ترك برس

حظيت محاضرة ألقاها في إسطنبول، المفكر المغربي الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن، بإقبال كبير من قبل عالم السياسة والأكاديمية والطلبة.

المحاضرة أقامها مركز الأبحاث الإسلامية "İSAM" بعنوان: "كيف نؤسس لفلسفة إسلامية أصيلة؟"، وحضرها أكاديميون أتراك وعرب، وسفراء أتراك، ووزراء ومسؤولين سابقين من تركيا والعالم العربي.

عبد الرحمن، وهو أستاذ في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، استفتح محاضرته بالقول إن "غرضنا من الكلام في فلسفة إسلامية أصيلة، ليس أن نعود إلى الخوض فيما يسمَّى بـ مشكلة الفلسفة الإسلامية التي شغلت الدارسين، غربا وشرقا، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي دارت على السؤال العريض: "هل هناك فلسفة إسلامية؟"، وإنما غرضنا أن ندُلَّ، بعد طول اشتغالنا بآليات التفلسف، على بعض المعالم الأساسية التي يمكن أن يهتدي بها الفيلسوف المسلم المعاصر في وضع فلسفة موصولة بمجال التداول الإسلامي، بحيث يجعل هذا الوصلُ  المتلقيَّ المسلم يأنس بهذه الفلسفة ولا يستوحش منها، فيُقبل على النظر فيها والتفاعل مع مسائلها، إن أخذا أو نقدا؛ فلنبسُط هذه المعالم الأساسية في صورة "أصول عامة"؛ وهذه الأصول تُعدّ مما نسميه "فِقه الفلسفة"، لا من "الفلسفة"، نظرا لأنها عبارة عن أحكام على الفلسفة ذاتها، لا دعاوى مأخوذة منها".

وتطرق في محاضرته للإشكالات المتعلقة بالفيلسوف المسلم المعاصر وقدم أفكارا تمكنه من الأخذ بها في هذا العصر.

وقال عبد الرحمن: "أي فلسفة إسلامية معاصرة لا تحظى بالأصالة حتى تكون من إبداع الفيلسوف المسلم".

وأوضح أنّ "هذا الإبداع لا يتأتّى له في الإشكال الفلسفي إلا إذا تفاعل مع التصورات الفلسفية الراهنة وتفاعل مع التحديات العالمية القائمة وصاغ نتائج هذا التفاعل المزدوج على مقتضى خصوص التداول الإسلامي، وبقدر ما يكون هذا الإشكال، مضمونا أو صورة، أكثرَ اتصالا بواقعه وحياة أمته، يكون أدل على أصالته".

وطالب عبد الرحمن الفيلسوف المسلم بأن "يأخذ بالفلسفة التي تنحو منحى الحكمة وأن يبتعد عن الفلسفة التي تنحو منحى العلم، ويشتغل بالتحدي الجذري الذي يشغل العالم اليوم وهو تسفّل الإنسان".

وأردف قائلا: "حينها، يُمكن أن يبلغ مراده في النهوض بالمهمتين: إحداهما، "دفع التسفل"، إذ يهتدي إلى أخطر أسبابه، وهي: "التسيب التقني" للعلم و"التجرد القيمي" للمعرفة، كما يقف على أنجع الوسائل التي ترفعه، وهي: "تهذيب العلم" و"تسديد المعرفة".

والمهمة الثانية التي دعا إليها عبد الرحمن الفيلسوف المسلم هي "تجديد التفلسف الحِكمي الذي يميز بين العقل المجرد والعقل المسدّد، ويؤسس الأخلاق على الفطرة؛ يميّز في العقل بين "العقل المجرد" و"العقل المسدَّد".

كما يؤسِّس "الخُلق" على "الفطرة"، ويَصل كمال "الاقتداء" برتبة "الصدّيقية"، مستدلا بإشكاله الفلسفي على ضرورة الرجوع بالفلسفة إلى أصلها وهو "الحكمة".

وأوضح أنّ "الصورة العلمية للفلسفة تخرج الفلسفة من أصلها".

وشدد على ضرورة أن "لا تكون الفلسفة تابعة للعلم وأن يكون العلم خادما للفلسفة".

وبين أنّ "التفلسف الحكمي هو الوحيد القادر على إنقاذ الإنسان من التسفّل حاضرا ومستقبلا".

وقال: "على الفيلسوف المسلم أن يعرف ذاته وأن يتخلق بأخلاق النبي الكريم تفكرا وتخلقا".

صديقية الفيلسوف

وبحسب عبد الرحمن فإن أعلى رتبة يصل إليها الفيلسوف المسلم بالاقتداء بالنبي تفكرا وتخلقا هي "الصديقية"، معتبرا إدراك الفيلسوف المسلم لحقيقة الفطرة الدينية يجعله يقتدي، في معرفة ذاته، بمسلك التخلق النبوي، أمانة وعدلا.

وقدم الندوة رئيس الشؤون الدينية السابق محمد غورماز، رئيس معهد التفكر الإسلامي بأنقرة.

وأشار غورماز إلى عملهم مع الطلاب في المعهد، على قراءة النتاج الفكري للدكتور طه عبد الرحمن وترجمة المزيد من كتبه إلى اللغة التركية.

وشهدت الندوة إقبالا كبيرا من المطلعين على أفكار عبد الرحمن من الأتراك طلابا وأكاديميين وشخصيات سياسية، لا سيما بعد ترجمة العديد من كتبه للغة التركية.

وفي نهاية الندوة أعرب رئيس مركز الأبحاث الإسلامية مرتضى بدر عن شكره لعبد الرحمن لتلبيته دعوته وإغنائه الحاضرين بفكره الفلسفي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!