محمد بارلاص - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
في إطار الحديث عن تسديد اليونان لديونها المتراكمة سواء للاتحاد الأوروبي أو لدول الاتحاد وبالذات ألمانيا رأينا في الساعات القليلة الماضية نتيجة الاستفتاء العام الذي تمخض عنه أن أغلبية الشعب وبنسبة 60% يقولون "لا" لشروط ولتسديد الديون. بهذه النتيجة نرى بداية عصر وعهد جديد من فهم كلمة "الشرف"، إذ أننا وكما هو متعارف فان من قمة الشرف والمصداقة هو تسديد المستدين لدينه، لكن مع نتيجة الاستفتاء وما تمخض عنه سوف نرى أن هذه القيمة الأخلاقية أصبحت في موقع خبر كان وفي عداد الموتى، وبهذا هل ستصبح من هذه الساعات وفي المستقبل صفة "عديم الشرف" هي وصف كل من يسد دينه؟؟؟
أترون معي إلي أين ستذهب بنا رياح التغيير اليونانية؟ فبعد هذه المراجعة اليونانية هل سنرى في المستقبل تغير طبيعة العلاقة بين الدائن والمستدين؟ هل سنرى مستجيري البيوت يُحجمون عن تسديد أجورهم بحجة أن من "عدم الشرف" تسديد الديون؟ أم اننا سنرى تخلف المستقرضين من البنوك في تسديد قروضهم ودينهم بنفس الحجة؟
يأتي هذا الاستفتاء كصفعة قوية لمدارس الفلسفة الأخلاقية القديمة التي عرفت بها اليونان ومن أهمها مدرسة "الرواقية" (وهي مدرسة فلسفية كانت تدعوا إلى أن السمو والرفعة في الأخلاق يأتي بالتسامي والتعالي على الشهوات والغرائز المختلفة). فاليونان التي عرفت بمثل هذه المدارس الفلسفية الأخلاقية توجه أكبر صفع لكل هذه المدارس وعلى رأسها كبير فلاسفتها ومنظريها الفيلسوف سقراط. نراهم اليوم بدل تسديد ديونهم واتباع مدارسهم الأخلاقية يأخذون المسار المعاكس تماما ويجادلون في تسديدها بطرق سوقية ملتوية، وكأنهم فهموا مصطلح "الروقية" بشكل مختلف خارج عن محتواه الحقيق وبالذات حينما نعلم أن هذا المصطلح يحتمل معنى المجادلة السوقية في مقطعه اليوناني الأول!
في الحقيقة نحن لسنا بغرباء عن هذا النهج الملتوي الذي يقول وسيقول "لا" لكل المشاكل والصعاب التي ستواجه، أو حتى قوله "لا" لالتزاماته نحو دول ومؤسسات عالمية. لا يمكن أن نسمح لهذا الأسلوب الملتوي بالمرور؛ لأنه بهذا يزيد الفساد فسادا ويزيد الطين بلة، ولأننا سنعيش كوارث الانحراف الأخلاقي من تداعيات هذا المرو. لا يجب أن نسمح لأن تكون "لا" هي معيار ودالّة "الشرف"، ولهذا يجب التحرك على كل المستويات من المستوى القانوني إلى المفاهيم السياسية وبالذات الديمقراطية إلى الحلول الممكنة للتخلص من هذه الآفة التي ستؤرق العالم أجمع ان لم يتم القضاء عليها في مهدها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس