
ترك برس
أكد رئيس المركز الدولي للعلاقات والدبلوماسية جلال الدين دوران، أن الدليل والإثباتات كثيرة في ما يتعلق بأمر بحبس رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، على ذمة التهم الموجهة إليه، من قبل الادعاء العام بانتظار محاكمته.
وقال دوران في تصريحات لصحيفة "عربي21" إن القضية ليست سياسية والموضوع تماما يتعلق فقط بالفساد المتعلق بالفساد المالي في البلدية، وأيضا موضوع النقل من الجامعات من قبرص إلى إسطنبول، وهو غير قانوني.
وأضاف أن بلدية إسطنبول بلدية كبيرة جدا بميزانية ضخمة وكبيرة، وتتبع لها العديد من الشركات الإعلامية والثقافية وشركات الإنشاءات والمواصلات، وهذه الشركات أيضا لها إمكانيات وميزانية كبيرة، موضحا أن "رئيس البلدية إذا كان يريد الفساد فهو سهل بنسبة له".
أرقام ضخمة
وذكر أن فريق أوغلو الذي يدير إدارات البلدية وهذه الشركات هو نفس الفريق الذي يعمل معه ضمن شركاته الخاصة منذ سنوات طويلة، وأن اثنين منهم أصبحا حاليا في مناصب مهمة، مؤكدا أن حجم الفساد الحالي يقدر بـ 560 مليار ليرة تركية (14.7 مليار دولار).
وكشف أنه يوجد حاليا بعض الأوراق والإسنادات والدلائل عن حوالي 100 مليون دولار تم نقلها عبر العملات المشفرة إلى "المنظمات الإرهابية".
وكشف دوران أنه قرأ أكثر من صفحة من تحقيقات المحكمة مع أوغلو، وفي كل سؤال للقاضي عن الشركات والمناقصات التي فازت بها بملايين الليرات غير المدونة في السجلات المالية، دون إجابة أو حتى رفض الإجابة من أوغلو.
وأوضح أنه في وقت عملية القبض على بعض الأشخاص من البلدية وإدارتها، كان يتم العثور داخل مكاتبهم الخاصة على مليون دولار أو اثنين مليون دولار على الأقل.
وأضاف أن العديد من الأسماء المطلوبة حاليا للسلطات القضائية غير موجودين في البلاد، متسائلا: "حزب الجمهورية يقول إنه لا يوجد أي فساد وهذه الملاحقات الحالية سياسية، إذن فلماذا هؤلاء الأشخاص يهربون في الليل وعبر أوروبا؟".
وأشار إلى أن هذه الشخصيات خرجت ولا نعرف هل خرجت بالأموال أم لا، وزارة الداخلية أكدت أن هؤلاء خرجوا من البلاد، وبعضهم ما زال موجودا إلا أنه مختف، قائلا: "إذا لم تكن عندكم هذه المشاكل فلماذا تهربون؟".
وقال دوران إن إحدى أمثلة هذا الفساد تتمثل في بيع الفيلا التي تبلع قيمتها 5 ملايين دولار (190 مليون ليرة) بحسب سوق إسطنبول وموقعها وثمن أرضها، بمبلغ لا يتجاوز الـ30 أو الـ40 مليون ليرة (نحو 800 ألف دولار)، وهذه عملية تتم فيها تغيير وتبديل الأموال ونقلها من الناس إلى الناس، أو الأملاك ونقلها بين الشركات والناس.
وكشف أن هذه الأدلة التي تدين إمام أوغلو في مختلف هذه الجرائم المالية جاءت من داخل حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي له.
"شراء النفوذ"
وأرجع رئيس المركز الدولي للعلاقات والدبلوماسية جلال الدين دوران، سبب صدور هذه الأدلة من داخل الحزب إلى أن أوغلو خلال فوزه بالانتخابات في الفترة الأولى فاز في إسطنبول ـ"بالضغط بالفلوس، اشترى بعض المسؤولين في الأحزاب الأخرى حتى يتفقوا عليه".
وأوضح أنه "في الوقت الحالي التهمة الأساسية داخل الحزب الجمهوري هي ضد إمام أوغلو وقيامه بشراء ذمم أشخاص في الانتخابات داخليا، من أجل تغيير ’المرشحين’.. وقد أصبح إمام أوغلو ذا نفوذ داخل الحزب الجمهوري يفوق نفوذ رئيس الحزب نفسه...".
وذكر أن المشهد السياسي داخل حزب الشعب الجمهوري يشهد انقسامات واضحة على خلفية الطموحات السياسية لرئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ومساعيه للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وأكد أن الحزب كان يهدف إلى توافق داخلي حول مرشح الرئاسة، إلا أن رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش، الذي يتمتع بشعبية أكبر وفقًا لاستطلاعات الرأي، رفض خوض الانتخابات المبكرة، معتبرًا أن التوقيت غير مناسب وأن الأولوية يجب أن تكون لتقديم الخدمات البلدية.
وأشار دوران إلى أن هناك قلقًا داخل الحزب من محاولة إمام أوغلو فرض سيطرته على التنظيم، خاصة مع ما تردد عن قضايا فساد طالت بعض البلديات مثل أسنيورت وبشيكتاش، إضافة إلى اتهامات تتعلق بدعم الإرهاب.
ولفت إلى أن إمام أوغلو استبق أي تحركات قضائية ضده بالإعلان عن ترشحه للرئاسة، في خطوة تهدف إلى تصوير أي إجراءات قانونية ضده على أنها "انتقام سياسي".
وأضاف دوران أن حزب الشعب الجمهوري دعا أنصاره إلى التظاهر في الشوارع، زاعمًا أن هناك "انقلابًا على الإرادة الشعبية"، إلا أن الاستجابة لهذا النداء كانت محدودة، ولم تحظَ بدعم واسع حتى من داخل الحزب نفسه.
وعن الانقسام الداخلي، أشار دوران إلى أن بعض القيادات وأعضاء الحزب غير راضين عن أداء إمام أوغلو، حيث يرون أنه يهتم بالسياسة أكثر من إدارة إسطنبول، التي تعاني من مشاكل في المواصلات والنظافة والخدمات الأساسية.
وأضاف أن هناك اعتقادًا بأن إمام أوغلو يسعى للضغط على الحزب لترشيحه للرئاسة أو حتى رئاسة الحزب نفسه، وهو ما يزيد من حالة التوتر داخل التنظيم.
ولفت إلى أن القضاء لا يزال ينظر في ملفات الفساد والاتهامات الموجهة لبعض البلديات، مؤكدًا أن المحكمة تمتلك وثائق وأدلة واضحة، وإذا صدر حكم بالإدانة، فقد يكون لذلك تداعيات كبيرة على المشهد السياسي ومستقبل إمام أوغلو داخل الحزب وخارجه.
منذ فترة طويلة
أكد دوران، أن السلطات التركية تراقب بلدية إسطنبول منذ فترة بسبب وجود أدلة وشبهات حول قضايا فساد، مشيرًا إلى أن التحقيقات تشمل أيضًا بلديات أخرى مثل بلدية أسنيورت وبشيكتاش، نظرًا لارتباطها بنفس القضايا.
وأوضح دوران أن الدولة التركية تتعامل مع هذه القضايا بدقة وحذر، حيث تجمع الأدلة وتنتظر استكمال التحقيقات قبل اتخاذ أي إجراءات، لافتًا إلى أن المحاكم تعتمد في عملها على مستندات وأوراق رسمية، وليس فقط على المعلومات الواردة من الأحزاب السياسية، نظرا لأن العديد من الأدلة ضد أوغلو جرى الكشف عنها من داخل حزبه.
وأضاف أن الأدلة المقدمة جاءت من جهات متعددة، من بينها شكاوى مقدمة من أفراد وشركات، بالإضافة إلى تقارير من داخل البلدية نفسها، مؤكدًا أن هناك إجراءات قانونية واضحة تفرض على الجهات المختصة الرد على أي شكوى خلال 15 يومًا.
وأشار إلى أن هذه التحقيقات ليست مجرد تصفية حسابات سياسية، بل هي استجابة لمطالبات عدة بفتح ملفات الفساد واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، مؤكدًا أن الأدلة التي وصلت إلى السلطات لم تأتِ فقط من مصادر حزبية، بل من جهات مستقلة وأفراد تضرروا من هذه الممارسات.
وشدد على أن تنفيذ الإجراءات ضد الفساد يتم بناءً على أدلة واضحة، وأن الرقابة القانونية مستمرة لضمان الشفافية والمحاسبة.
وكشف عن تفاصيل تتعلق بخلفية أكرم إمام أوغلو والشبهات المحيطة بمسيرته الأكاديمية والمهنية، موضحا أن إمام أوغلو أسس شركته في طرابزون قبل أن ينقلها إلى إسطنبول في نفس العام، حيث إنه حصل على شهادته الجامعية ورخصته بعد فترة وجيزة.
وأضاف أن هذه التحركات أثارت تساؤلات حول علاقتها بمنظومة مدارس فتح الله غولن، والتي كانت تُعرف بتنظيمها المشبوه داخل تركيا.
وأشار دوران إلى أن مدارس وجامعات غولن لعبت دورًا رئيسيًا في توزيع أسئلة الامتحانات المركزية على طلابها، ما يثير شكوكًا حول كيفية حصول إمام أوغلو على شهادته. وأضاف أن هناك خلفية متشابكة تربط بين بعض الشخصيات العامة والتنظيم، مشيرًا إلى أن اسم إمام أوغلو ظهر في هذا السياق.
السيناريوهات المتوقعة
أكد رئيس المركز الدولي للعلاقات والدبلوماسية، جلال الدين دوران، أن حزب الشعب الجمهوري يسعى إلى خلق سيناريوهات بديلة في ظل التطورات القانونية المتعلقة برئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو. وأوضح دوران أن المسار القانوني سيحدد مصير رئاسة البلدية وفقًا للقوانين التركية، حيث قد يترتب على صدور حكم جنائي إجراء انتخابات داخل المجلس البلدي لاختيار رئيس جديد للبلدية.
وأشار دوران إلى أنه في حال إدانة إمام أوغلو بتهم تتعلق بدعم الإرهاب، فإن القانون التركي يجيز تعيين "قيوم"، أي قائم بأعمال البلدية، من قبل الحكومة المركزية، وهو نموذج تم تطبيقه في تركيا في السابق في قضايا مشابهة.
وأضاف أن هذا التعيين قد يكون عبر والي إسطنبول أو شخصية إدارية محايدة تختارها وزارة الداخلية لضمان إدارة البلدية بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
وأوضح دوران أن هناك مخاوف داخل حزب الشعب الجمهوري بشأن هذا السيناريو، ما يدفع البعض إلى محاولة تصوير القضية على أنها معركة سياسية وليست مسألة فساد ودعم للإرهاب.
واعتبر أن هذه الخطوات تهدف إلى استباق الأحكام القانونية وإضفاء طابع سياسي على القضية لتعبئة الشارع، رغم أن جوهر القضية يتعلق باتهامات خطيرة بالفساد وتمويل الإرهاب، والتي ستحدد المحكمة مصيرها بناءً على الأدلة المتاحة.
ولفت إلى أن علاقات إمام أوغلو ببعض الجهات الأوروبية قد تلعب دورًا في هذا الملف، إلا أن القرار في النهاية سيكون بيد القضاء التركي.
وقال إن التهم المتعلقة بالإرهاب قد تدفع باتجاه تعيين "قيوم"، أي قائم بأعمال البلدية، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا وفقًا للقانون التركي، بينما يبقى خيار انتخاب رئيس جديد من داخل المجلس احتمالًا ضعيفًا لكنه قائم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!