ترك برس

أشارت الكاتبة والباحثة في الشؤون التركية صالحة علام، إلى أن المؤسسة العسكرية التركية أنهت جميع استعداداتها في انتظار صدور قرار سياسي يمكنها من البدء في العملية العسكرية التي تزمع أنقرة القيام بها في الشمال السوري وكردستان العراق بهدف إنهاء وجود ميليشيات "وحدات حماية الشعب" - التي تنشط تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية - قسد" - وحزب العمال الكردستاني (المصنف في قوائم الإرهاب) في هذه المناطق الملاصقة لحدودها.

وفي مقال بموقع الجزيرة مباشر، توقعت الكاتبة أن العملية التركية الجديدة لن تكون محدودة المساحة والتكلفة هذه المرة كسابقاتها، بل الواضح من الاستعدادات الكبيرة التي قامت بها رئاسة الأركان التركية على مدى الأشهر الماضية، التي جاءت مصحوبة بتصريحات لمسؤولين عسكريين وسياسيين، أنها ستكون عملية ضخمة وواسعة النطاق، حتى يمكن لتركيا أن تضع حدا للأخطار التي تحيط بها وبأمنها القومي.

ووفقا للكاتبة، يدعم التوجه التركي المرتبط بإطلاق العملية العسكرية المنتظرة الأنباء التي تتردد على ألسنة عدد من مسؤولي الإدارة الأمريكية الجديدة عن نيتهم سحب الجنود الأمريكيين الذين يفوق عددهم 2000 جندي من الأراضي السورية على الرغم من التحفظات الإسرائيلية على هذا الطرح، كما تحظى رغبتها هذه حاليا بموافقة ضمنية من جانب جارتيها إيران وروسيا من جهة، وبغداد وأربيل والإدارة السورية الجديدة من الجهة الأخرى.

وجاء في المقال:

تزامنًا مع الاستعدادات العسكرية الجارية، تشهد الساحة الدبلوماسية التركية نشاطا مكثفا ولافتا لكل من وزير الخارجية هاكان فيدان، ورئيس الاستخبارات إبراهيم كالن، اللذين زارا دمشق وبغداد، وهو ما يؤكد ارتباط هذه التحركات بصورة مباشرة بملف الإرهاب الذي تضعه القيادة السياسية التركية على رأس أولوياتها في المرحلة الحالية، وتسعى بكل قوتها لوضع حد له بكافة السبل.

فالمهم بالنسبة لأنقرة استغلال الظروف الدولية والإقليمية الراهنة للوصول إلى هدفها المتمثل في القضاء على عناصر التنظيمات الكردية المسلحة في كافة المناطق التي يتمركزون فيها على طول خط حدودها المشتركة مع جارتيها سوريا والعراق لضمان وحدة أراضيها، والحفاظ على أمنها القومي.

يدفعها إلى ترجيح هذا الخيار وصول المباحثات التي جرت في الأيام القليلة الماضية بين الإدارة السورية الجديدة وقيادات قسد إلى طريق مسدود، بعد رفض الأخيرة جميع المقترحات التي قُدمت لها، التي تمثلت في الحصول على العديد من المكاسب مقابل الاندماج في المجتمع السوري الجديد.

تشمل هذه المكاسب اعتراف الدولة السورية بجميع الحقوق الثقافية والاجتماعية للأكراد، وإدراجها ضمن بنود الدستور الجديد للبلاد، وفتح الطريق رحبا أمام إدماجهم في المؤسستين الأمنية والعسكرية، مع التعهد بأن النظام الجديد لن يعتمد المركزية في الحكم، وإنما يتيح للمجالس المحلية الحرية في إدارة شؤون مناطقها بما يتوافق مع طبيعة السكان، وتوجهاتهم الأيديولوجية، وعاداتهم الاجتماعية، ومورثاتهم الثقافية.

وهو العرض الذي يبدو أنه لم يلبّ طموحات قسد التي ترغب في أن يكون لها استقلالية تامة عن سلطة دمشق، من خلال عرضها الانضمام إلى الجيش السوري كوحدة متكاملة، وليس كأفراد يتم توزيعهم على مختلف الوحدات العسكرية، مع احتفاظها بانتشارها العسكري في المناطق التي تخضع لسيطرتها، وعرضها تسليم حصة من إنتاج حقول وآبار النفط الواقعة تحت أيديها للإدارة الجديدة.

قبول مقترحات قسد من جانب الإدارة السورية الجديدة يعني فعليا الموافقة رسميا على خطط تقسيم سوريا؛ مما يتيح الفرصة أمام إمكانية إقامة منطقة فدرالية أو كونفدرالية للأكراد ضمن حدود الدولة السورية، ويفتح المجال أمام إثنيات أخرى من مكونات المجتمع السوري للمطالبة بنفس الحق، والانفصال عن الدولة الأم.

وهو ما رفضته الإدارة السورية الجديدة، ومن قبلها القيادة التركية التي يبدو أنها كانت تدير المباحثات بين الجانبين من خلف الستار، أملا في التوصل إلى اتفاق سياسي، يضمن إدماج الفصائل الكردية المسلحة في القوى العسكرية والأمنية للدولة، وتوزيعها على مختلف الجغرافيا السورية، ومن ثم خضوعها بصورة كاملة لسياسات السلطة السورية، وتوجهاتها، ورقابتها بما يضمن لتركيا الحفاظ على وحدة أراضيها، ويؤمن لها أمنها القومي.

لكن الإعلان عن فحوى المباحثات، وما ظهر خلالها من تباين حاد في وجهات نظر الجانبين، دفع القيادة السياسية التركية إلى تصعيد لهجتها التهديدية؛ إذ شدد الرئيس أردوغان في تصريحاته على أن الفصائل الكردية المسلحة لن تتمكن من الهرب من نهايتها المحتومة إذا لم تستجب لدعوات الانسحاب من شمال سوريا، وإلقاء سلاحها.

وهو الموقف الذي جاء متوافقا مع تصريحات وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، الذي صرح بأن الإدارة الجديدة تعهدت بحل الفصائل المسلحة، ودمجها في إطار جيش وطني موحد، لبناء القوات المسلحة السورية التي هدفها هو الدفاع عن الوطن وتأمين حدوده، وأن هذا الهدف لن يستقيم في ظل استمرار عقلية الثورة والفصائل، مشيرا إلى أنهم لا يزال يحدوهم الأمل في إمكانية التفاوض مع القوات الكردية المسيطرة على مناطق شمال شرقي سوريا، لكنهم في الوقت نفسه مستعدون “للجوء إلى القوة إذا لزم الأمر” وطلبت القيادة ذلك.

وكان أحمد الشرع مسؤول الإدارة السورية الجديدة قد صرح بأنهم لن يسمحوا لحزب العمال الكردستاني بتنفيذ هجمات إرهابية ضد تركيا، متهما الحزب باستغلال تنظيم الدولة لتحقيق مكاسب سياسية خاصة، وأنهم سيبذلون قصارى جهدهم لضمان أمن الحدود التركية.

أما بالنسبة للعراق فقد كان ملف حزب العمال الكردستاني هو المتصدر لمباحثات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته مؤخرا لبغداد، مشددا على ضرورة إدراج الحزب منظمة إرهابية بشكل رسمي من جانب الدولة العراقية، وعدم الاكتفاء بإعلانه حزبا غير مرغوب في وجود عناصره على الأراضي العراقية فقط، مع المطالبة بالبدء في تنفيذ الاتفاقات التي سبق توقيعها بين العراق وتركيا خلال زيارة أردوغان لبغداد، المرتبطة بإنهاء الوجود المسلح للحزب في العراق.

وفي أربيل بإقليم كردستان العراق، المعني الأكبر بالمسألة الكردية والأزمة التركية بسببها، أعرب الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم عن استعداده للوساطة بغية حل الأزمة الكردية في سوريا، تجنبا لتحولها إلى صراع عسكري بين قسد والإدارة السورية، وفي هذا الإطار كانت زيارة مسرور البارزاني رئيس حكومة الإقليم لأنقرة أوائل الشهر الجاري، وكذلك زيارة مبعوثه الخاص عبد الحميد دربندي للقامشلي.

وهي التحركات التي أثمرت عقد لقاء بين الزعيم الكردي مسعود البارزاني ومظلوم عبدي قائد قسد في أربيل منتصف الشهر الجاري، حيث نصح البارزاني عبدي بضرورة العمل على توحيد موقف الأكراد في سوريا مع المجلس الوطني الكردي، وبذل المزيد من الجهود لوضع استراتيجية منطقية تفضي إلى المشاركة بإيجابية في العملية السياسية الجارية، والامتناع عن المطالبة بحكم ذاتي للأكراد.

أما على الصعيد الداخلي، فعلى الرغم من أهمية الموقف الذي تتخذه الحكومة في هذه القضية، سعيا للتخلص من الإرهاب الذي تعانيه البلاد منذ عقود، فإن أحزاب المعارضة التركية ترى ألا ضرورة تقتضي هذا التحرك، وأن توجه الحكومة صوب خيار العملية العسكرية على الرغم من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد إنما يشير إلى أمرين لا ثالث لهما، وهما:

1 – وجود خلافات قوية بين الائتلاف الحاكم، حزب الحركة القومية الذي يقود رئيسه دولت بهشلي مبادرة المصالحة مع الأكراد، والعدالة والتنمية الذي يمارس ضغوطا كبيرة على رؤساء البلديات التابعين لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الكردي، حيث يتم اعتقالهم وإبعادهم عن مناصبهم بتهمة التعاون مع عناصر حزب العمال الكردستاني، في تناقض واضح بين اليد الممدودة بالسلام، واليد التي تهدد بالسلاح.

2 – أن الحكومة قررت الهروب إلى الأمام عبر العملية العسكرية المزمع القيام بها، بهدف إيجاد حالة من الإلهاء للرأي العام التركي، في مواجهة حالة الغضب الشعبي المتصاعد من جراء حالة الغلاء المستعر، ووقف الضغوط القوية التي تمارسها المعارضة لإجبارها على الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!