
ترك برس
أكد حسن خريشة، النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، أن غياب السلطة الفلسطينية عن المشهد في ظل حرب الإبادة على غزة والتصعيد في الضفة الغربية يمنح إسرائيل فرصة لتسريع مشروع الضم وتكثيف الاستيطان.
وحذر خريشة من أن استمرار هذا الغياب في ظل ما يجري من استيطان وتهويد وفصل المدن ومحو معالم القدس سيضاعف من خسائر القضية الفلسطينية ويعزز مشروع الضم الإسرائيلي.
وجاءت هذه التصريحات في مقابلة مع الجزيرة نت على هامش فعاليات ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الذي تعقد أعماله خلال 14 و15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في مدينة إسطنبول، وينظمه المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج تحت عنوان "وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة الإبادة والتهجير والضم".
ودعا خريشة إلى انتخابات حقيقية يشارك فيها الفلسطينيون في الداخل والشتات دون قيود أو شروط سياسية، معتبرا أن الشعب وحده يجب أن يقرر شكل قيادته الوطنية المقبلة. واستحضر تجربته الشخصية في تطبيق القانون الأساسي بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، مؤكدا أن أي ملء للشواغر القيادية يجب أن يتم حصرا عبر صناديق الاقتراع، وأن السلطة الفلسطينية لن تكون لها أي شرعية ما لم تأتِ عبر إرادة شعبية حرة.
أما عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، فقد وصفها النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني بأنها "مشروع استعماري جديد" هدفه الأساسي إنقاذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من عزلته، وفصل غزة عن الضفة، وتهويد القدس، واجتثاث الشعب الفلسطيني، مؤكدا أن الضغوط الشعبية العالمية هي التي أجبرت واشنطن على وضع هذه الخطة، لكن مضمونها يخدم أجندة الاحتلال أكثر مما يخدم السلام
غياب السلطة الفلسطينية
وانتقد خريشة بشدة موقف السلطة الفلسطينية منذ اندلاع الحرب على غزة، مشيرا إلى أنها أعلنت في يومها الأول أن الحرب "بين المقاومة والإسرائيليين ولا علاقة لها بها"، وهو ما يصفه بأنه نهج انعزالي أفقد السلطة دورها المفترض. وأضاف "تبدو السلطة وكأنها غائبة أو مغيبة، منخرطة في مشاريع تعتقد أنها تحقق فائدة، بينما في الحقيقة لا فائدة منها على الإطلاق.
واستعرض خريشة صورة الوضع الميداني في الضفة الغربية، حيث وصف ما يجري بأنه "حرب إبادة صامتة" لا تحظى بالتركيز الإعلامي، قائلا إن مدن الضفة مفصولة عن بعضها البعض، وشمالها تحت الاحتلال المباشر، والاستيطان يتزايد بوتيرة عالية، والقدس تُعزل تدريجيا عن باقي المناطق.
وأشار النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني إلى أن هذه السياسات الإسرائيلية تُنفذ بصمت، في حين يعلن الأميركيون والعرب رفضهم للضم في العلن لكنهم يتغاضون عن تسارعه على الأرض.
كما حذر من أن بعض الأطراف الفلسطينية تحاول الاستثمار في صمود الشعب وإنجازاته رغم أنها لم تقدم دماء أو تضحيات، معتبرا أن "أصعب ما يمكن هو أن تستثمر في دماء الآخرين إذا لم تكن أنت من قدم الدم"، وأن هؤلاء يعيشون حالة حرج سياسي وعزلة، ويحاولون استعادة دور فقدوه منذ "السابع من أكتوبر".
الانتخابات الفلسطينية.. صوت الشعب هو الفيصل
وفيما يتعلق بآلية الانتخابات وأهميتها، يرى خريشة أن المدخل الوحيد لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني هو العودة إلى الشعب عبر انتخابات حقيقية، بعيدا عن أي شروط أو "فيتو" على مشاركة أي طرف، محذرا من دعوات داخلية تقول إنه لن يشارك إلا في الانتخابات إلا من كان على "مقاس أوسلو"، وهو ما يراه وصفة لإقصاء مكونات أساسية وإعادة إنتاج الانقسام.
وشدد النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني على ضرورة أن تشمل الانتخابات اختيار مجلس وطني جديد وقيادة سياسية مؤتمنة، إلى جانب انتخابات مجلس تشريعي، مؤكداً أن القانون الأساسي الفلسطيني يوفر إطارا واضحا لذلك ولا حاجة لوضع دستور جديد بمساعدة خبراء أجانب.
وانتقد خريشة تجاوزات السلطة للقانون الأساسي، مستشهدا بحالة تعيين نائب للرئيس أو من يشغل المنصب بعد شغوره، حيث تم تمديد المدة المؤقتة للرئيس من 60 إلى 90 يوما خلافا للنص القانوني.
واستحضر خريشة كذلك تجربته الشخصية حين تولى رئاسة المجلس التشريعي بعد وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وتم نقل السلطة بطريقة ديمقراطية ووفق القانون، "مما أثار إعجاب الأصدقاء قبل الأعداء"، مؤكدا أنه "لن يحكم الشعب الفلسطيني إلا رئيس منتخب مهما كانت الظروف".
أما عن تشكيل الحكومات الفلسطينية، فقد وصف التجارب السابقة مع وزراء يحملون جنسيات غربية أو أميركية بأنها فاشلة، لأن ولاءهم غالبا يكون للخارج، ودعا إلى أن تكون الحكومة مكونة من برلمانيين منتخبين من قواعدهم الشعبية، كما ينص القانون.
ولم يفت القيادي الفلسطيني أن يشير إلى تجربة حكومة إسماعيل هنية التي فازت في انتخابات عام 2006، لكنها واجهت عزلا سياسيا دوليا، مما أدى إلى حالة استعصاء حيث "من فاز لم يحكم ومن خسر لم يسلم".
خطة ترامب.. إنقاذ نتنياهو وفصل غزة عن الضفة
وعن مشاركته في ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثالث، ربط خريشة بين توقيت المؤتمر وإعلان خطة ترامب ووقف إطلاق النار في غزة، مؤكدا أن الضغوط الشعبية العالمية، وخاصة في المجتمعات الغربية، أسهمت في عزل الاحتلال ومعه الولايات المتحدة، وهو ما اضطر واشنطن للإعلان عن خطة لم تضع مصلحة الفلسطينيين في حساباتها.
ويرى خريشة أن الهدف الفعلي للخطة هو "اجتثاث الشعب الفلسطيني، وإنهاء قضيته، وفصل غزة عن الضفة، وتهويد القدس، وتسريع الاستيطان".
وقال إن ترامب استعان بأنظمة عربية وإسلامية لتنفيذ خطته، التي لم تُطبق حتى الآن، وإن كل ما نتج عنها هو استعادة بعض الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة، وهو إنجاز عجز عنه الاحتلال طوال الحرب. معربا عن خشيته من أن تُستخدم أي عقبات مستقبلية كذريعة لاتهام المقاومة وإعادة شن حرب جديدة، ضمن مسعى إسرائيلي أميركي لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى كيانات منفصلة بلا ترابط.
واستشهد على رأيه السابق بما يجري في الضفة الغربية من السيطرة على المخيمات وطرد سكانها بالقوة، وتدمير البنية التحتية، وتهويد القدس، مؤكدا أن كل ذلك يتم "بصمت وبعيدا عن الأضواء"، محذرا من أن من لا يدرك هذه الحقائق فهو "مغيب عن الواقع".
فلسطينيو الشتات.. دور عالمي لصناعة الرأي العام
وعند سؤاله عن المرحلة القادمة من عمر القضية الفلسطينية ودور فلسطينيي الخارج في ذلك، قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني إن الشعب الفلسطيني يتشكل من 3 مكونات رئيسية:
في الداخل المحتل عام 1948. في الأراضي المحتلة عام 1967. وفي الشتات.
وأكد أن دور الفلسطينيين في المهجر يجب أن يعزز في المرحلة المقبلة، لأنهم أثبتوا قدرتهم على صناعة رأي عام عالمي لصالح القضية، وحشد الدعم الإنساني لها، في وقت انكشف فيه انهيار منظومة القيم الغربية التي طالما تحدثت عن حقوق الإنسان، وأثبتوا زيف هذه الادعاءات.
وأوضح خريشة أن موجة التعاطف العالمية مع الفلسطينيين هي في حقيقتها تعاطف مع قيم إنسانية وثقافة مشتركة، وهو ما يعطي هذا المكون دورا محوريا في أي مشروع وطني مقبل، خاصة في ظل الحديث عن الانتخابات وضمان مشاركة الفلسطينيين في الشتات في صياغة قيادة موحدة.
وفي ختام حديثه للجزيرة نت، دعا خريشة الفلسطينيين في الداخل والخارج إلى توحيد الصفوف ودعم المقاومة، مشيرا إلى مبادرات عالمية من قبيل "كلنا غزة وكلنا فلسطين"، التي تمثل فرصة لتعزيز الصوت الفلسطيني دوليا عبر لجان إعلامية وثقافية وبرلمانية.
وأكد أن التضامن مع القضية الفلسطينية هو في جوهره تضامن مع القيم الإنسانية والأخلاقية التي يدّعي الغرب التمسك بها، لكن الأحداث الأخيرة في غزة كشفت انهيار هذه المنظومة على أرض الواقع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!









