د. علي محمد الصلَّابي - خاص ترك برس
اعتبر العديد من المؤرخين فشل الحملة الصليبية الثانية، نقطة تحول في تاريخ الصراع الإسلامي الصليبي لصالح نور الدين زنكي (رحمه الله)، ومشروعه الوحدوي الإسلامي، فبالإضافة إلى أنها أدت إلى انحطاط هيبة الصليبيين في الشام، فإنها شجعت القوى الإسلامية على الغارة بجرأة على الإمارات والقلاع الخاضة للصليبيين، ثم إنها كانت المناسبة التي ظهر فيها نجم آخر من نجوم الجهاد الإسلامي ضد الاحتلال الصليبي، وهو الملك العادل نور الدين محمود زنكي، والذي أحيا مشروع والده عماد الدين في توحيد الجبهة الإسلامية ضد الصليبيين، ومتابعة مسيرة النصر والتحرير.
نجح نور الدين في استغلال الظروف التي أعقبت فشل الحملة الصليبية الثانية في توحيد الشام تحت قيادته هذه المرة على حساب حاكم دمشق (مجير الدين أبق)، ثم اِستأنف جهاده ضد الصليبيين بنجاح مما شجع القوى الإسلامية الأخرى مثل سلاجقة الروم والآراتقة والتركمان على التقدم لمواجهة الصليبيين خاصة في الرها وأنطاكيا، بل وتحالفوا أحياناً تحت قيادة نور الدين، حتى استطاع نور الدين زنكي أن يوحد بلاد الشام كلها تحت قيادته من الرها شمالاً حتى حوران جنوباً فقامت دولة إسلامية موحدة مركزها دمشق، وكانت هذه هي الخطوة الأولى نحو تمكين الجبهة التي ستمتد من الفرات إلى النيل للتصدي بقوة لهؤلاء الغزاة الصليبيين.
أولاً: رؤية نور الدين محمود (رحمه الله) في توحيد الجبهة الإسلامية
كان إعداء جيل التحرير، وبناء الجبهة الإسلامية القوية في نظر نور الدين من أولى الأولويات، فأما توحيد الصف المسلم، فيكون بجمع كلمة المسلمين تحت راية واحدة، ومذهب واحد، وهو مذهب أهل السنة، وعلى المنهج القرآني والنبوي الصافي، ومن ثم تحرير الأراضي الإسلامية من الغزاة الصليبيين. وكان كلما توغل في ساحات الجهاد، وتقدم به الزمان يزداد قناعة بصوابية هذه السياسة، ولهذا كان سبيله إلى ذلك هو مزيج من العمل السياسي، والمعارك العسكرية، والنشاط الثقافي العلمي التربوي، وكلها تخدم تمكين تلك الجبهة، وكان السعي لوحدة بلاد الشام ومصر والعراق أمراً لا مفر منه في خطط نور الدين، وواضحاً في ذهنه مُنذْ بداية استلامه للسلطة، بل إن توجهات نور الدين وأفكاره كانت تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد كان هدفه الاستراتيجي الأكبر إقامة الدولة الإسلامية الكبرى التي تُعيد للإسلام دوره في هداية البشر، وتحقيق الحياة الكريمة لجميع الناس (دور نور الدين في نهضة الأمة، عبد القادر أحمد، 2000م، ص164).
رأى نور الدين زنكي بأن الهدف الإستراتيجي الأول، هو تحرير بلاد الشام والعالم الإسلامي من المحتل الصليبي، وحتى يتحقق هذا الهدف لابد من تحقيق هدف سابق له، وهو توحيد الدول والإمارات الإسلامية المواجهة للصليبيين في دولة واحدة، وبهذا، رتب نور الدين محمود رؤيته وأهدافه، وأخذ ينفذها حسب أولوياتها، ولكن سعيه لتحقيق الوحدة في المقام الأول، لم يمنعه من شن هجمات استنزاف وإغارات مستمرة ضد الصليبيين بين الفينة والأخرى، وقد شكلت الحملة الصليبية الثانية الحدث الأكبر في المنطقة والعالم كله عام (543ه/ 1148م)، وكانت بالنسبة لنور الدين محمود الحدث الأول من نوعه بعد توليه الحكم دمشق سنة 541ه، والتي فتحت له المجال للبدء بمشروعه الإسلامي الكبير (دولة السلاجقة، علي محمد الصلابي، 2006، ص 546).
كانت الدائرة المحيطة بنور الدين زنكي من القادة العسكريين والعلماء الربانيين والوجهاء الاجتماعيين الثقاة على قدر المسؤولية من خلال نصائحهم ومشورتهم، ولديهم إيمان عميق بأهمية حشد الجهود الإسلامية وتمكين الجبهة الداخلية وتوحيد البلاد للتخلص من الخطر الصليبي وإعادة مجد المسلمين، وعملوا بجانبه على حشد طاقات الأمة، لتدافع عن عقيدتها وقِيمها ووجودها ضد الاحتلال الصليبي (دور نور الدين في توحيد بلاد الشام، مختار علي 2018م، ص 171).
ثانياً: نور الدين زنكي وضم دمشق
استطاعت دمشق بدعم من نور الدين وسيف الدين زنكي صد هجوم الحملة الصليبية الثانية، وقد ترتب على فشل الحملة الصليبية الثانية، عجز الكيان الصليبي، والتأثير على طبيعة الوجود الصليبي، وقد حرص نور الدين على ضم دمشق، وكانت خطته للاستيلاء على دمشق سلمياً، فقد كان يحاول التقرب من أهل دمشق، وكسب ثقتهم، واستغل كل فرصة لتحقق له توحيد جبهة المسلمين دون حرب، وقد وصلته أخبار في نهاية عام 544ه/ 1149م عن أعمال نهب وتخريب يقوم بها الفرنجة في مناطق حوران التابعة لدمشق دون أن يردعهم أحد، وكان المطر قد انحبس في ذلك الوقت، وعانى الناس من القحط، فتوجه نور الدين بجيشه حتى وصل بعلبك، وراسل مجير الدين آبق حاكم دمشق، ويقول له: إنني ما قصدت بنزولي هنا طلباً محاربتكم؛ وإنما دعاني لهذا الأمر، كثرة شكاية أهل حوران، بأن الفلاحين؛ أُخذت أموالهم، وسُبيت نساؤهم وأطفاهم بيد الفرنج، وعدم الناصر لهم ولا يسعني مع ما أعطاني الله تعالى وله الحمد من الاقتدار على نصرة المسلمين وجهاد المشركين وكثرة المال والرجال أن أقعد عنهم ولا أنتصر لهم، مع معرفتي بعجزكم عن حفظ أعمالكم والذب عنها والتقصير الذي دعاكم إلى الاستصراخ بالفرنج على محاربتي إلخ (دور نور الدين في نهضة الأمة، عبد القادر أحمد، ط1 2000م ص100). وكان الجواب الذي تسلمه نور الدين من حاكم دمشق: ليس بيننا وبينك إلا السيف، وسيوفنا مع الفرنج ما يعيننا على دفعك إن قصدتنا ونزلت علينا، فقرر نور الدين التوجه إلى دمشق ومحاصرتها، ولكن أمطاراً غزيرة سقطت، واستمرت أسبوعًا، فغير رأيه حقناً لدماء المسلمين، ولهج أهل دمشق وحوران بالدعاء له، واعتبروا نزول المطر ببركته، وقرر نور الدين أن يستولى على دمشق بطريقة سلمية (عيون الروضتين، عبد الرحمن المقدسي،1991م ص100).
ولقد كانت خطة نور الدين محمود للاستيلاء على دمشق سلمياً تقتضي العمل على ثلاثة محاور:
المحور الأول: العمل على توجيه حملة دعائية عامة إلى أهالي دمشق يتم خلاها إبراز الأحوال السيئة، والأوضاع المتردية، وبالمقابل إبراز ما ينتظرهم من نور الدين محمود.
وأرسل إلى حاكمها الرسالة الآنفة الذكر، وعندما علم نور الدين أن حاكم دمشق طلب مساعدة الفرنجة أجرى تعديلا على توزيع مواقع قواته للتعامل مع الموقف الجديد، فالتقى مجير الدين آبق مع قادة الفرنجة وأكد معهم اتفاقه القديم، ولكن أدرك فيما بعد عزم نور الدين وتصميمه على احتلال المدينة، فأرسل إليه يطلب الاجتماع به وإعلان الطاعة له، وذكر اسمه في الخطبة وسكّ اسمه على النقود مقابل بقائه حاكماً على المدينة، فقبل نور الدين بهذا العرض، وتم الاجتماع في معسكر نور الدين، وخرج أغلب أهل دمشق إلى معسكر نور الدين ليملأوا عيونهم من طلعة نور الدين، وانتهز نور الدين محمود الفرصة فحرص على لقاء العلماء وطلبة العلم وقراء القرآن وأكرمهم كما أحسن إلى الفقراء والضعفاء وشملهم بعطفه، مما ترك أحسن الأثر في نفوس الناس، ومع أن مجير الدين آبق نقض اتفاقه مع نور الدين وأعاد علاقته بالفرنجة، كما كانت في السابق، إلا أن نور الدين كان قد تملك قلوب الرعية في دمشق وحقق نجاحا كاملاً على المحور الأول من خطته (ذيل تاريخ دمشق، أبي يعلى القلانسي، 1908م، ص309).
المحور الثاني: كان العمل يشمل الاتصال سراً بوجوه مدينة دمشق وأعيانها من كبار التجار والقضاة والعلماء وبعض قادة الجند وقادة التنظيمات الشعبية، لاستغلال نفوذهم وتأثيرهم لصالح التغيير المطلوب في الوقت المناسب، وكان من أشهر العاملين على هذا المحور القائد المشهور أسد الدين شيركوه وأخيه نجم الدين أيوب (والد صلاح الدين)؛ فقد كان الأخير من سكان دمشق، ومن أشهر وجهائها، بينما كان أسد الدين من أكبر القادة العسكريين العاملين مع نور الدين محمود، فاستغل نور الدين هذا الوضع ، وأوعز إلى قائده أسد الدين بمراسلة أخيه نجم الدين وتحريضه على الإطاحة بمجير الدين أبق، وتسهيل تسليم المدينة لنور الدين بدون قتال في الوقت المناسب فاستجاب نجم الدين وبذل في هذا الجال جهوداً كبيرة أثمرت في نهاية الأمر، حتى أخذ أعيان دمشق يراسلون نور الدين يطلبون حضوره معلنين استعدادهم حصار مجير الدين آبق في قلعة دمشق وتسليم المدينة له دون قتال (التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، ابن الأثير، 1963م، ص107).
المحور الثالث: كان المحور الثالث من مهمة نور الدين زنكي نفسه؛ فقد استطاع بخبرته، ومقدرته على استقراء النفوس البشرية، والنفاذ إلى عقلية مجير الدين آبق، وتحليلها ومعرفة ميوله ورغباته، وتعامل معه على هذا الأساس، فأخذ يراسله ويستشيره في أمور المسلمين ويتقرب إليه بالهدايا حتى اطمأن إليه ووثق به، ثم أخذ يوقع بينه وبين قادته وأمرائه فيكتب له عن بعض أمرائه وقادته بأنهم يراسلونه، فيقبض مجير الدين عليهم أو يجردهم من مناصبهم أو يقتلهم حتى لم يبق من كبار قادته وأمرائه من يعتمد عليه في ضبط أمور الجيش وإدارة القتال، وأصبح مكروها من الرعية معزولاً عن الأعيان والوجهاء مجرداً من القادة الأكفاء، عندها حانت الفرصة المناسبة وأصبحت دمشق كالثمرة الناضجة؛ فسار نور الدين محمود إليها بجيشه وأوعز إلى أنصاره فيها لتنفيذ ما اتفق عليه. فثاروا وهاجموا أبواب المدينة من الداخل وفتحوها أمام جيش نور الدين، بينما تحصن مجير الدين آبق مع من بقي معه من الجند في قلعة المدينة، وطلب النجدة من الفرنجة الذين سارعوا إليها ولكن نور الدين كان أسرع منهم فرجعوا خائبين، ثم أرسل نور الدين إلى مجير الدين يؤمنه على نفسه وعلى من معه من الجند، ويعده بإقطاعه مدينة حمص إذا استسلم وخرج من القلعة، فقبل وحقق له نور الدين وعده ولكن أبدله بحمص مدينة بالس على نهر الفرات في الشرق، وهكذا نجحت خطة نور الدين في ضم دمشق إلى دولته بدون قتال نجاحا كاملاً بفضل الله وحنكته السياسية ومقدرته على تأليف القلوب واستمالتها، بالإضافة إلى قوة عزمه وتصميمه على الهدف وصبره وترويه في التعامل مع الأمراء المنحرفين عن جادة الصواب (دور نور الدين في نهضة الامة، عبد القادر أحمد، 2000م، ص142).
ولقد تمكن نور الدين من ضم دمشق في صفر عام 549 ه/ أبريل 1154 م، ويعد ضم دمشق من أهم إنجازات السياسة الخارجية النورية، وبذلك تحقق حلم طالما راود الزنكيين وقد عده البعض أعظم إنجازاته على الإطلاق، وأنه نقطة تحول في تاريخ الحروب الصليبية، حيث غدت بلاد الشام والجزيرة تحت سيطرته؛ وصار الصليبيون بذلل يواجهون عدواً خطيراً (فن الصراع الإسلامي الصليبي، محمد عوض، 1988م، ص115).
ثالثاً: معارك التحرير وتوحيد بلاد الشام وشمال العراق: ضم الموصل وشيزر وبعلبك والبقاع وحران ومنبج وجعبر
عمل نور الدين زنكي على ضم القوى والإمارات الإسلامية، وإسقاط نفوذ الأسر الحاكمة في المدن والبقاع الشمالية، فاستطاع ضم شيزر عام 552 ه، وذلك بعد الزلزال الذي أصابها، فجدد أسوارها، ودخلت شيزر في دولة نور الدين، وضم بعلبك التي كانت تابعة لدمشق وانتزعها من الأسرة الجندلية الدرزية، بعد ثلاث سنوات من الانتظار دون القيام بأي عمل عسكري، وبعد أن تمت سيطرته الكاملة على دمشق اتصل بنجم الدين أيوب، طلب منه القيام بضم المدينة لحكمه، فكاتب حاكمها مطالباً إياه بتسليم المدينة فتسلمها، وضم حران بعد حصارها لمدة شهرين حتى تمكن من إسقاطها في 554هـ/ 1159م، ومنبج وفتح قلعة جعبر التي كانت تحت سيطرة أسرة العقيليين، بالطرق السلمية مع أميرها شهاب الدين العقيلي، لكنها فشلت، لذلك أرسل نور الدين قوة عسكرية تمكنت من دخول القلعة وأسر أميرها، كما ضم الموصل بعد صراع مع نائب قطب الدين مودود " فخر الدين عبد المسيح" بعد أن بان عجزه وضعفه ولجوءه إلى الطرق السليمة لينتهي الأمر بالصلح والتسليم لنور الدين.
حرص نور الدين على الاستيلاء على عدد من القلاع والحصون الاستراتيجية من أجل إضعاف فعاليات المملكة الصليبية في القدس عسكرياً، ولتأمين حدود الدولة النورية؛ ولإيجاد توازن عسكري مع المملكة الصليبية يتطور مستقبلاً إلى ما هو أبعد في سبيل تحقيق التفوق العسكري على الوجود الصليبي، وهو ما تحقق في عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي (نور الدين الزنكي شخصيته وعصره، علي محمد الصلابي، 2007، ص397-401).
رابعاً: ضم مناطق من أراضي مملكة بيت المقدس (التابعة للصليبيين)
امتدت ساحة صراع نور الدين مع الصليبيين من إمارة الرها إلى أنطاكيا ثم طرابلس وبيت المقدس، وأسقط ما يزيد على الخمسين من الحصون والمعاقل، وتصارع مع جبهتين شمالية وجنوبية في آن واحد، وارتبطت طموحاته بحكمته ودهائه السياسي، وحافظ على طاقاته وإنجازاته، وكانت سياسة نور الدين تجاه إمارة طرابلس تتمثل في الرغبة في السيطرة على قلاعها وحصونها، ولم تحدث معارك كبرى في إمارة طرابلس كالتي حدثت في مواجهة أنطاكيا؛ ومما تجدر الإشارة إليه، أن صراع الدولة النورية مع تلك الإمارات قد شهد نوعين من الاحتكاك العسكري معارك كبيرة مثل يغرى، وأنب، وحارم، ثم معارك محدودة من أجل إخضاع بعض القلاع والحصون مثل المنيطرة وانطرطوس، وغيرها وكانت المعارك جميعها برية، واستهدف نور الدين العمل على زعزعة الحلف البيزنطي مع مملكة بيت المقدس، فاستطاعت المهارة السياسية الزنكية أن تدق إسفينا بين التحالف البيزنطي – الصليبي، وكلما حانت الفرصة، شنت قواته مجموعة من الغارات على الحصون والمزارع والمناطق التي يعتمد عليها الصليبيون في بيت المقدس منطلقاً للإغارة على الأراضي الإسلامية، وخاصة التابعة لدمشق وحلب (الدولة الزنكية).
لقد كان التفوق العسكري الإسلامي على الصليبيين واضحاً جداً في السنوات الأخيرة من حكم نور الدين، فقد حقق إنجازات عسكرية كبيرة تمثلت بشكل عام من ناحيتين: الأولى: إلحاق هزائم منكرة بجيوش الفرنجة في معارك كثيرة، الثانية: بناء قوة عسكرية كبيرة منظمة وفعالة، كانت في السنوات الأخيرة من حكمه قادرة على تحرير الأرض الإسلامية المحتلة ومواجهة التحديات الخارجية، وفي ما بعد، جاء فتح مصر، واعتبر من أهم منجزات نور الدين زنكي (رحمه الله)، فقد تمكن من إسقاط الدولة الفاطمية العبيدية، التي استمرت أكثر من قرنين تنشر الفساد السياسي والخلل العقدي في أنحاء العالم الإسلامي، وقد استخدم نور الدين الدبلوماسية والاختراق الأمني، والدعوة لمذهب أهل السنة، وتوجت جهوده بإرسال الحملات العسكرية مستفيدا من قانون الفرصة الذي أتيح له (نور الدين زنكي، علي محمد الصلابي، ص400).
خلاصة
كان من أهم الدروس والعبر والفوائد من سياسة نور الدين الحربية والسياسية، التفكير الاستراتيجي عند نور الدين، وأهمية صلاح أولي الأمر، وشن حرب استنزاف المستمرة ضد الفرنج واعتماد اللين والمرونة والخدعة لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه بالقوة، واهتم نور الدين بالاستراتيجية العسكرية وتظهر ملامحها في النقاط التالية، التركيز على النوعية والفاعلية، وإعلان الجهاد والتعبئة العامة للأمة، والتدرج في مواجهة العدو، وإنهاك العدو واستنزاف قواته، وتطبيق نور الدين لمبادئ الحرب الأساسية؛ كتحديد الهدف والعمل التعرضي والحشد والمناورة، وحدة القيادة، وعنصر المفاجأة، والاستخبارات، والتقرب غير المباشر والجاهزية القتالية.
بعد عملية توحيد الجبهة الشامية مع شمال العراق، وفق الخطط الإستراتيجية العسكرية والأمنية والسياسية الذكية التي مشى عليها السلطان نور الدين زنكي بالتدريج، وما حققه نتائج باهرة على مستوى تمكين القاعدة الشعبية، وتهيئة الناس لمشروع الجهاد والنصر، ورص الصفوف، وبناء الجيش المتماسك، ومحاصرة القلاع والمناطق التابعة للإمارات الصليبية الساحلية وخاصة مملكة بيت المقدس التي يحتلها الصليبيون في فلسطين، تابع نور الدين جهاده لتطهير سائر الثغور من قبضة الاحتلال، وأيقن أن السبيل إلى تحرير بيت المقدس لا يتم إلا بتوحيد شامل لقلب العالم الإسلامي، وعصب الأمة وشوكتها آنذاك في شطريه الكبيرين: الشام ومصر. وهو ما سنراه في المقال القادم (إن شاء الله).
مصادر ومراجع
التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية، ابن الأثير، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط1، 1963م.
تاريخ الزنكيين، محمد سهيل طقوش،ط2، دار النفائس، بيروت، لبنان، 2010م.
دور نور الدين في توحيد بلاد الشام، مختار علي، مجلة دراسات بيت المقدس، 2018م.
دور نور الدين في نهضة الأمة، عبد القادر أحمد، مطبعة الفطافطة، الأردن، ط 1، 2000م.
الدولة الزنكية، علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 2007.
دولة السلاجقة، علي محمد الصلابي، مؤسسة اقرأ للنشر، القاهرة، ط1، 2006 .
ذيل تاريخ دمشق، أبي يعلى القلانسي، بيروت، ط1، 1908م.
فن الصراع الإسلامي الصليبي، محمد عوض، دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ط1، 1988.
الملك العادل نور الدين محمود موحد بلاد الشام ومصر في وجه الصليبيين، زلماط إلياس، مجلة العبر للدراسات التاريخية والأثرية، المجلد 4، العدد 1، 2021.
نور الدين الزنكي شخصيته وعصره، علي محمد الصلابي، مؤسسة اقرأ للنشر، القاهرة، ط1، 2007.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس