أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس
عاش الاتحاد السوفييتي البائد بأجهزته كافة حوالي 60 سنة من الكذب والتضليل على سائر المستويات والصعد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا وأمنيا، إلى أن تحول إلى كتلة بالونية كرتونية تمزّقت وانهارت خلال صدمة اقتصادية صغيرة من قبل قوى الغرب التي نجحت بالمقابل في كل شيء، وفرضت سيطرتها على العالم، ومن المفيد ذكر أن جهاز (كي جي بي) المخابراتي لعب أكبر دور في انهيار ذلك البلد، حيث كان يضخ على مدار الساعة أكاذيب وتلفيقات توهم الشعب السوفييتي بالقوة والنصر على العالم، بينما كان السوس ينخر في جسد الدولة المتهالكة حتى وصل الوباء إلى رأس هرم السلطات واندثر ما كان يسمى الاتحاد السوفييتي.
ورثت روسيا الوليدة ذلك الاتحاد بأجهزته وعقلية حكامة المدمرة لكل شيء وأساليبه في التخطيط والعمل والسلوك، وفرضت على شعبها طريقة عمل السوفييت نفسها (اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وبالتأكيد عسكريا وأمنيا)، وأضحت أجهزة أمن الاتحادي الروسي نسخة طبق الأصل من جهاز (كي جي بي) المنحل، وما زاد الطين بلة نشر الوباء ذاته على روسيا الوليدة من رحم السوفييتية أي صناعة حكام روسيا الجدد من جهاز الأمن الفاسد والفاشل كما كان يفعل السوفييت مع تغطية أيديولوجية انتقلت من الحزب الشيوعي إلى حزب بوتين الشوفيني، وحلت الكارثة مرة أخرى: حكام لا يعرفون سوى صناعة الأكاذيب في حكمهم ونشرها عبر وسائل الاعلام التي لم يدركوا بعد أنها اصبحت بمتناول كل فرد باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بينما كانت محصورة في جهتين في عهد السوفييت (الحزب الشيوعي، وجهاز كي جي بي).
نتيجة للأفعال العشوائية وفق عقلية حكام أجهزة المخابرات انهار اقتصاد روسيا وتفكّكت بنى المجتمعات المكونة لروسيا، وتراجعت في كل شيء حتى أصبحت مؤشرات اقتصادها وتنميتها الاجتماعية مثل أي دولة مبتدئة في التنمية عالميا في حين كانت في الترتيب الثاني بعد الحرب العالمية الثانية.
وهكذا، أفرزت أجهزة الأمن الاتحادي الروسي بوريس يلستين كرئيس مخمور على الدوام تمهيدا لتسليم السلطة إلى فلاديمير بوتين الذي هو بالأساس عنصر مخابرات، وتدرب على العمل المخابراتي في ظل (كي جي بي)، ثم في إطار جهاز الأمن الاتحادي الروسي، وبرعاية الصهيونية العالمية التي تحكّمت في كافة مفاصل روسيا الاقتصادية والسياسية منذ بداية سلطة يلستين، كي تلعب روسيا بوتين لاحقا دورا مدمرا لتكوينها الداخلي من جهة وأدوارا مخربة وإجرامية في محيطها من جهة أخرى بانتظار ساعة تفكيك روسيا كما حصل مع الاتحاد السوفييتي الزائل.
أنتجت مصانع الكذب المخابراتية الروسية أحدث اختراعاتها في قضية إنتاج نفط (داعش) وبيعه واستثماره، وينبغي التذكير بأن من صنع داعش هو مكتب التنسيق المشترك بين قوى الجريمة والإرهاب العالمي في حلف الحروب المقدسة (روسيا، وإيران، وشيعة العراق، وسلطة آل الأسد، وإسرائيل بتغطية أمريكية) كي تكون القوى المضادة للثورة السورية، والتشهير بها لتحويلها إلى ثورة تطرف إسلامي، كما أعلن بكل جلاء حكام ذلك الحلف في تصريحاتهم ومواقفهم العملية بإرسال جيوشهم وميليشياتهم لمحاربة ثوار سوريا في حين لم تمس أية مواقع لداعش باستثناء بعض حالات قصف المدنيين في أماكن تواجدها.
وبالعودة إلى (نفط داعش)، أبين أن كافة آبار النفط السورية في مواقع داعش كانت تديرها شركة (غاز بروم الروسية)، بتنفيذ فني من مهندسين سوريين وتقنيين في مواقع قيادية من أبناء الطائفة العلوية حصرا من خريجي كلية هندسة البتروكيمياء في حمص ومعاهد النفط في المحافظات الشرقية حيث كان يمنع قبول أي طلبة من غير أبناء تلك الطائفة لحصر استثمار النفط من قبلهم وبتعليمات حصرية من أجهزة المخابرات الروسية والأسدية، وهذه الحقيقة يعرفها كل من درس في تلك الإدارات التعليمية، ثم إن سلطة آل الأسد سهّلت تسليم تلك الآبار لداعش بدلا من الجيش الحر عبر انسحاباتها العسكرية التكتيكية وتأمين الغطاء الجوي لداعش حال احتلالها تلك الآبار، وما يزال خبراء روسيا والسوريون التابعون لأجهزة الأمن الروسية والأسدية يديرون كل العملية الإنتاجية والاستثمارية والتسويقية لنفط داعش بدءا من أعمال سحب النفط إلى تجميعه إلى نقله إلى بيعه وتوزيع عائداته بتغطية جوية من الأقمار الصناعية الروسية من جهة وحماية برية من ميليشيات سلطة الأسد من جهة أخرى، ونبين أن تسويق وبيع وتوزيع حصص المردود يتم بمكتب مشترك مؤلف من: (روسي يمثله جورج حسواني، سلطة الأسد يمثلها مندوب رامي مخلوف في وزارة النفط، وممثل عن داعش).
لذلك، إن ما اخترعته سلطات مخابرات روسيا بوتين لا تقل غباء وتضليلا عما كانت تنتجه مخابرات (كي جي بي) السوفييتية التي ساهمت بتحطيم الاتحاد السوفييتي عبر تكرار الكذب المتواصل في كافة تقاريرها لخلق رأي عام مغفل عن الحقائق.
إنه بوتين روسيا وريث جهاز (كي جي بي)وصناعة الأكاذيب المخابراتية، الذي لم يتعظ من انهيار بلده السوفييتي، وما يزال يمعن في أسلوبه الغبي التجهيلي في روسيا الاتحادية، إنه يستمر على خطى الاتحاد السوفياتي، فهل نشهد انهيار روسيا الكرتونية قريبا؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس