
ترك برس
استعرض مقال للكاتب والخبير التركي محمد عاكف صويصال، تحليلا جيوسياسيا للحرب في أوكرانيا، موضحًا كيف استُخدم هذا البلد كأداة في صراع أوسع بين القوى العالمية، خاصة بين الغرب والصين.
يشير الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أن الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب دفعوا أوكرانيا إلى الحرب ثم استغلوها لاحقًا تحت ذريعة تحصيل الديون، في تجسيد للعقلية الاستعمارية الحديثة.
وأكد أهمية الموارد الطبيعية الأوكرانية، مثل الليثيوم والتيتانيوم، ودورها في سباق الهيمنة على التكنولوجيا والطاقة الخضراء، مشددا على ضرورة أن تسلك تركيا نهجًا استراتيجيًا مستقلًا بعيدًا عن مخططات الغرب.
وفيما يلي نص المقال:
منذ اللحظات الأولى للحرب أشرنا إلى أن أوكرانيا تُستخدم كطعم، كما ذكرنا أنه من المرجح جدًا أن تنسحب الولايات المتحدة، كما حدث في أفغانستان، تاركة حلفاءها لمصيرهم، مما قد يؤدي إلى تحولات جديدة في النظام العالمي. وها هو "البطل" زيلينسكي قد تحوّل الآن إلى "ديكتاتور كوميدي".
لكن ما لم نضعه في الحسبان هو أن الغرب، الذي دفع أوكرانيا نحو أتون الحرب، سيستغلها لاحقًا تحت ذريعة تحصيل الديون، وهو سيناريو بالغ الانحطاط من الناحية الأخلاقية.
فالعقلية الاستعمارية الغربية لم تتخلَّ يوما عن رغبتها في تحقيق المكاسب على حساب حياة الشعوب الأخرى، وأوكرانيا هي أحدث مثال على ذلك.
لا تنخدعوا بمظاهر جهود ماكرون أو ألمانيا غير المجدية لأوكرانيا؛ إنهم يهتمون بالأمر لأنهم يخشون أن يأتي دورهم في غضون 10-15 عامًا. وإلا فإنهم سينقضون اليوم لنهب أوكرانيا كما تفعل الولايات المتحدة بحجة "التحصيل المالي"، فهذه هي عقليتهم.
الغرب يسعى لتحقيق المكاسب بسهولة
منذ أن انتهت "الحروب العالمية" المزعومة، والتي لم تكن سوى "حروب أوروبية"، قام الغرب بتأسيس نظام جديد يهدف إلى توريط الدول في الديون، ومن ثم استغلالها والتحكم بها بأساليب أكثر سهولة، وهو ما يُعرف اليوم بـ"التدويل المالي". فقد أُنشئت منظومة مالية معقدة بحيث تتوالد الديون ومشتقاتها إلى حدّ يفقد فيه الجميع القدرة على إدراك حقيقتها أو كشف تفاصيلها.
لقد أُقيم نظام مالي بحيث باتت الدول القومية تفقد سيادتها لصالح كيانات مجهولة تحت ستار "التدويل المالي"، لمن؟ لشركة مساهمة؟ أطلقوا عليها أسماء توحي بأنها تابعة للدولة أو الشعب، بينما هي في الحقيقة لا تمتّ إليهما بصلة.
ولكن كل هذا لم يكن كافيًا ولن يكون كذلك. أتدرون لماذا؟ لأن طمع الغرب يفوق ذكاءه.
ولفهم الخطوة الأميركية في أوكرانيا، لا بد أن نتذكر أن الهدف الحقيقي هو الصين، والصراع معها.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الصين تمتلك أكثر من 70% من الإنتاج العالمي للمعادن الأرضية النادرة، وهي المواد الأكثر أهمية في قطاع الطاقة الخضراء. وهذا يعني أن أي دولة ترغب في التقدم في هذا المجال، لا بد لها من التعاون مع الصين.
وتسعى الولايات المتحدة إلى إزالة العقبات التي تواجه شركاتها التكنولوجية في تأمين المواد الخام، وفي هذا الصدد، فإن أوكرانيا المثقلة بالديون تبدو المرشح الأمثل للاستغلال، وبالتالي ستتمكن الولايات المتحدة من كسر احتكار الصين لهذه الموارد إلى حد ما.
والحقيقة أن العناصر الأرضية النادرة، ليست نادرة حقًا، فهي موجودة في العديد من الأماكن، ولكن المسألة تكمن في وجودها بكثافة في أماكن محددة. وفي حين أن الصين تسيطر على المناطق التي تتواجد فيها المعادن بوفرة، فإنها تمتلك أيضًا تقنيات الاستخراج والفصل الأكثر كفاءة في العالم بفضل الأساليب والتقنيات التي طورتها.
ونظرًا لإدراك إدارة ترامب للهيمنة الصينية في هذا المجال، فقد ابتعدت عن سياسات الطاقة النظيفة لصالح أجندة "الهيمنة على الطاقة" القائمة على النفط والغاز الطبيعي. وكما وعد ترامب في حملته الانتخابية، كانت أولى قراراته التنفيذية تقضي بتقليص الدعم المخصص للتكنولوجيا والتمويل البرامج المرتبطة بالطاقة النظيفة والمناخ.
إن السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والألواح الشمسية، وغيرها من تكنولوجيا الطاقة النظيفة، تحتاج إلى المعادن النادرة التي تدخل في صناعة المغناطيس والبطاريات؛ وبشكل عام، فإن التحول نحو الطاقة المتجددة وإزالة الكربون يخلق طلبًا عالميا متزايدا على المعادن. قد يكون بالإمكان تأجيل هذا التحوّل، لكن لا يمكن تجنّبه أو الفرار منه.
وتمتلك أوكرانيا الليثيوم، الذي يعد عنصرا أساسيا في العديد من تكنولوجيا البطاريات الحديثة، واليورانيوم الذي يستخدم في الطاقة النووية والمعدات الطبية والأسلحة.
وتنتشر رواسب التيتانيوم ذات الطلب المرتفع في جميع أنحاء البلاد. ويُستخدم التيتانيوم في صناعة أجنحة الطائرات وغيرها من الصناعات الجوية، وفي الصناعات البحرية، والمعالجات الكيميائية، والأجهزة الطبية.
كما تحتوي البلاد على مواد الجرافيت والمنغنيز، اللذين يستخدمان في بطاريات المركبات الكهربائية.
إن كونك عدواً للغرب أمرٌ خطير لكن أن تكون صديقًا له أكثر خطورة.
ولذلك نقول: التعاون أمرٌ مرحب به، ولكن يجب على تركيا أن تحدد طريقها الخاص، وأن يكون لها استراتيجيتها الخاصة، فلم تعد تركيا تابعة لأي قوة.
لقد تخطت تركيا بقيادة أردوغان هذه المراحل منذ زمن طويل. إنها اليوم دولة تمتلك عقلها الاستراتيجي الخاص، وتسير وفق رؤيتها المستقلة. يجب على الشعب أن يدرك مجريات الأحداث من حوله، وأن يحافظ على هذه المسيرة الوطنية.
يجب ألا تعرقل القضايا اليومية هذه المسيرة الكبرى.
على الشعب أن يدرس بعناية ما إذا كان القائد الذي ختاره، أو الذي سيختاره، سيقوده إلى الفناء كما حدث في أوكرانيا، أم إلى مستقبل مشرق.
فقد كانت هناك محاولات للتدخل في تركيا على غرار ما حدث في أوكرانيا، ولكن النهج الأصيل لثقافة الأناضول أنقذت تركيا من أن تصبح مثل أوكرانيا. وإلا لكانت هناك مفاوضات اليوم حول موارد الأناضول ولكانت المناطق التي ستعطى لإسرائيل تحدد الآن على الخرائط.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!