أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس
يزداد عدد مشافي الأمراض العقلية وكذلك مرضاها مع ازدياد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في أي بلد، إذ نجد ندرتها في الدول المتقدمة والمتحضرة بينما تنتشر في كل مدينة في الدول المتخلفة والبلدان التي تحكمها سلطات طغيان وإجرام وفساد حيث تعمد سلطات تلك الدول التي تحوي مشافي أمراض عقلية كثيرة إلى افتعال حوادث الحرائق والقتل داخلها لأن تبرير حدوثها سهل كون من يسكنها يعانون من مشكلات في عقولهم ومحاكماتهم وقراراتهم وسلوكياتهم.
ولعل حادثة إحراق مشفى الأمراض العقلية في روسيا قرب موسكو يقدم رسائل عديدة للشعب الروسي وللأمم الأخرى على السواء: أولا أن من يدير تلك الإدارات ربما فقد عقله كما هم مرضاها، وثانيا من السهل اختلاق قضية للرأي العام الروسي تلهيه عن مشكلاته الحياتية اليومية وتبعده عن الاهتمام بما يقوم به حكام روسيا برئاسة بوتين من نوبات جنون خارج بلدهم، وثالثا رسالة موجهة للدول الخارجية مفادها أن الجنون لدى حكام روسيا وصل إلى أقصى حدوده إذ عندما يحرقون مشافيهم وشعوبهم بأنفسهم فلا مانع لدى بوتين وحاشيته من حرق كل شيء خارج حدود روسيا كي يفرضوا بقائهم في الحكم والتسلط على العباد في بلدهم.
حقا إن نوبات الجنون الروسية في ظل حكم بوتين وصلت أقصاها في سوريا حين تقصف طائراته وصواريخه البالستية على مدار
الساعة بالقنابل العنقودية والفوسفورية (المساجد، والمدارس، والأسواق الشعبية، وأفران الخبز، والمشافي، وصوامع الحبوب، ومحطات الماء والكهرباء ، ومراكز الحياة اليومية للشعب السوري الثائر...) وأعداد الشهداء المدنيين تؤكد ذلك بالعشرات يوميا، دون أن تمس تلك الأسلحة الإجرامية موقعا واحدا للقوى المقاتلة على الأرض طيلة شهرين ونصف باستثناء قصفها حين قتالها داعش وسلطة آل الأسد وعصابات أوجلان، ولم تصب أي موقع لتنظيم داعش شريك تحالف الحروب المقدسة (روسيا/ إيران/ سلطة آل الأسد/ العراق الشيعي) والذي ما زال يتوسع يوميا بتغطية السلاح الروسي والأسدي.
لقد تعدت صرعات الجنون الروسية أماكن عيش الشعب السوري الثائر لتصل حاليا إلى تركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت أجواء تركيا بشكل متعمّد، وبدأت روسيا باستعراضات زعرنة عسكرية من خلال توجيه أسلحة بوارجها نحو الأماكن المدنية التركية حين مرورها في بحر مرمرة أو عبر اطلاق نيران سفنها العسكرية على سفينة صيد مدنية في بحر إيجه أو إرغام الأسطول العسكري الروسي سفينة تجارية روسية تغيير مسارها بالبحر الأسود ولا غرابة أن يأمر بوتين قريبا فرقة عسكرية روسية لاعتراض طالب تركي في طريقه لحرم جامعته في روسيا، وكل ذلك لتعزيز قرارات حكام روسيا الجنونية في بلدهم، وما التحريض الذي تمارسه روسيا بوتين وإيران فارس الشيعية لدى حكام العراق الشيعي على تركيا سوى إضرام المزيد من الحرائق الخارجية الروسية بذريعة وجود (150) مدرب عسكري تركي في شمال العراق بالاتفاق مع حكومته وحكومة كردستان العراق لمواجهة داعش، ويتم ذلك أيضا بدفع حكام العراق الشيعي للتغاضي عن دخول (400) ألف عنصر إيراني شيعي دون أي إجراءات رسمية لتوطينهم في العراق وسوريا ولبنان بهدف فرض ديمغرافيا جديدة في تلك الدول، إضافة إلى وجود (1000) عسكري روسي لحماية حكام المنطقة الخضراء في بغداد (بدواعي الحفاظ على السيادة الوطنية العراقية !!)، وبالطبع كل ذلك لتجسيد لحفلات إضافية من نوبات الجنون الروسية البوتينية.
ولتوضيح الأسباب الحقيقية لنوبات الجنون الروسية البوتينة ينبغي تحليل دور العامل الاقتصادي وتأثيره على قرارات الحكام الفاسدين وسلوكياتهم (وهذا حصل ويحصل من قبل كافة الحكام الطغاة عبر التاريخ)، إذ لم يقم بوتين خلال فترة 8 سنوات الأولى من حكمه بأية مغامرة عسكرية خارجية حين كان سعر برميل النفط يزيد عن 120 دولار حيث كان يحوّل غالبية عائدات نفط بلاده لحساباته الشخصية عبر مافياته في الحكم ويودعها في البنوك الخارجية وكان يشجع الاستثمارات الأجنبية في بلده للحصول على عمولات منها، لكن مع بدء انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 60 دولار بدأت مغامرات بوتين العسكرية الخارجية في أوكرانيا، ومع وصول سعر البرميل إلى 50 دولار بدأ مغامرته العسكرية الجنونية في سوريا، ومع انخفاض سعر البرميل إلى ما دون 40 دولارا بدأت قوات بوتين العسكرية تتحرش بتركيا، لأن مافيات بوتين في الحكم أدركت استحالة تحويل عائدات النفط إلى حساباتها إلا عبر اختلاق معارك خارجية تحوّل أنظار القطيع البشري الروسي نحو عدو خارجي والاكتفاء بعيش البؤساء كسائر الشعوب الفقيرة في دول العالم المتخلفة والمقهورة من الحكام الطغاة .
هنا، يجب إدراك أن كل ما يفعله بوتين من حرائق داخلية وخارجية هو تبعات الواقع الاقتصادي الذي تعيشه روسيا والتي أصبحت مع حكم بوتين بلدا يقتصر دخله القومي على بيع النفط والغاز وبعض خردة السلاح والقمح إذا كان المناخ ملائما. إنه تأثير الاقتصاد يا (...) كما قال ذات يوم الرئيس بيل كلينتون.
نعم، علينا تأكيد أن جنون سلطة بوتين وحرائقها المتتالية في داخل بلدها وخارجها ستزداد باطراد مع تدني إيرادات مبيعات النفط الروسي وفتح إمكانيات وصول الغاز العربي والمتوسطي للأسواق الأوربية بدلا من الروسي، وهو سيقود بلده روسيا نحو حفلات هستيرية من نوبات الجنون العسكرية ضد الدول المجاورة وضد شعوب البلدان السائرة على حكامها الطغاة والفاسدين.
ويبقى التساؤل هل ستتسع مشافي الأمراض العقلية الروسية التي بدأت بالإحراق المتعمّد من قبل حكامها أعداد المجانين المتزايدة في روسيا، أم ستتحول روسيا بوتين كلها إلى مشفى للأمراض العقلية؟؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس