ترك برس

تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، بصحيفة يني شفق، التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد سوريا في سياق توسّع عدواني أعقب جرائم الحرب في غزة.

وسلط التقرير الضوء على خروقات إسرائيل المتكررة للقانون الدولي وازدواجية المعايير الغربية في دعمها.

وربط هذا العدوان بسياسات استعمارية قديمة يُعاد إنتاجها تحت ذرائع حديثة كـ"التهديد الوجودي"، منتقدًا بشدة الصمت الدولي.

أكد الكاتب أن ما يجري يعكس انهيار النظام العالمي القائم منذ 1991. كما تحدث عن صمود غزة كمحطة فارقة أعادت توجيه البوصلة العالمية نحو مقاومة الاستعمار.

ويتوقع تورك يلماز دورًا محوريًا لسوريا في المرحلة القادمة من اليقظة الإقليمية. وفيما يلي نص المقال:

تواصل إسرائيل الصهيونية تصعيد اعتداءاتها غير القانونية على سوريا، بعد سلسلة جرائمها في غزة، في سياقٍ بات يتّسع ليشمل الضفة الغربية والقدس، ويمتد اليوم ليضع سوريا ضمن دائرة العدوان، في تحدٍ سافر للقانون الدولي، تواجه العالم كله تقريبا ولا تتتورّع عن التبجّح والوقاحة. لقد بلغ بها الغرور حدا لم تعد ترى فيه أي ضرورة لإخفاء جرائمها، بخلاف ما فعله النازيون في الماضي. فخلال الثمانية عشر شهرًا الماضية، لم يتردد الجنود الصهاينة في نشر جرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، في مشهدٍ تابعته البشرية جمعاء بذهولٍ. وقد كُشف مؤخرًا عن الهجمات المتعمدة التي طالت العاملين في مجال الرعاية الصحية، ورأى العالم بأسره كيف أُمطِر الأطفال بوابلٍ من الرصاص من مسافة لا تتجاوز خمسة عشر مترًا. وها هي إسرائيل الآن توجّه سهامها نحو سوريا.

لقد كانت إسرائيل تُمعن في انتهاك القانون الدولي في كل من غزة، والضفة الغربية، والقدس، ولبنان، تحت ذريعة "التهديد الوجودي"، ذريعة تلقّفتها العواصم الغربية برحابة، فتبنّوها وباركوها. إذ يرون إسرائيل – بحسب تصورهم – ممثل الحضارة الغربية في قلب العالم الإسلامي، وآخر قلاع الغرب في الشرق. ولكن ويا للأسف، فإن مفهوم "الحضارة" لم يُفهم بعد فهمًا حقيقيًا في بلادنا. وفي القرن التاسع عشر، عملت الحضارة في العالم الغربي كإيديولوجية أساسية للتوسع الاستعماري. كانوا يعتقدون بأنهم "يصنعون التاريخ" للشعوب التي "لا تاريخ لها". وعندما كتب روديارد كبلنغ عن "عبء الرجل الأبيض"، كان يقصد بالتحديد مهمة الحضارة الاستعمارية.

وعليه، لم تعد خروقات إسرائيل الصهيونية للقانون الدولي ولا غطرستها المشينة أمورًا مستهجنة في عُرفهم. وحتى مقولة كارل ماركس "الشرقيون لا يعرفون المعاناة" ينبغي فهمها ضمن هذا الإطار.

ولو لم يصمد أهل غزة كشعب واحد طيلة ثمانية عشر شهرا، لاستمر التستر على جرائم إسرائيل وغطرستها كما في المرات السابقة. كانت ستقتل وتنهب وتتوسع بسرعة خاطفة كما اعتادت. لكنها واجهت وللمرة الأولى مقاومة استثنائية، مقاومة يصعب إيجاد توصيف دقيق لها. وقد استخدم ريتشارد فولك في أحد مقالاته عبارة "قفزة إيمانية" لوصف مقاومة الغزيين، ولعلها التعبير الأدق عمّا قدّمه هذا الشعب من تضحيات وجهود تفوق الوصف. لقد نجح الغزيون، من خلال هذه القفزة الإيمانية، في وقف زحف الحضارة الغربية الاستعمارية ولو مؤقتًا عند غزة.

واليوم، يواجه العالم كله تحوّلًا عميقًا تقوده الولايات المتحدة، وهذه الأزمة التي هزت الولايات المتحدة بشدة هي امتداد طبيعي لاحتلال الخليج العربي منذ العام 1991، إذ لم يتركوا جريمة إلا وارتكبوها في العراق، وأفغانستان، وسوريا خلال العقود الثلاثة الماضية. وخلال الفترة ذاتها، قتلت إسرائيل الملايين في غزة، والضفة الغربية، والقدس. لكنهم نجحوا في التغطية على كل المجازر التي ارتكبت باسم الحضارة. أما في الأشهر الثمانية عشر الماضية، فقد نجح أهل غزة في إيصال كفاحهم المناهض للإمبريالية إلى العالم أجمع. وشاهد العالم بأم عينيه ما يحدث في الحامية الحدودية للحضارة الغربية.

خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، قدّم الغرب الأنجلوساكسوني دعمًا شاملًا لإسرائيل الصهيونية على كافة المستويات. أما الولايات المتحدة، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ أعلن ترامب صراحة عزمه على "الاستيلاء على غزة" وإعادة بنائها كمستعمرة جديدة، بل وأعلنوا نيتهم تنفيذ تطهير عرقي بحق الغزيين والفلسطينيين. وهكذا، لم يعد هناك ما يخفى؛ بل انكشفت النوايا الاستعمارية على حقيقتها، وتجلّت أوجه الشبه الجوهري بين الكيان الصهيوني وألمانيا النازية. فقد قدّمت النازية الجديدة، التي تشهد تصاعدًا في أوروبا، دعمًا مباشرًا لانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي في غزة. أما الليبراليون واليساريون الأوروبيون، فقد واصلوا حمل إرث النازية بطرقٍ مضمرة ومبطّنة. غير أن هذا العهد قد ولّى الآن بالكامل.

ولأن إسرائيل الصهيونية باتت تدرك حجم هذا الدعم والتغيير، فقد تجاوزت حدود فلسطين التاريخية ووسّعت نطاق عدوانها ليطال الأراضي السورية. وبهذا يمكن القول إن النظام الدولي القائم على القواعد قد انهار تمامًا. وهذا التطور بمثابة إعلان صريح عن نهاية نظام عالمي تمحور لعقود حول الهيمنة الأنجلوسكسونية. وما يُشار إليه بـ"نهاية العولمة" إنما هو نهاية المرحلة التي بدأت في عام 1991. لقد تغيّر الكثير في غضون ثمانية عشر شهرًا.

ولا شك أن هذه التحوّلات تُنذر ببداية مرحلة جديدة من اليقظة. فتصفية الاستعمار تعني في جوهرها ولادة عهد من الصحوة. وسيضطلع السوريون بدورٍ فاعل في هذه المرحلة الجديدة، وسينجزون في العالم العربي أعمالًا لا يمكننا رؤيتها بوضوح اليوم، وخاصة في العالم العربي. وهم بعد حقبة طويلة من الغياب، مرشحون لتحمّل مسؤولية هذه المنطقة مجددا. فظهور سوريا كدولة قوية في هذا العصر يقتضي اعتماد نهج مختلف عن عهد الأسد. نعم، "سوريا للسوريين". وأول من يجب أن يفهم معنى هذا الكلام هم الصهاينة. لقد أظهرت إسرائيل الصهيونية في كل مناسبة أنها لا تريد وجودًا وطنيًا في سوريا. وهذا سيدفع السوريين إلى اتخاذ موقف جديد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!