أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس
عندما بدأت التجربة الماليزية في بدايات عقد 1970 أوفدت الدولة للدراسة والتدريب في الدول المتقدمة حوالي 45000 شخص، عادوا جميعا خلال 5 سنوات، وبدأ استثمارهم بإتقان، وتحققت المعجزة الماليزية في التنمية الشاملة. تكرّرت التجربة في تركيا مع حكومات حزب العدالة والتنمية في العقد الأول من 2000، مع انطلاقة التوسع في التعليم الجامعي وما دون الجامعي وتضاعف عدد الجامعات عدة مرات إلى 109 جامعات، وكذلك في التدريب والتأهيل المهني والمستمر إذ تم تفعيل واستثمار مؤسسات ومراكز التدريب والتطوير مثل: "الوكالة التركية للعمل - إيشكور" (İŞKUR) التي تضم عددا هائلا من الكوادر البشرية،6745 شخصا، منهم 509 في الإدارة المركزية، و6236 شخصا في الولايات التركية.
عرضت وكالة إيشكور في تقريرها بالانكليزية معلومات هامة توضّح مؤشرات واقع سوق العمل التركي عام 2013 كما يلي: عدد السكان 74,457 مليون نسمة، منهم 28,271 مليون قوة عاملة بنسبة 50,8%، ولا يعمل 2,747 مليون، وعدد الداخلين لسوق العمل سنويا 850,000 شخص.
كما نشرت سياسات إدارة سوق العمل التركي، والبرامج التدريبية التي تم ويتم تنفيذها سنويا للموارد البشرية التركية في ميادين: التدريب المهني، والعمل الحكومي، والتدريب في مواقع العمل، والتدريب على ريادة الأعمال، وذكرت الوكالة أن بدء نشاطاتها التدريبية كان عام 1988 للموظفين في الدولة، لكن شمولها لغير موظفي الدولة والباحثين عن عمل انطلق عام 2008. وبيّن تقرير الوكالة أنه في عام 2007 كان هناك 765 برنامجا تدريبيا و15363 متدربا على مستوى تركيا وازداد العدد عام 2012 إلى 21268 برنامجا وعدد المتدربين إلى 377081 متدربا، وتم في عام 2012 تخصص مبلغ 1556,8 مليون ليرة تركية للتدريب ما يعادل (538 مليون يورو) من ميزانية الدولة التي بلغت حوالي 190 مليار دولار، وتم إنفاق 774,3 مليون ليرة تركية بنسبة 49,7 % فقط من مخصصات ذلك التدريب.
وذكرت الوكالة توزيع البرامج المهنية إلى 2006 برنامج نظري وعدد المتدربين 34604 منهم إناث 12539 وذكور 22065 ، و2926 برنامج تدريب في موقع العمل عدد متدربيها 11422 متدربا منهم 3526 أنثى و7896 ذكرا، وتضمنت برامج التدريب في القطاع العام محتويات تدريبية تركز على حماية البيئة ونظافتها وتحسين حالة المياه والتربة والبنية التحتية وحماية الميراث الثقافي والتاريخي لتركيا، بينما ركزت البرامج في قطاع ريادة الأعمال على اختبارات الأفكار والابتكار وخطط العمل والإدارة والتسويق والمالية، وتضمنت نماذج دعم التدريب التوظيف والتشغيل والرقابة وتقييم الأداء والتجارة الإلكترونية والاستيراد والتصدير. بوضوح، يعكس ما ذكر أعلاه الواقع الكمي لاستثمار الموارد البشرية التركية، يلاحظ المتتبعون والخبراء أن الاستثمار كان كبيرا على الصعيد الكمي.
أما على الصعيد النوعي/ الكيفي، فقد أظهرت الوكالة أن نسبة 60 % من قوة العمل التركية تأهيلها دون الثانوية، وأن المشاركة في قوة العمل بين النساء 30,8%، وأن غير المسجلين في الوكالة كعاطلين عن العمل نسبتهم 36,7%، وأن هناك مركز عمل شاغر واحد من كل 3 مواقع عمل، وأن 75% من أرباب العمل يحتاجون إلى أشخاص مؤهلين في شركاتهم ومؤسساتهم وإداراتهم، وأن 60% من أرباب العمل يعانون من صعوبات في توظيف الموارد البشرية التي يحتاجونها نظرا لتدني مستويات التأهيل لدى المتقدمين لسوق العمل، وأن أرباب العمل يلحظون فقدان التأهيل المهني والمهارات الحقيقية لدى عناصرهم البشرية والمتقدمين الجدد للعمل، وأن المشكلة ليست في الحصول على عمل بل في نقص التأهيل للعمل في تركيا.
كمختص في إدارة الموارد البشرية والتطوير المؤسسي، لفتت انتباهي الفجوة بين الإنجازات الكمية الكبيرة جدا وحالة الضعف في النوعية أو الجودة فيما يخص استثمار الموارد البشرية، وينسب ذلك إلى إشكالية فاعلية التخصص العلمي الدقيق والمنهجي في موضوعي (إدارة التدريب وتدريب المدربين) التي تتطلب تقنيات عالية جدا كي تنجح خطط استثمار الموارد البشرية كما ونوعا معا، علما أن كافة الدول التي نجحت بتميّز في حقل استثمار الموارد البشرية كان تركيزها من البدايات على هذين الموضوعين لأنهما محركات العملية التدريبية واستثمار الموارد البشرية بشكل فعال، يضاف إلى ذلك شبه غياب موضوع التدريب في القيادة الادارية ومهاراتها المتميزة كونها هي التي تقود كل شيء بدءا من (وضع الاستراتيجيات حتى التقييم والتحسين المستمر) إذ في حالة ضعف القيادة تبقى المنجزات في إطار النظري والكمي كما تبين من عدد البرامج النظرية الكبير، ولن تنتقل بنجاح إلى النوعي الذي يعزّز التنمية الشاملة وينقل الدولة الى مستويات التنافسية العالمية، دون إغفال نسبة الميزانية المخصصة للتدريب ونسبة انفاقها والتي تقل كثيرا عن المعايير الدولية.
لقد قام حزب العدالة والتنمية بمراجعة صحيحة لما أنجزه ومعيقات تنفيذ خططه، وإنها دعوة كي يحظى قطاع الاستثمار في الموارد البشرية على المستوى النوعي بالأهمية الكبرى علميا ومنهجيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس