ترك برس
في سياق التحولات السياسية والاقتصادية المتسارعة، أكد جمال قارصلي، السياسي الألماني السابق من أصل سوري، على ضرورة تكاتف الدول في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي.
وفي مقال بصحيفة "عربي21"، أشار قارصلي إلى فكرة إنشاء سوق مشتركة شرق أوسطية شبيهة بالنموذج الأوروبي، حيث يمكن لدول المنطقة، التي تمتلك موارد اقتصادية ضخمة وقوة بشرية قريبة من المليار نسمة، أن تتعاون بشكل أكبر لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق التكامل الاقتصادي.
يُعتبر الشرق الأوسط نقطة تقاطع جغرافية وثقافية هامة بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، مما يجعله منصة مثالية للتكامل الإقليمي. وأوضح قارصلي أن سوريا، بتنوعها الإثني والقومي، ستلعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل المنطقة في حال انتصار ثورتها على نظام الأسد. كما أشار إلى أن سوريا، بفضل موقعها الاستراتيجي وتاريخها الطويل مع دول الجوار، تظل جزءًا أساسيًا من هذا التوجه نحو التكامل الإقليمي.
وأكد قارصلي على أهمية تركيا في أي مشروع تكامل إقليمي في الشرق الأوسط. واعتبر أن الموقع الجغرافي لتركيا، الذي يربط بين قارات آسيا وأوروبا، يجعل منها نقطة انطلاق مثالية لأي مشروع اقتصادي مشترك في المنطقة. كما أشار إلى التقدم التكنولوجي الكبير الذي حققته تركيا في العقدين الأخيرين، ودورها المحوري في ربط الجمهوريات التركية التي كانت جزءًا من الاتحاد السوفياتي. ومن المتوقع أن يسهم انضمام تركيا المستقبلي المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي في تعزيز دورها الإقليمي.
قارصلي استعرض أيضًا دروسًا مستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي، التي بدأت كاتحاد اقتصادي محدود في خمسينيات القرن الماضي، ثم توسع ليشمل دولًا عديدة. وذكر أن نجاح الاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي بين دول عاشت صراعات طويلة يعتبر نموذجًا يمكن استلهامه في الشرق الأوسط. وأكد أن فكرة "السوق المشتركة الشرق أوسطية" يمكن أن تسهم في تعزيز التعاون بين دول المنطقة من خلال تحسين التجارة البينية، وتطوير البنية التحتية، والتعاون في مجالات الطاقة والمياه والموارد البشرية.
أوضح قارصلي أن تكامل دول المنطقة يمكن أن يعود بآثار اقتصادية إيجابية كبيرة، مثل تعزيز التجارة البينية، وتطوير مشاريع البنية التحتية المشتركة، بالإضافة إلى استراتيجيات اقتصادية لاستقرار الأسعار وتقليل البطالة. كما أشار إلى أهمية تشجيع تدفقات الاستثمارات من خلال توفير بيئة اقتصادية مستقرة.
أحد الجوانب التي أشار إليها قارصلي هو ضرورة تأسيس آليات لحل الأزمات والصراعات بين دول المنطقة، على غرار "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" (OECO). هذه الآليات تشمل إنشاء محكمة إقليمية لحل النزاعات، تطوير آليات لإدارة الأزمات الإنسانية، وتعزيز التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
رغم الفوائد المحتملة، اعترف قارصلي بأن مشروع سوق مشتركة شرق أوسطية يواجه عدة تحديات، مثل الاختلافات السياسية بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة، والصراعات المستمرة في بعض الدول مثل السودان واليمن. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى التفاوت الكبير في مستويات التنمية بين الدول، مما قد يمثل عقبة أمام تحقيق التكامل الكامل.
في الختام، اعتبر قارصلي أن فكرة إنشاء سوق مشتركة شرق أوسطية هي خطوة طموحة نحو التكامل الإقليمي، وأن سوريا وتركيا ستكونان النواة التي سيبدأ منها هذا المشروع الطموح. وأوضح أن البداية ستكون مشابهة لخطوة الاتحاد الأوروبي الأولى، حيث يمكن للدول أن تبدأ بالتعاون الاقتصادي كخطوة أولى نحو تحقيق المزيد من الاستقرار والتنمية في المنطقة.
رغم أن هذا المشروع الكبير يواجه تحديات ضخمة، إلا أن التاريخ أظهر أن التعاون بين الدول هو الطريق الأمثل لبناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!