عاكف إمري - صحيفة يني شفق
رأينا في الأيام القليلة الماضية بعض من انتصارات الرأسمالية العالمية على إرادة الشعوب ولو بشكل مغلّف، ففي اليونان خرجت الجموع الغفيرة لتقول "لا" للشروط الأوروبية على اليونان، لكن الواقع بعد الاستفتاء جاء ليقول بان الشعب وكأنه صوت "بنعم" لتكون بذلك الرأسمالية هي سيدة الموقف اليوناني وان أوروبا لم تشئ ترك اليونانيين في أزمتهم وانما أرادوا مساعدتهم لكن بشروطهم وهو الذي حدث رغم انف اليونانيين.
في الشرق نرى نفس المشهد عند الإيرانيين، فبعد ما يقارب الثلاث عقود على الثورة الإيرانية التي خرجت فيها الجموع لتقول "لا" للغرب وهيمنته و "لا" للرأسمالية الغربية المتوحشة، نراهم اليوم يقولون "نعم" للغرب وهيمنة الحضارة الغربية عندما قبلت إيران الاتفاق مقابل بعض الانفراجات الاقتصادية مثل اسقاط الحصار الدولي.
نستطيع قراءة المشهد من الزاوية الإيرانية بطرق مختلفة لكن ما يجمع عليه الكل بان الثورة الإسلامية التي اندلعت معادية للغرب والسياسيات الغربية الاجرامية حسب الوصف الثوري قد تم ترويضه من قبل الغرب، وان حقيقة ما يحدث لا يخرج عن حقيقة كونه انكسار لتلك الثورة الإسلامية الإيرانية.
لكن في المقابل يرى الكثير بان الذي يحدث انما هو انتصار لكل الأطراف، فكل طرف حقق مكاسب في أمور يبتغيها في مقابل بعض التنازلات لقاء ذلك. فإيران استطاعت بهذا الاتفاق التخلص من الحصار الدولي لها، وفي المقابل استطاع الغرب تحجيم القوة النووية الإيرانية التي من الممكن ان تشكل خطر عليها في نقطة ما او في لحظة مستقبلية ما. فالغرب يتقبل الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط ويعلم حقيقة التأثير الإيراني في المشهد السياسي، وبهذا الاتفاق يكون الغرب قد سحب إيران الى التفاهمات الدبلوماسية واشراك إيران في لعبتهم السياسية في المنطقة على الأقل. فالتأثير على الطائفة الشيعية والقوة الاستخباراتية التي تمتلكها إيران تجعل يدها في المنطقة قوية، وعلى الرغم من تخوفات اليهود وإسرائيل من تهديدات إيران القديمة التي تمثل الضغط الأكبر على أوباما، فان الجو السياسي في هذه اللحظات لا يحتمل اقل من هذا.
سوف تسعى إيران الى استغلال الإنفراجة الاقتصادية في رفع مستوى المعيشة للإيرانيين، وفي إعادة العافية لجسد الدولة الإيرانية الذي تأثر بسبب التدخلات الكثيرة في الساحات السياسية الخارجية لدول الشرق الاوسط، وفي نفس السياق سوف تسعى إيران على استيعاب النفس الخُميني في الشعب الإيراني ومحاولة تطويعه ليكون دافع لدولاب النهوض الإيراني في المنطقة والعالم.
سوف تنبئك الأيام القادمة بالخبر اليقن، فاليوم وكما نقرئ الحدث نشعر باللامنطقي والتناقض الذي يحصل بين الدعوة الإيرانية النابعة من الثورة الإسلامية وبين الخضوع الإيراني للحضارة والهيمنة الغربية، لن نعرف حقيقة الذي يحث سواء هزيمة او انتصار لإيران وللغرب إلا بعد ان نرى ما تخبئه لنا الأيام والسنين القادمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس