ترك برس

تناول تقرير تحليلي للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، تطورات ملف التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا والعراق، على ضوء دعوة زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني المسجون (بجزيرة إمرالي)، عبد الله أوجلان، إلى حلّ التنظيم وترك السلاح دون شروط.

وسلط الكاتب - في مقاله بصحيفة يني شفق - الضوء على ردود فعل قنديل (قيادة التنظيم في جبال شمال العراق) التي تباطأت في الاستجابة وطرحت شروطًا، في مقابل موقف تركي ثابت يرفض أي تفاوض قبل تسليم السلاح فعليًا.

كما تطرق إلى الاتفاق بين دمشق وتنظيم "قسد" في سوريا، والذي يمنح التنظيم تسعة أشهر للاندماج ضمن مؤسسات الدولة، دون التزام واضح بنزع السلاح، ما يثير حذر أنقرة.

ويعرض الكاتب الدور الأمريكي المزدوج في إدارة الملف، ويستشرف الموقف التركي الحازم في حال عدم تنفيذ الالتزامات ضمن المهلة المحددة. وفيما يلي نص المقال:

بعد دعوة إمرالي في 27 فبراير لـ“ترك السلاح وحلّ التنظيم”، باتت أنشطة التنظيم الإرهابي تخضع لرقابة مشددة. عندما أطلق زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي دعوته التي دشّنت هذه العملية في أكتوبر، كان من المتوقع أن تقع قنديل، المحاصرة شمال العراق، تحت الضغط، وأن يبحث تنظيم واي بي جي الإرهابي في سوريا عن سبل للبقاء.

لكن في المرحلة الحالية، يبدو أن قنديل تتباطأ وترفض التخلي عن السلاح، رغم الاتفاق "المحدد بتسعة أشهر" مع دمشق، وتواصل قوات تنظيم واي بي جي مساعيها نحو إقامة إدارة ذاتية. فما الذي ستفعله أنقرة؟ إليكم ما استطعنا جمعه من معلومات

صدمة في قنديل

أحد المصادر المطلعة على العملية قال لي: “قنديل لم تكن تتوقع دعوة غير مشروطة من إمرالي.” كان التنظيم ينتظر أن تتضمن دعوة إمرالي شروطًا، لكن عبد الله أوجلان طالب التنظيم بعقد مؤتمر عاجل، وترك السلاح، وحلّ نفسه، دون أي شرط.

ولا شك أن هذه الدعوة أحدثت صدمة قوية في قنديل. ومن أجل عدم فقدان شرعيته أمام القاعدة الشعبية، ولتجنّب الصدام العلني مع إمرالي، أعلن التنظيم من طرف واحد وقفًا لإطلاق النار. لكن لاحقًا، بدا أن قنديل اتخذ موقفًا جديدًا لا يرفض إمرالي بشكل مباشر، لكنه يُبقي على مسألة الحلّ معلقة دون حسم.

التنظيم يماطل

أول من عبّر عن هذا الموقف كان القيادي في التنظيم، جميل بايق، الذي قال: “في ظل هذه الظروف، من غير الممكن عقد المؤتمر.”

فما هي الشروط التي يطرحها التنظيم رغم دعوة إمرالي؟

1- أن توقف القوات المسلحة التركية وجهاز الاستخبارات عملياتها في العراق وسوريا.

2- اتخاذ بعض الخطوات القانونية/التشريعية.

3- مشاركة أوجلان شخصيًا في المؤتمر المرتقب.

موقف أنقرة: لا تغيير

عندما بدأت العملية في أكتوبر 2024، كتبنا حينها: “تركيا لا تطلب من أحد أن يترك السلاح، لكنها لا تمنع من يفعل ذلك.”

وشدّدنا على أن العقل الاستراتيجي للدولة التركية لا يثق بالتنظيم، ولذلك ستستمر العمليات حتى يتم فعليًا تسليم السلاح (ومنذ 1 يناير تم تحييد 537 إرهابيًا في العراق وسوريا)، لكن تركيا على استعداد لمنح فرصة لحلّ سلمي خالٍ من الإرهاب، في إطار رؤيتها لـ"تركيا خالية من الإرهاب".

ولا تشير التصريحات الرسمية إلى وجود أي تغيير في موقف أنقرة. فوزير الدفاع الوطني، يشار غولر، قال: “لا يجب طرح قضايا غير واردة في النص مثل وقف إطلاق النار.”

أما وزير العدل، يلماز تونج، فأوضح أن: “المحكوم عليه لا يمكنه إدارة أي اجتماع خارج السجن.”

ومن المتوقع أن تواصل أنقرة موقفها القائل: “إمرالي قال كلمته، والكرة الآن في ملعب قنديل.”

كما يبدو أنها لا تنوي السماح بزيارات إضافية إلى إمرالي، باستثناء الزيارات العائلية.

وماذا عن سوريا؟

أما بخصوص مسار تسليم السلاح من قبل تنظيم واي بي جي في سوريا، فالأمر أكثر تعقيدًا ويتطلب توازنًا دقيقًا.

لأن المعادلة تشمل أيضًا الولايات المتحدة ونظام دمشق. فالوجود الأمريكي في سوريا يجعل المسار أكثر تعقيدا.

في 10 مارس، وقّع رئيس النظام السوري، أحمد الشرع، اتفاقًا مع قوات سوريا الديمقراطية (تنظيم واي بي جي).

هذا الاتفاق رسّخ وحدة الأراضي السورية، ومهّد الطريق لدمج قوات التنظيم ضمن المؤسسات السورية، كما منح دمشق السيطرة على مصادر الطاقة وعلى الحدود. لكن لم يتضمن الاتفاق أي التزام واضح بتسليم السلاح.

ومن المعروف أن نظام دمشق ينظر بتفاؤل إلى هذه المرحلة، لكن أنقرة ليست على نفس القدر من التفاؤل.

وبعد أربعة أيام فقط من الاتفاق (14 مارس)، زار كل من وزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، ورئيس الاستخبارات إبراهيم قالن العاصمة دمشق، والتقوا بأحمد الشرع.

وصرّح فيدان عقب الزيارة: “طرحنا جميع أولوياتنا ومخاوفنا.”

وشدّد مجددًا على أن: “تفكيك هذه الكيانات ودخولها تحت سيطرة الحكومة المركزية هو شرط أساسي، ولن يكون هناك مكان لأي شخص التحق بتنظيم واي بي جي من الخارج.”

يريدون إدارة ذاتية

نشر في وسائل الإعلام أن اجتماعًا عُقد بعد أربعة أيام من زيارة الوفد التركي إلى دمشق، وذلك في قاعدة أمريكية بمدينة الحسكة، وبإشراف مسؤولين أمريكيين.

اجتمع فيه تنظيم قسد مع المجلس الوطني الكردي السوري ، وهو فصيل كردي معارض للـتنظيم الإرهابي ومقرّب من برزاني.

الاتفاق الذي تم بين الجانبين تضمن اقتراح نظام حكم فيدرالي قائم على اللامركزية في سوريا، يُقدَّم إلى نظام دمشق. وهذا التطور الجديد يشير بوضوح إلى أن التنظيم لا يزال يواصل سعيه نحو الحصول على الحكم الذاتي، ويمتنع عن التخلي عن السلاح.

ماذا ستفعل الولايات المتحدة؟

في الوقت الذي تستعجل فيه الولايات المتحدة خطواتها للانسحاب من سوريا، كانت قد دفعت تنظيم قسد للجلوس على طاولة التفاوض مع دمشق.

لكنها من جهة أخرى تعمل على جمع التنظيم مع معارضيه من أجل تنسيق تحرّكاتهم سويًا.

في هذا السياق، تعتبر زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى واشنطن، ولقاؤه مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو، خطوة بالغة الأهمية.

ويبدو أن اللقاء كان إيجابيًا فيما يخص العلاقات الثنائية وصناعة الدفاع، مع تأكيد خاص على فرص التعاون من أوكرانيا إلى القوقاز.

لكن ماذا عن سوريا؟

العبارة المتاحة لدينا في هذا السياق هي: "أكد الطرفان أهمية التواصل مع الحكومة السورية." وهذا أمر مهم فيما يخص إمكانية رفع العقوبات.

كما ورد في التصريحات أن الطرفين شددا على "ضرورة تحقيق الاستقرار في سوريا ومواصلة مكافحة الإرهاب."

لكن هل تم التوصل إلى رؤية مشتركة بين أنقرة وواشنطن بخصوص تنظيم قسد؟ هذا ما سنعرفه لاحقًا.

كيف تنظر أنقرة إلى الأمر؟

الاتفاق بين دمشق وتنظيم قسد وضع جدولًا زمنيًا لتطبيق التفاهمات يمتد حتى نهاية العام، ما يعني أن التنظيم مُنح فترة تسعة أشهر.

لكن، وكما يبدو، فإن أنقرة لا ترغب بتمديد هذه الفترة، ولذلك لن تنتظر حتى نهاية المدة.

في غضون أشهر قليلة فقط، تنتظر تركيا من التنظيم أن يفي بوعوده: إخراج المقاتلين الإرهابيين الأجانب من سوريا، وتسليم السلاح، والانضمام إلى مؤسسات الدولة السورية.

وخلال هذه الفترة، سيتم مراقبة ما إذا كانت القوات المسلحة للتنظيم تُفكّك بالفعل أم لا.

وإذا لم تُتخذ خطوات جدية في اتجاه تسليم السلاح، فمن المتوقع أن تتدخل أنقرة في المناطق التي لم يتم فيها أي تفكيك فعلي.

ولا أعتقد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سبق له أن حذّر إدارة بايدن قائلًا "ابقوا بعيدين عن سوريا" عندما كانت دمشق تمر بتغييرات داخلية، سيُولي هذا الملف اهتمامًا كبيرًا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!