شعبان عبدالرحمن - خاص ترك برس

"هونغ كونغ:" كلمة صينية معناها "المِيناء العَطِر"، وقد  لقبها المستعمرون ب"لؤلؤة الشرق "، وهي إحدى المنطقتين الإداريتين التابعتين لجمهورية الصين الشعبية (المنطقة الثانية هي ماكاو).

تقع على ساحل الصين الجنوبي، وهي محصورة بين بحر الصين الجنوبي ودلتا نهر اللؤلؤة، وتتميز بناطحاتها السحابية الكثيرة ومينائها الفسيح. يزيد عدد سكانها على 7.482 مليون نسمة يمثلون إحدى أكبر الكثافات السكانية في العالم ،بعكس جمهورية " تايوان " التي تتميز بواحدة من أكبر نسب الانخفاض السكاني في العالم .

ومنذ العصور القديمة كان يسكن  منطقة "هونغ كونغ "،عدد قليل من السكان، وظلت حتى نهاية العصور الوسطى مجرد قرية صيد صغيرة دون أن يكون لها شأن كبير، ثم وقعت تحت سيطرة الاحتلال البريطاني في أعقاب حرب الأفيون الأولى (1839م -1842م ) ،بين الصين وبريطانيا بسبب محاولة الصين الحد من زراعة الأفيون واستيراده، فتصدت لها بريطانيا  بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها بريطانيا من تجارة الأفيون في الصين، وكان من نتائج هذه الحرب أن أصبحت هونغ كونغ مستعمرة بريطانية.

وبعد حرب الأفيون الأولى توسعت حدود هونج كونج بضم  مقاطعة أوسع تشمل شبه جزيرة كولون ثم الأقاليم الجديدة فيما بعد، وفي منتصف القرن العشرين استولت عليها اليابان أثناء حرب المحيط الهادئ، ولكن بريطانيا استعادتها بعد الحرب، وبقيت هونج كونج مستعمرة بريطانية حتى عام 1997م  عندما  استعادت الصين ملكيتها . وطوال العصر الاستعماري ظلت هونج كونج تتمتع بحريتها ، فقد كان التدخل الحكومي في الاقتصاد محدوداً، وقد أثرت تلك المرحلة على تشكيل ثقافة هونغ كونغ الحديثة، وما زالت تتمتع باستقلالية عالية ونظام مختلف عن نظام  الصين الشعبية في القضاء والدستور، باستثناء العلاقات الدبلوماسية الدولية والبنية العسكرية.أما حرب الأفيون الثانية فقد وقعت  بين عامي (1856 م  - 1860 م)..

وتعد هونغ كونغ واحدة من المراكز الاقتصادية الرائدة في العالم، وعملتها (دولار هونغ كونغ) وهي العملة الثامنة الأكثر تداولًا على مستوى العالم.

جغرافيا

ومعظم أراضي هونغ كونغ عبارة عن جبال وتلال، ولذلك فإن أقل من 25% من إجمالي مساحتها مأهول بالسكان، ونحو 40% من مساحتها الباقية يقع ضمن نطاق الحدائق الوطنية والمحميات الطبيعية، ويتركز معظم التوسع العمراني في المنطقة في شبه جزيرة كولون وعلى الساحل الشمالي من جزيرة هونغ كونغ.  وبسبب صغر مساحتها وكثرة سكانها – كما هو واضح -  برزت الحاجة إلى بنية تحتية تسمح بكثافة سكانية أكبر، فحوَّلها ذلك إلى مركز للعمارة الحديثة، وجعل منها المدينة الأكثر علوًّا في العالم، كما تسبب ذلك في تطوير شبكة المواصلات فيها، حتى أصبح يعتمد أكثر من 90% من سكانها على النقل العام، وهو المعدل الأعلى عالميًّا.

وتكثر فيها الأعاصير الاستوائية خلال الصيف، وتتسبب أحياناً في الفيضانات والانهيارات الأرضية، أما فصل الشتاء فهو معتدل الطقس.

اللغة :ولغة هونغ كونغ الرسمية هي "صينية يوي " (مجموعة من اللغات الصينية المنتشرة في جنوب الصين؛ ويبلغ عدد المتحدثين بها 62 مليون نسمة). وتصنف اللغة الإنجليزية أيضاً لغة رسمية فيها حيث تتحدث بها نسبة كبيرة من السكان في حياتهم اليومية.

 وتشتهر هونغ كونغ بأنها ملتقي  الشرق بالغرب، وقد تكونت ثقافتها من خليط بين أصلها الصيني وآثار الاستعمار البريطاني لها ، ويصل هذا الاندماج بين الثقافتين من التأثر بالفلسفات والاتجاهات الفكرية الشائعة فيها إلى الأطعمة، إذ توجد فيها مطاعم للوجبات السريعة الغربية إلى جانب المطاعم الصينية.

 

كيف وصلها الإسلام؟

عرفت منطقة شرق آسيا - هونج كونج من دولها – الإسلام  في القرن الهجري الأول – القرن السادس الميلادي( عام  578 م  ) عن طريق التجار العرب  الذين وصلوا إلى جنوب شرقي الصين أيضا  في نفس الفترة  . وعلى امتداد القرون المتتالية ،  توالت هجرات المسلمين إلى تلك المنطقة من جزر الهند الشرقية والملايو. ولا يمكن فصل تاريخ الإسلام في جنوب الصين عن تاريخه في هونغ كونغ، فقد كانت هونج كونج ملجأً للمسلمين الصينيين خلال الأحداث التي جرت داخل الصين، وهاجر إليها كثير من المسلمين إبان الانتفاضة الشيوعية في الصين  عام 1946م  ولم تغلق الحدود بينها وبين الصين الشعبية حتي عام  1950م ، وغني عن البيان فقد كانت الصين صاحبة نفوذ تاريخي وثقافي ممتد في المنطقة بصفتها أكبر وأقوى الإمبراطوريات التي عرفها شرق آسيا.

وفي منتصف القرن 19م تجدد  وصول الإسلام إلي تلك المنطقة -بعد أن كاد أن يتوارى- مع وصول شركة الهند الشرقية البريطانية التي جلبت المجموعة الأولى من المسلمين إلى هونغ كونغ.

 ومع اندلاع حرب الأفيون الإولي عام 1839 م ،بين الصين وبريطانيا بسبب محاولة الصين الحد من زراعة الأفيون واستيراده، فتصدت لها بريطانيا  بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها بريطانيا من تجارة الأفيون في الصين، وكان من نتائج هذه الحرب أن أصبحت هونغ كونغ مستعمرة بريطانية.

اقول انه مع اندلاع تلك الحرب هاجرت موجات من مسلمي مقاطعة قوانغدونغ (جنوب الصين) إلى هونج كونج، وفي تلك الأثناء أخذ المجتمع الإسلامي في التنامي والتطور ، ففي أقدم إحصائية عام 1871 م كان عدد المسلمين في هونغ كونغ 151 مسلماً ، بينما  في إحصاء عام 1911م ارتفع تعداد المسلمين فيها إلى  1779 مسلماً (، وبعد الحرب العالمية الثانية ( 1/9/ 1939 م – 2/9/1945م ) جلب البريطانيون عمالًا من الهند وإندونيسيا، وكان بينهم مسلمون، ومع نهاية القرن العشرين شهد عدد  المسلمين تزايدا بسبب استمرار هجرتهم إليها.

أما عن تحديد نسبتهم بين السكان اليوم، فيتكررفي غالبية المصادر أن نسبتهم تتراوح بين  4.1٪ أو 4.2% من اجمالي السكان (حوالي 300.000 مسلم) من بينهم 30,000 مسلم صيني ، بينهم  50 ألف مسلم صيني، و150 ألف إندونيسي، و30 ألف باكستاني، وغيرهم من جنسيات أخرى، مع ملاحظة أن الغالبية العظمى منهم من أهل السنة والجماعة .

وفي  مقابل هذا العدد للمسلمين هناك 54.7% للملحدين واللادينيين، و14.9% للنصارى، و13.3% للبوذيين، و13% للديانات الشعبية والقديمة ( وفق مركز بيو للإحصاء )، وبالمجمل فإن أكثر من نصف سكان هونغ كونغ لا يقرون بانتمائهم إلى أي دين، إذ يعتنقون ما تسمى " مذاهب الإلحاد واللاأدرية".

مساجد ومؤسسات إسلامية

يوجد في هونج كونج  خمسة مساجد : أكبرها مسجد "كاولون " الموجود في منطقة كاولون وهي منطقة حضرية مكتظة بالسكان ، ويوجد فيه مقرالمركز الإسلامي، و يتسع لـ 3500 شخص، وهو واحد من المعالم الإسلامية البارزة ويتميز بمآذنه الأربعة الشامخة على ارتفاع 11 متراً، ما يجعله تحفة فنية ، كما يتميز هيكل المسجد بالرخام الأبيض على الأرضيات والواجهة، ويضم هذا الموقع الثقافي البارز المفتوح للجميع ثلاث قاعات للصلاة ومدرسة وقاعة اجتماعية تستخدم من قبل المنظمات الإسلامية لإقامة الفعاليات في المناسبات الخاصة.

وقد أنشأه قديماً الجنود المسلمون الذين كانوا متمركزين في هذه المنطقة، والتي تعرف حالياً باسم حديقة كاولون. ويعمل مفتي هونج كونج  الشيخ محمد أرشد إماماً وخطيباً لهذا المسجد .

أما أقدم المساجد وأعرقها في هونج كونج فهو مسجد "جاميا " الذي تم  بناؤه  في أربعينيات القرن التاسع عشر، ثم أعيد بناؤه عام 1915.

ومازال المسلمون في هونج كونج في حاجة إلى مزيد من المساجد ، إذ يضطر كثير منهم للصلاة في أماكن مؤقتة بسبب قلة أعداد المساجد .

صعوبات الاندماج الاجتماعي

لا يعد الحصول علي الطعام الحلال مشكلة للمسلمين  بفضل وجود أكثر من 70 مطعماً حاصلاً على شهادة الحلال،. ومن بينهم  مطعم" إسلام "الذي تم انشاؤه  في خمسينيات القرن الماضي وحصل على العديد من الجوائز المحلية في مجال الطعام.، ذلك بالإضافة إلى مجموعة كبيرة ومتنوعة من أطباق الحلوى المميزة.

 لكن المسلمين  يواجهون  مشكلتين رئيستين هما :عقبات في التعليم وصعوبات في الاندماج الاجتماعي، حيث لا يزال لدى العديد من الطلاب المسلمين غير الصينيين خيارات محدودة من المدارس، وكذلك من المهن ، كما تشير الصعوبات في الاندماج الاجتماعي إلى أن عامة الناس في هونغ كونغ ليس لديهم الكثير من الوعي بالإسلام، لكن مع زيادة التغطيات الإعلامية في التعريف بالإسلام وأحوال المسلمين ،  تغيرت النظرة العامة الإيجابية للمسلمين في هونغ كونغ، مما أدى إلى ارتفاع نسبة دمجهم في المجتمع، وقد تم إدخال تحسين في صالح المسلمين على بعض المناهج ،وعلي سبيل المثال ما  ورد في أحدث مناهج التاريخ المنقحة للمرحلة الثانوية أنه "من أجل توسيع وجهات نظر الطلاب العالمية وتعزيز فهمهم للثقافات الرئيسة الأخرى في العالم، تمت إضافة موضوعات جديدة عن الحضارات والتطور التاريخي للمناطق الأخرى، بما في ذلك الحضارة الإسلامية"، وهو ما يشيرإلى وجود جهود لتسهيل الاندماج الاجتماعي للمسلمين، وأن المسلمين في هونج كونج سيصبحون أكثر وضوحاً في مجتمعهم ان شاء الله .

عن الكاتب

شعبان عبد الرحمن

كاتب مصري – مدير تحرير مجلة المجتمع وجريدة الشعب - سابقاً


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس