جلال سلمي - خاص ترك برس
ألمحت وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندليزا رايس"، في مطلع عام 2006، إلى وجود عدة مشاريع أو مصطلحات جغرافية سياسية تعمل عليها مراكز الأبحاث الحكومية، موضحةً أن "الشرق الأوسط الجديد" أحد أهم تلك المشاريع.
طُرح مشروع الشرق الأوسط الجديد آنذاك، ولكنه ظل مُبهمًا وغير واضح التفاصيل والمعالم، إلا أن السمة العامة التي اكتسبها منه الباحثين الذين تناولوه إذ ذاك، هي "حمله بين طياته خطط التقسيم".
وقد أفاد الأستاذ الدكتور والمفكر العربي "عبد الوهاب المسيري" أن سياسة "فرق تُسد"، كما هو معلوم للجميع، ابتدعتها فرنسا المستعمرة، لتسهيل إدارتها للمستعمرات الخاضعة لحكمها، مشيرًا إلى أنه عقب انتهاء الاستعمار في نهاية الخمسينيات وبداية الستينات، ظن الكثير أن سياسة "فرق تُسد" أصبحت من الماضي وقد عفا عليها الزمن، ولكن أخطأ من ظن ذلك.
وفي مقاله "الشرق الأوسط الجديد في التصور الأمريكي الصهيوني" المنشور عبر الموقع الإلكتروني "للجزيرة"، أوضح المسيري أنه ومنذ بدايات منتصف القرن التاسع العشر، واستراتيجية التقسيم الغربية سارية وتعمل على التهام أكبر مساحة جغرافية ممكنة من بلدان الشرق الأوسط، مبينًا أن هذه الاستراتيجية تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات عرقية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه.
وأشار المفكر العربي إلى أن غرس إسرائيل في قلب هذه المنطقة يمثل أولى الخطوات العملية لتحقيق ذلك الهدف "الدنيء"، ويُؤكد المسيري أن السبب وراء محاولة الغرب القيام بتقسيم الشرق الأوسط، يكمن في اتسام الشرق الأوسط بقدر من الترابط الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وأي شكل من أشكال الوحدة بين أقطابه يعني أنه سيشكل ثقلًا استراتيجيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وبالتالي سيشكل عائقًا أمام خطط الاستعمار الغربي الطامعة في خيراته.
ووفقًا لما جاء في مقال المسيري، فإن الضابط الأمريكي المتقاعد "رالف بيترز"، نشر المخطط الأمريكي لتقسيم الشرق الأوسط، عبر مقاله المنشور بمجلة القوات المسلحة الأمريكية في عددها الصادر في حزيران/ يونيو 2006، مشيرًا إلى أن العديد من الأقليات نالها ظلم فادح، أثناء عملية تقسيم الشرق الأوسط بواسطة معاهدة سايكس بيكو، والآن هو الوقت المناسب لإرجاع الحقوق المسلوبة إلى هذه الأقليات.
وذكر بيترز أن شيعة العراق وأكراده، وأكراد تركيا، وأمازيغ المغرب وليبيا والجزائر، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبنديين يمكن لهم تأسيس دول مستقلة، موضحا ً أن العراق أولى الدول الذي يمكن أن تنقسم، حيث سيصبح هناك دولة كردية وشيعية وأخرى سنية، ويذكر بيترز دولة كردستان الحرة، ولكن دون تحديد الدول التي ستتجزأ من أجل تأسيسها.
وفي سياق متصل، نقل الخبير الاستراتيجي "سيفي شاهين"، عن أحد الضباط الذي عمل كممثل لتركيا في المجلس العسكري لحلف الشمال الأطلسي "الناتو"، قوله إنه كان هنالك اجتماع بين المستشارين العسكريين الممثلين للدول الأعضاء في الناتو، وبينما نحن في الاجتماع عرض ضابط أمريكي خريطة "الشرق الأوسط الكبير"، قائلا ً هذه هي الخريطة المثالية لمنطقة الشرق الأوسط.
وأضاف شاهين منوّهًا إلى أن الضابط التركي على الفور أبدى امتعاضه الشديد لعرض هذا المشروع التقسيمي، وغادر غرفة الاجتماع، ومشيرًا إلى أن مشروع تقسيم منطقة الشرق الأوسط مشمول بتركيا، ليس مشروع تمخض في التاريخ القريب، بل هو مشروع تعود أصوله إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأُشملت تركيا به في بداية التسعينات، حيث صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت"، في أواخر التسعينات، بأن تركيا أكبر من أن تبقى دولة خاصة بالأتراك فقط.
ودعا شاهين إلى استكشاف الخريطة المنوطة بالمشروع المذكور من خلال الشبكة العنكبوتية، مشيرًا إلى أنه سيتضح من خلال هذه الخريطة أن العراق قُسم إلى ثلاث دول، وسورية إلى دولتين، والسعودية إلى أربع أقسام، والإمارات العربية المتحدة إلى أقسام متعددة، وثلث أراضي الجمهورية التركية ممنوحة للأكراد.
وخلص شاهين إلى أن العلاقات الاستراتيجية الحيوية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية التركية على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، لم تغفر لها أمام المقصلة التقسيمية الأمريكية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، مؤكدًا أنه إذا كانت القيادة التركية على علم بذلك، وتظن أنها ستبقى على علاقات حيوية مع الولايات المُتحدة الأمريكية، للاستفادة من التحرك المشترك بينهما تجاه سورية وغيرها، فهي لا تعي معنى السياسة "البراغماتية" البحتة للولايات المتحدة الأمريكية، يجب على تركيا إخماد آمالها المنوطة بأمريكا والنظر إلى التحرك المشترك مع الدول المتضررة لصد هذه الهجمة الشرسة، قبل فوات الأوان!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس