أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس
قد يستغرب أي مثقف قرأ تاريخ روسيا ونتاج فلاسفتها وأدبائها وعلمائها لا سيما في علوم النفس والاجتماع والرياضيات كيف انتقلت تلك الأمة العظيمة إلى الحضيض الاقتصادي والمجتمعي والعلمي بل والثقافي بشكل عام. ويعرف كل مفكّر متنوّر أن الأمم تتراجع مكانتها وتنهار بسهولة عندما يتولى أمور قيادتها حاكم مهووس بالسلطة وعقله مغلق لا يرى سوى لغة السلاح للتعاطي مع العالم الخارجي. ولنا أمثلة كثيرة في التاريخ المعاصر بدءا من هتلر الذي دمر بلده وأوروبا كلها إلى حكام كوريا الشمالية وحافظ الأسد ووريثه بشار والقذافي وغيرهم الذين اختزلوا الأمة والوطن بفرد واحد وجعلوه القائد الأوحد الذي يعبد ويمجد ويعظم حتى صدق نفسه وشرع بالمغامرات العسكرية الخارجية والقمع والقتل الداخلي لخصومه الأمر الذي خرب تلك البلدان وهدم كيانها وأفسد مجتمعاتها وبالنهاية تفككت الدولة وانهارت. وسلك هؤلاء الحكام - الذين حولوا أممهم إلى سلطة فرد أوحد - المسلك نفسه لتطويع شعوب بلدانهم وتغييبها عن حقوقها وبالتالي فرضوا عليها حياة الفقر والجهل والعبودية لذلك الحاكم الأوحد مستخدمين مرتزقة ومنتفعي (رجال الدين المشعوذين، والاعلام المأجور، والأحزاب السياسية الانتهازية) كأدوات حشد وتجييش قطيعي لأبناء شعوبهم.
وكي يحقق الحاكم الأوحد في أية دولة أهدافه الشخصية نحو حكم مطلق يحوّل كل مؤسسات الدولة إلى تجمّعات من الإدارات تتحكم فيها أجهزة المخابرات والأحزاب التخريبية، وحينها يتم إقصاء كل أصحاب الكفاءات ويتم استبدالهم بأشخاص هاجسهم الأول إرضاء السادة الآمرين في أجهزة الأمن والسياسة لتنفيذ مخططات التخريب وبعدها تفقد المؤسسات وجودها وقيمتها وتتحول إلى مراكز انتفاع ونهب وفساد، وبالتالي تصب كلها في مصلحة تعزيز سلطة الحاكم الأوحد وسيطرته المطلقة على كل البنى التنظيمية في بلده.
أما رجال الدين فيؤدون أدوارا أكثر سوءا عبر توجيه الرأي العام المجتمعي خارج المؤسسات والإدارات إلى طاعة عمياء ثم عبادة الحاكم الأوحد وتعظيمه لأنه ولي الأمر والنعمة بل حتى وجود الشعب والأمة بتاريخها وجغرافيتها. وحينها يخلد ذلك الحاكم الأوحد قرير العين بعد أن فرض وجوده على الجميع وهيأ حكما له ولأبنائه وورثته من بعده.
نعرف حقيقة ومآلات ذلك في الجمهوريات العربية الوراثية التي أزالتها ثورات الشعوب العربية، ونعرفها مع جمهوريات حكم الانقلابات العسكرية والأمنية في الدول المتخلفة في افريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية. لكن أن يحصل ذلك في أمة عظيمة في تاريخها مثل روسيا فهذا أمر يدعو إلى التحليل المعمّق.
ويتفاجأ كل من قرأ: تولستوي، ودوستويفسكي، وتشيخوف، وبوشكين، وغوركي، وبردييف، ونيقولاي ألكسندروفيتش، وبليخانوف ـ جوجي فالنتينوفيتش، وتشومسكي، وزاخاروف، وغيرهم...) من أن يصل شخص مثل فلاديمير بوتين إلى قمة حكم تلك الأمة عبر أجهزة مخابرات (ك ج ب السوفييتية ووريثتها الروسية بالتعاون مع الصهيونية العالمية)، ويتمكن من تطويع أبناء روسيا العظيمة عبر مرتزقته من رجال الدين والسياسة الروسية وأفراد مافيات المال والنهب في إدارات حكمه ويصبح الجميع اتباعا له كالقطيع يردّدون ما يقوله وينفذون أوامره المدمرة لبلدهم وأمتهم.
كم هو حزين لمن يقرأ تاريخ تلك الأمة ورجالاتها العظام أن يشاهد مجلس البرلمان الروسي ينادي بالإجماع بقتل الشعب السوري الثائر ضد سلطة اجرامية فاسدة، وكم هو غريب أن يشاهد أي عاقل هؤلاء أنفسهم يطالبون كما طالب أعضاء مجلس شعب سلطة آل الأسد باستخدام السلاح النووي ضد من يعادي سلطة بوتين الروسية المتهورة المأزومة التي تقودهم نحو الفناء.
إن ما أعلنه بوتين بأنه سيستخدم رؤوس نووية في حربه على الشعب السوري (تحت ستار محاربة داعش) وما أعلنه قبل ذلك مسؤولي البرلمان الروسي ونائب وزير دفاع بوتين بأن روسيا قد تستخدم السلاح النووي ضد تركيا ردا على اسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت الاجواء التركية هو تعبير واضح الدلالة عن بنى تلك الدولة البوتينية في روسيا القائمة على القتل وعالم الجريمة والتدمير، ولا استغرب أن بوتين كحاكم لروسيا تحول إلى إله لدى قطيع روسيا يعبده الشعب الروسي سيستخدم الأسلحة النووية ضد تركيا والشعب السوري الثائر، فقط ليظهر أمام قطيعه بأنه قائد يستخدم أي سلاح لقتل خصومه.
لذلك، أصبح ضروريا أن يتّحد العالم المتحضر عامة والدول الاسلامية القوية وبشكل خاص (تركيا، والسعودية، والباكستان، والشعوب الثائرة العربية في سوريا والعراق) لإظهار القوة الرادعة لذلك الحاكم المتهور لأن القوة المضادة الرادعة هي السبيل الوحيد لتركيع هكذا نمط من الحكام كبوتين، إضافة الى وجوب بذل كل الجهود من قبل كل أصحاب الكفاءات لتحقيق التنمية الكبرى في تلك الدول التي ستواجه حماقات حكم بوتين، الذي حول أمة روسيا العظيمة إلى حكم فرد واحد مع مرتزقة ومنتفعين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس