، وضمنها للشام، وإنهاء مظاهر الحكم الفاسد والمؤامرات التي أضرت بالأمة وعزتها وكرامتها، والتي كان يدبر لها الوزراء في الدولة الفاطمية في أواخر عهدها، وقد عمل صلاح الدين الأيوبي على توطيد الحكم الإسلامي السُّني في مصر، ورد غارات الصليبيين، وفي آخر المطاف قام بتوحيد مصر والشام والعراق تحت سلطة إسلامية واحدة.  

أولاً: دور صلاح الدين في الوزارة النُّورية

كان صلاح الدين قد أظهر خلال صحبته لعمِّه أسد الدين شيركوه، في أثناء حملاته على مصر كفاءةً عاليةً، جعلته محط أنظار الجميع، فتولَّى الوزارة بعد وفاة عمِّه، وهو في الحادية والثلاثين من عمره، حيث اختاره  العاضد، لما عُرف عنه من قبول، ولأنه كان أصغر الأمراء سناً، وبالتالي قد يكون أكثر طواعيةً له، إلا أنَّ صلاح الدين خيَّب ظنَّ الفاطميين، فشرع يستميل قلوب الناس إليه، كما بذل لهم من الأموال التي قد جمعها عمُّه، فمال الناس إليه، وأحبُّوه، وسيطر على الجند سيطرةً تامَّةً، وكانت المهام التي أنجزها الوزير صلاح الدين في عهد نور الدِّين عظيمةً، واستطاع القضاء على مراكز القوَّة داخل البلاط الفاطمي بمصر.

1 ـ مؤامرة مؤتمن الخلافة:

جرى من الأحداث في مصر بعد تولية صلاح الدين منصب الوزارة، أنَّ البلاد كانت تجتاز مرحلةً خطيرةً في تاريخها، فالدَّولة الفاطمية لا زالت موجودةً، ويُساندها عسكر ضخم، وكبار شخصيات الدولة، والخطر الصليبي لا يزال قريباً من أبواب مصر الشرقية، فكان عليه أن يُثبِّت أقدامه في الحكم؛ ليتفرَّغ لمجابهة ما قد ينشأ من تطورات سياسية، ولم يلبث أن أظهر مقدرةً كبيرة في إدارة شؤون الدولة، وهو عازم على الاستئثار، بكافة الاختصاصات؛ حتى التي تخصُّ منصب الخلافة، ونفَّذ عدة تدابير كفلت له الهيمنة التامة (الجهاد والتجديد، محمد حامد ناصر، ص205)، ومنها:

ـ استمال قلوب سكان مصر بما بذل لهم من الأموال، ورد لهم من مظالم، فأحبُّوه.

ـ استمال مماليك عمه أسد الدِّين شيركوه، وسيطر بشكل تام على الجند بعد أن أحسن إليهم.

ـ قوَّى مركزه بما كان يمدُّه به نور الدين محمود من المساعدات العسكرية، وقد وصل أخوه الملقب بشمس الدولة «توران شاه بن أيوب» مع مددٍ عسكري كبير.

وقد أدَّت التدابير التي نفَّذها صلاح الدين إلى تقوية قبضته على مفاصل الدولة الفاطمية، وزادت من تراجع شوكة العاضد ووزرائه، وبالتالي مركز الإمامة "الشيعية"، وأثار استياء كبير الطواشية مؤتمن الخلافة، وهو نوبيٌّ، وقائد الجند السُّودان، وقد أدرك أنَّ نهج صلاح الدين في الحكم سوف يقضي في حال استمراره على الدولة الفاطمية عاجلاً أو اجلاً، ويبدو أنَّه كان من بين الطامعين في خلافة الوزير شاور، وحين أخفق في ذلك، بدأ يُحيك الدَّسائس للإطاحة بصلاح الدين، غير أن صلاح الدين علم بخيوط المؤامرة، وقبض على مؤتمن الخلافة، وانتهز الفرصة للتخلُّص منه، ومن أتباعه بالجملة، وقد قام صلاح الدين بإبعاد جميع الخدم من السُّودان عن قصر الخلافة، واستعمل على الجميع في القصر بهاء الدين قراقوش، فكان لا يجري في القصر صغيرة ولا كبيرة إلا بأوامره (البداية والنهاية، ابن كثير، ج16، ص434).

2 ـ وقعة السُّودان:

لما قتل صلاح الدين الطَّواشي مؤتمن الخلافة، وعزل بقيَّة الخُدَّام، وأبعدهم عن القصر؛ غضبوا منه، وثاروا عليه، واجتمعوا قريباً من خمسين ألفاً، فاقتتلوا هم وجيش الملك صلاح الدين، فقُتل خلق كثير من الفريقين، وكان العاضد ينظر من القصر إلى المعركة، ثم إنَّ أخا الناصر صلاح الدين شمس الدولة «توران شاه» كان حاضراً تلك المعركة، وقد بعثه نور الدين إلى أخيه ليشدَّ أزره، فأمر بإحراق منظرة العاضد، وفُتِح الباب، ونُودِي: إنَّ أمير المؤمنين يأمركم أن تخرجوا هؤلاء السُّودان من بين أظهركم، ومن بلادِكم، فقوي الشاميون، وضعف جأش السودان جدَّاً، وأرسل الملك الناصر إلى محلَّتهم المعروفة بالمنصورة، الَّتي فيها دُورُهم، وأهلُوهم بباب زويلة، فأحرقها، فولَّوا عند ذلك مُدبرين، وركبهم السَّيف، فقتل منهم خلقاً كثيراً، ثم طلبُوا الأمان من الملك صلاح الدين، فأجابهم إلى ذلك، وأخرجهم إلى الجيزة، ثمَّ خرج إليهم شمسُ الدولة تورانشاه أخو الملك صلاح الدين، فقتل أكثرهم، ولم يبق منهم إلا القليل، ويبدو أنَّ حاكم مصر الفاطمي العاضد كان في ذلك الوقت على علم بمؤامرة مؤتمن الخلافة، لأنه ليس من المتصور أن يجري ذلك في قصره، وبدون علمه، ويؤكِّد ذلك أنَّ قوات صلاح الدين يوسف بن أيوب تعرَّضت وهي تصفي أطراف المؤامرة، بهجمات بالحجارة، والسهام صادرةً من قصر الحاكم، بل إنَّ العاضد كان يراقب المعركة من القصر.

كان اكتشاف المؤامرة من مسؤوليات ديوان الإنشاء، وبالذات القاضي الفاضل؛ الذي كان العقل المدبر للقضاء على النفوذ الفاطمي في مصر، وتثبيت المذهب السنُّي، وسلطنة الزنكيين، فقد كان القاضي الفاضل يراقب كتَّاب ديوان الإنشاء، والمسرَّحين منهم بصورة خاصة، وكانت العيون مبثوثةً في كلِّ ناحيةٍ، ومنطقةٍ، وزاويةٍ في القصور، وبين العساكر، وعلى الحدود، وعلى كلِّ محطَّةٍ من محطَّات البريد، أو محطَّات الاتصال بين مصر والصليبيين، وقد كانت هذه العيون على اتصال مباشر بالقاضي الفاضل، تزوِّده بتقريرها بواسطة الرُّسل، وعلى أجنحة الحمام الزَّاجل (القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني العسقلاني، هادية شكيل، ص130).

3 ـ القضاء على الأرمن:

لم يتوقَّف نصر صلاح الدين بالقضاء على شوكة السُّودان؛ بل أتبعه بفلِّ شوكة الأرمن في الدولة الفاطمية، وهم الفرقة التالية للسُّودان قوةً، وعدداً، فأحرق داراً للأرمن بين القصرين، وفيها عددٌ كبير من الجنود الأرمن، معظمهم من الرُّماة، ولهم نفوذ وإقطاعات ضخمة من الحكومة، وكان هؤلاء قد حاولوا أن يُعرقلوا تحرك قوات صلاح الدين في أثناء المعركة مع السُّودان برميهم بالنشَّاب، فلقوا جزاءهم، وأما من تبقَّى منهم، فنفاهم صلاح الدين إلى الصَّعيد، وبالتالي، أضعف صلاح الدين بقضائه على شوكة السودان، والأرمن الدَّولة الفاطمية إلى حدٍّ بعيد، بحيث أصبح من الواضح: أنَّ القضاء على الدَّولة الفاطمية نفسها مسألة وقت لا أكثر.

4 ـ اهتمام صلاح الدين بتقوية جيوشه:

عمل صلاح الدين حال تولِّيه الوزارة على إعداد جيش أيوبي ليكون نواة لجيشٍ مصريٍّ جديد مرتبط بالشام والخلافة في بغداد، يدافع به عن حياض الأمة، وعن مصر من الغزو الصليبي، ولم يَخْفَ عليه تدهور وضع الجيش الفاطمي؛ لأنه خبره في أثناء رحلاته الثلاث إلى مصر ما بين عامي 559 و564هـ/1163م ـ 1168م، وعرفه معرفةً جيدةً من حيث مصادره البشرية، والمالية، والحربية، ومن حيث تنظيمه، وفرقه المبنية على أساسٍ عرقيٍّ، مثل السُّودان، والأرمن، والمصريِّين، والدَّيلم، والأتراك، والعربان، وكان يعرف بالتفصيل وضع كلِّ فرقةٍ من هذه الفرق، وكان القاضي الفاضل يعرف الكثير عن القوات المصرية عن طريق عمله معها في ديوان الجيش، ومطَّلع على كلِّ فرقةٍ منها، وعلى نيَّات كلِّ قائد من قوَّادها، ولم يضنَّ بمعلوماته عنها على صلاح الدين، بل وجهه في تنظيم جيشه الأيوبي، وإدارته، وظلَّ طول عمره مع صلاح الدين يشرف على عساكره، ويراقب إعدادها، وتنظيمها، ومواردها الماليَّة، ويصحبها من مصر إلى الشام لتحارب مع صلاح الدِّين، ومن الشام إلى مصر لتستعدَّ، وقد أنشأ صلاح الدين في بداية عهده في الوزارة جيشاً كبيراً ازداد عدداً، وعدَّة بمرور الوقت، واتساع عملياته الحربية ضد الفرنج، وكان قوام هذا الجيش في مصر الحرس الخاص، والجيش النظامي في مصر، ثم الجيوش الشعبية؛ التي تكَوَّنت من أمراء الإقطاع، وجنودهم، ولا سيَّما في الشام، والجزيرة بعد سنة 570هـ/1174م والبدو (القاضي الفاضل، مرجع سابق، ص127).

ثانياً: التصدي للحملة الصليبية البيزنطية المشتركة، وحصار دمياط 565هـ

أدرك الصليبون خطورة موقفهم بعد فتح مصر، وتولِّي صلاح الدين وزارتها، فاتفق ملك القدس «عموري» مع إمبراطور بيزنطة على غزو مصر بأساطيلهم، وحاصروا دمياط تنفيذاً لذلك التحالف، وأرسل صلاح الدين قواته، بقيادة خاله شهاب الدين محمود، وابن أخيه تقي الدين عمر، وأرسل إلى نور الدِّين يشكو ما هم فيه من المخاوف، ويقول: إن تأخرتُ عن دمياط؛ ملكها الصليبيون، وإن سرت إليها؛ خَلفني المصريُّون في أهلها بالشرِّ، وخرجوا من طاعتي، وساروا في أثري، والفرنج أمامي، فلا يبقى لنا باقية، وقد قام نور الدين بالدور المتوقع منه، واتَّخذ القرار السليم، فسير إلى صلاح الدين العساكر، ثم سار هو بنفسه إلى بلاد الفرنج الشاميَّة، وقام بشنِّ الغارات على حصون الفرنجة، وقلاعهم، ووصلت سراياه إلى المدى الذي لم تصله من قبل في بلادهم ليخفِّف الضَّغط عن مصر، وفي ذلك تعزيزٌ، ودعمٌ لصلاح الدين؛ حتَّى يتمكَّن من إحكام السيطرة على مصر؛ ليتفرَّغ بعد ذلك للمساعدة في تحقيق الهدف الاستراتيجي الكبير المتمثِّل في تحرير سواحل بلاد الشام من الاحتلال الفرنجي.

وقد قامت حامية دمياط بدور بطولي في الدِّفاع عن المدينة، وألقت سلسةً ضخمةً عبر النهر، بحيث منعت وصول السفن اليونانية إليها، وأنزل المسلمون المدافعون الخسائر بالأسطول الصليبي البيزنطي، وهطلت أمطارٌ غزيرةٌ حوَّلت المعسكر الصَّليبي إلى مستنقع، فتهيؤوا للعودة، وغادروا دمياط بعد حصار دام خمسين يوماً دون جدوى، وعندما أبحر الأسطول البيزنطي؛ هبَّت عاصفةٌ عنيفةٌ، فلم يستطع البحارة الذي كادوا أن يهلكوا جوعاً من السيطرة على سفنهم فغرق معظمها، ونصر الله المسلمين نصراً مؤزراً (الجهاد والتجديد، مرجع سابق، ص208).

1 ـ أسباب فشل الحملة على دمياط:

يعود فشل الحملة الصليبية - البيزنطية على دمياط إلى عوامل تتعلَّق بالمسلمين، والصَّليبيين، والبيزنطيين ،وبالجانبين: الصَّليبي، والبيزنطي معاً.

أ ـ في الجانب الإسلامي: يمكن رصد العوامل التالية:

ـ صمود سكان دمياط في وجه المعتدين.

ـ سرعة إمداد صلاح الدين المدينة بالمؤن، والسلاح.

ـ التعاون الصادق بين القوَّات الإسلامية في كلٍّ من بلاد الشام، ومصر بهدف التصدِّي للمعتدين.

ـ القدرة القتالية للقوات الإسلامية، وحسن تخطيطها، وتنظيمها الدَّقيق().

ـ موقف نور الدين محمود الدَّاعم، فقد أرسل بعوثاً كثيرةً، يتبع بعضها بعضاً، ثم إنَّ نور الدين اغتنم غيبة الفرنج عن بلادهم، فعمد إليهم في جيوشٍ كثيرةٍ، فجاس خلال ديارهم، وغنم من أموالهم، وقتل من رجالهم، وسبى من نسائهم، وأطفالهم شيئاً كثيراً، وعندما بلغ الفرنج بدمياط ما فعله نور الدين؛ اضطروا لترك دمياط.

ـ استغلال المسلمين الجيِّد للفرص؛ التي أتيحت لهم، فقد استغلُّوا فرصة معاناة البيزنطيين من الجوع، فشنُّوا هجوماً عليهم جاء فعَّالاً، كما استغلُّوا هبوب الرياح الجنوبية لإشعال النار في الأسطول البيزنطي بواسطة حرَّاقة(). والأهم من هذا كلِّه توفيق الله، وحفظه، ومعيته، وإنزال نصره على عباده المجاهدين.

ب ـ في الجانب الصَّليبي اللاتيني:

ـ لقد أخَّر الملك عمُّوري الأوَّل الهجوم على المدينة مدَّة ثلاثة أيام حتى يصل الأسطول البيزنطي.

ـ إحجام القوات الصليبية عن إمداد القوات البيزنطية بالمؤن عندما تعرَّضت لهجوم المسلمين؛ حيث وقفت موقف المتفرِّج (تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام، محمد سهيل طقوش، ص380).

ج ـ في الجانب البيزنطي، ويمكن تدوين العوامل التالية:

ـ اقتصار دور الأسطول البيزنطي على نقل القوَّات حتَّى ساحل دمياط.

ـ افتقر القائد البيزنطي إلى النَّظرة العسكرية السليمة عندما ترك السفن البيزنطية متلاصقةً في النيل ممَّا سهَّل مهمة القوات الإسلاميَّة في إشعال النار في عددٍ منها.

ـ تأخر القيادة البيزنطية في تطبيق القواعد العسكرية.

ـ انتشار الجوع والعطش بين القوات البيزنطية.

د ـ هناك أسباب مشركة تتعلَّق بالجانبين الصَّليبي، والبيزنطي، منها:

ـ سوء اختيار توقيت خروج الحملة، وتنفيذ الحصار الذي جرى في فصل الشتاء، حيث تعَرَّضت القوات المتحالفة للسيول؛ التي أغرقت معسكراتها، وللعواصف التي كانت تُبْعِدُ قطع الأسطول عن الشاطئ.

ـ سوء اختيار المكان الذي عسكرت فيه القوات المتحالفة.

ـ عدم وجود قيادة موحَّدة، وافتقرت القيادتان الصَّليبية، والبيزنطية إلى التنسيق فيما بينهما (تاريخ الزنكيين في الموصل، سابق، ص381).

2 ـ نتائج الحملة على دمياط:

ـ بعد فشل الحملة الصليبية ـ البيزنطية المشتركة على دمياط أصبحت هذه الحادثة نقطة تحوُّل هامة في تاريخ الشرق الأدنى؛ لأنَّه لو نجح التحالف النَّصراني في تحقيق غايته؛ لكان من الممكن أن يمنع اتحاد بلاد الشام، ومصر؛ الذي يشكِّل خطراً مباشراً على أوضاع الصليبيين في الشَّام، ويعرقل جهود المسلمين في التصدِّي للصليبيين، وإخراجهم من المنطقة، كما يُعدُّ فشل الحملة النَّصرانية نقطة تحول هامة أيضاً في مستقبل صلاح الدين؛ الذي ظهر بمظهر المتمكِّن في حماية مصر، وأقنع الدولة الفاطمية المتداعية بأنه يستطيع حماية البلد من غارات المعتدين بالإضافة إلى حماية مركزه من دسائس المتآمرين، وبذلك حاز على إعجاب الكثير.

ـ بات المسلمون يهدِّدون بشكلٍ مباشر الإمارات الصليبية؛ بحيث شعر الصليبيون يوماً بعد يوم بازدياد تضييق المسلمين عليهم، وبعد أن كانوا يحصرون نشاطهم ضدَّ خطر نور الدين محمود من ناحية الشمال؛ أضحوا يوزِّعون قواتهم بين الشَّمال، والجنوب لمواجهة نور الدين محمود، وصلاح الدِّين.

ـ إذا كانت تولية صلاح الدين منصب الوزارة بداية النهاية للدَّولة الفاطمية؛ فإن هزيمة النَّصارى أمام دمياط شكَّلت خطوةً أخرى نحو القضاء على هذه الدولة؛ حيث تطلَّع الخليفة العاضد إلى التحرر من نفوذ صلاح الدين، ولكن المصير الفاشل الذي الت إليه خيَّبت أمله، وأتاحت لصلاح الدين فرصة الانفراد بالسُّلطة في مصر، وتوجيه اهتمامه نحو إضعاف المذهب الشيعي الإسماعيلي، وفقدت الدولة الفاطمية الأمل الأخير من التخلُّص من قبضته القويَّة، وأضحى سيِّد مصر دون منازع.

3 ـ وصول نجم الدين أيوب إلى مصر:

طلب صلاح الدين من نور الدين إرسال والده إليه، فوافق نور الدِّين على ذلك، وطلب من نجم الدين أيوب أن يستعدَّ للسفر إلى مصر، وحَمَّله رسالةً إلى صلاح الدين يأمره فيها بالتعجيل في إلغاء الخلافة الفاطمية، وإعلان الخطبة للخليفة العباسي، ووصل والد صلاح الدين نجم الدين أيوب إلى القاهرة في الرابع والعشرين من رجب سنة خمس وستين وخمسمئة، وخرج العاضد ـ صاحب القصر لاستقباله، وبالغ في احترامه، والإقبال عليه، ولما اجتمع صلاح الدين بأبيه ؛ سلك معه من الأدب ما جرت به عادته، وفوَّض إليه الأمر كلَّه، فأبى ذلك عليه أبوه، وقال: يا ولدي! ما اختارك الله لهذا الأمر إلا وأنت كفؤ له، فلا ينبغي أن تغيِّر مواقع السعادة (دور نور الدين في نهضة الامة، عبد القادر أبوصيني، ص115).


مراجع

الجهاد والتجديد، محمد حامد ناصر، ط1،مكتبة الكوثر،الرياض، 1998م.
البداية والنهاية، ابن كثير، ط1، بيت الأفكار الدولية، لبنان، 2004م.
القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني العسقلاني، هادية شكيل، ط1، مؤسسة الدراسات الفلسطينية،1999م.
تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام،محمد سهيل طقوش، ط1، دار النفائس، الكويت،  2020م.
صلاح الدين الأيوبي، علي الصلابي، ط1، دار المعرف، بيروت، لبنان، 2013م.
عيون الروضتين في أخبار الدولتين، عبد الرحمن المقدسي، ط1، وزارة الثقافة، دمشق، 1991م.
نور الدين الزنكي شخصيته وعصره، علي محمد الصلابي، مؤسسة اقرأ للنشر، القاهرة، ط1، 2007.

عن الكاتب

د. علي محمد الصلّابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس