محمد تشليك - ديلي صباح
في عالم السياسة العالمية، من المتوقع إلى حد ما حدوث تحولات جذرية بالنسبة لأولئك الذين يراقبون الشؤون الدولية عن كثب. فبوسع الأمم، التي كانت متخاصمة ذات يوم، أن تبحر على طريق السلام والصداقة وهو عنصر مميز في السياسة بشكل عام. ومع ذلك، هناك خط واضح يفشل فيه النفاق أو الخداع في الثبات.
وفي هذا السياق، دعونا نتعمق في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي جو بايدن التي انتقد فيها على ما يبدو "القصف العشوائي" الذي تقوم به إسرائيل في غزة. وخلال إحدى فعاليات جمع التبرعات، أعرب بايدن عن أن "أمن إسرائيل يمكن أن يعتمد على الولايات المتحدة، لكن لديها الآن أكثر من الولايات المتحدة، ولديها الاتحاد الأوروبي، ولديها أوروبا، ولديها معظم دول العالم التي تدعمهم".
وأشار إلى احتمال تآكل هذا الدعم: "لقد بدأوا يفقدون هذا الدعم بسبب القصف العشوائي الذي يحدث".
يبدو أن الضغوط الدولية المتزايدة، إلى جانب الاعتبارات المحلية قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية والإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، تؤثر على خطاب بايدن الحالي. لكن هذا لا يعني بالضرورة تحولاً في السياسة الخارجية الأميركية، بالنظر إلى علاقة بايدن بكل من إسرائيل كدولة ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. على وجه التحديد، لأن ما يعتبره تصرفات إسرائيلية، أي الهجمات العشوائية ضد المدنيين في غزة، يحظى بدعم مباشر، وبطريقة ما، تضفي عليه الشرعية من قبل إدارة بايدن في البيت الأبيض باسم القتال ضد حماس .
"أنا صهيوني"
ففي أعقاب هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وصل بايدن إلى تل أبيب، وعانق بيبي بحرارة عند نزوله من الطائرة الرئاسية في مطار بن غوريون الدولي وأكد دعمه لإسرائيل.
في ذلك الوقت، ورد أن بايدن قال في تل أبيب: "لا أعتقد أنه يتعين عليك أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً، وأنا صهيوني"، وهي الملاحظة التي كررها يوم الاثنين، وهذه المرة في واشنطن.
"لقد وقعت في مشكلة وتعرضت لانتقادات شديدة من الجزء الجنوبي من ولايتي وبعض الأجزاء الجنوبية من البلاد عندما قلت، قبل 35 عامًا، ليس عليك أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا وأنا صهيوني. وبالمناسبة، ليس من الضروري أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا"، قال الرئيس الأمريكي، مجددًا تأكيده والتزامه تجاه إسرائيل، خلال حفل استقبال بمناسبة عيد الحانوكا في البيت الأبيض.
منذ أن بدأ "القصف العشوائي" الإسرائيلي على غزة، أرسلت واشنطن رسائل سياسية قوية إلى المجتمع الدولي حول التزامها بحماية إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، استعرضت إدارة بايدن عضلاتها العسكرية من خلال إرسال سفن حربية وطائرات عسكرية إلى شرق البحر المتوسط، وإرسال ذخيرة إضافية وأنظمة دفاع ومبلغ إضافي قدره 14.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل، مما عزز دعمها لإسرائيل.
بعبارة أخرى، الولايات المتحدة لا تقف مكتوفة الأيدي وصامتة فحسب بينما ترتكب إسرائيل جرائم على عدة مستويات في غزة، ولكنها قدمت أيضًا الدعم لأعمال مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي.
دعم طويل الأمد لإسرائيل
يمتد الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل إلى ما هو أبعد من علاقة بايدن بحكومة بيبي الحربية. إنه التزام طويل الأمد يسبق أحداث 7 أكتوبر. على مدى العقود السبعة الماضية، دعمت العواصم الأمريكية والأوروبية إسرائيل باستمرار، حتى في مواجهة قرارات الأمم المتحدة التي تدين عنفها وأعمالها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي حين تواجه إسرائيل عزلة غير مسبوقة، فإن العبء الذي يفرضه الدعم غير المشروط من جانب الولايات المتحدة أصبح واضحاً. ومع ذلك، واشنطن شريكة في هذه العزلة، إذ مكنت حكومة بيبي الحربية من ارتكاب الفظائع. إن مجرد الانتقاد دون اتخاذ إجراء موضوعي لا يفي بالغرض، بالنظر إلى الدعم السياسي والعسكري الذي تم تقديمه إلى تل أبيب خلال هجمات الجيش الإسرائيلي على المستشفيات والمدارس ومخيمات اللاجئين وأماكن العبادة، التي تسببت في مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
الوضع في غزة ليس مجرد نتيجة لقرارات إدارة نتنياهو. إن أولئك الذين يدعمون حكومة الحرب ويؤيدون الاحتلال على مدى العقود السبعة الماضية يتقاسمون المسؤولية عن انتهاك الحقوق الفلسطينية. وبالتالي، فإن تصريحات بايدن التي تبدو انتقادية قد لا تعني تحولا في السياسة؛ بل قد يُنظر إليها على أنها لحظة صمت أخرى بينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية التي تحصد المزيد من الأرواح البريئة في غزة.
كم من الأرواح الفلسطينية يجب أن تزهقها إسرائيل قبل أن يقوم بايدن بتغيير فعلي؟ هذا ما سيخبرنا به الزمن. وسيسجل التاريخ ما إذا كان سيقف مكتوف الأيدي أم يحول انتقاداته إلى أفعال.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس