عبد القادر سلفي - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
توصلت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا إلى اتفاق يتم بموجبه وقف إطلاق النار في سوريا، وقد أوضح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأنّ مسألة الالتزام بوقف إطلاق النار من عدمه ستتضح خلال أيام وذلك بعد دخوله حيّز التنفيذ اعتبارا من تاريخ 27 الشهر الحالي، مضيفا أنه في حال فشل وقف إطلاق النار سيتم اللجوء إلى الخطة "ب"، والخطة "ب" تعني تقسيم سوريا.
سوريا فعليا الآن انقسمت إلى ثلاث مناطق، في دمشق دولة النصيرية، وشمال سوريا يخضع لسيطرة الأكراد، وفي الوسط تسيطر داعش والمجموعات السنية، وتعمل الغارات الجوية الروسية على توسيع النطاق الذي يسيطر عليه نظام الأسد من خلال ربط دمشق بحلب.
وهذا المشروع ليس مشروعا جديدا، كما أنه ليس مشروعا أمريكيا، وإنما مشروع إسرائيلي وخطة إسرائيلية في الأساس، توافق عليها كلا من أمريكا وروسيا.
وقد تحدث "أوديد ينون" الدبلوماسي الإسرائيلي عن خطة لتقسيم سوريا إلى ثلاثة أقسام، وذلك خلال ما كتب في "مجلة الاتجاهات" عام 1982، ويؤكد على ضرورة أنْ يكون ذلك مرافقا لتقسيم العراق، وأنا هنا أريد التأكيد على أنني لست ممن يربط كل شيء بنظرية المؤامرة وبنظرية أنها خطط إسرائيلية وكفى، لكنني أيضا لست ساذجا لدرجة اعتقد من خلالها أنّ التطورات الأخيرة هي مجرد أحداث حصلت صدفة وتقود الأمور نحو تقسيم البلاد.
من المعلوم أنّ قرار وقف إطلاق النار الموقع بين أمريكا وروسيا، لا يشمل داعش والنصرة، وهذه هي أكثر نقاط ضعف هذا الاتفاق، وذلك لأنّ أمريكا وروسيا لم تقوما حتى الآن بضربات مؤثرة ضد داعش، وخصوصا إذا ما نظرنا إلى العمليات الروسية، سنجد أنّ 88% من الهجمات الروسية كانت موجهة نحو المعارضة السورية المعتدلة، والباقي استهدف داعش، ولذلك ما الضامن أنْ تستمر روسيا في قصفها للمعارضة السورية وللتركمان بذريعة أنها تقوم بقصف داعش وجبهة النصرة؟ لو أنّ تركيا كانت من الدول المركزية التي ستراقب وقف إطلاق النار لضمنا عدم حدوث ذلك.
والنقطة الأخرى التي يجب الانتباه إليها، هو نوع الذخيرة التي تقوم روسيا بحرقها في سوريا، فحسب التقارير الاستخباراتية، تقوم روسيا الآن بالتخلص من الأسلحة التي بقيت لديها من الاتحاد السوفييتي، ولا بد من الإشارة إلى أنّ الدول المصنعة للأسلحة مثل روسيا والصين وأمريكا، تجد صعوبة بالغة في التخلص من التالف منها، ولذلك هناك دلائل عديدة تشير إلى أنّ روسيا تستخدم أسلحة انتهت صلاحيتها، وكان عليها إتلافها، وهي تقوم بهذه المهمة من خلال استخدام هذه الذخيرة في سوريا، وتقوم بذلك على حساب المدنيين السوريين الأبرياء، وتسبب ذلك بشلال دماء من حلب إلى جبل التركمان.
العمليات والتطورات في سوريا تؤثر علينا بصورة مباشرة، ووصلنا إلى مرحلة نستشعر فيها بأنّ الهدف ليس الأسد ولا داعش، وإنما تركيا، ولا يمكن فصل التفجيرات التي تحصل كل 4 أشهر في تركيا، في السلطان أحمد وفي سوروج وفي أنقرة، لا يمكن عزلها وفصلها عن التطورات الحاصلة في سوريا.
يعملون على إشغال تركيا في التعامل مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وذلك من أجل نزع تأثير أنقرة عن طاولة سوريا، لكي يقوموا بما يحلوا لهم، وهذا هو السبب الذي جعل حزب العمال الكردستاني يخترق وقف إطلاق النار والإعلان عن البدء بحرب الشوارع، وهذه العمليات مستمرة إلى الآن بكل أسف، ومع أنه تم تطهير سيلوبي والجزيرة، إلا أنّ العمليات ما تزال مستمرة في صور، ويتحضرون أيضا إلى البدء بحرب شوارع في نصيبين وشيرناق، وبالتالي غادر معظم المدنيين من هذه المناطق، ومن تبقى بها هم فاقدو الأمل والمساكين، لكن المغادرين من هذه المناطق إلى أين يتوجهون؟ إلى الآن لم يتوجه منهم أحد إلى مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي، وإنما يتوجهون نحو المدن والمحافظات التركية الأخرى، ولذلك لم تكن نتائج البحث التي نشرها الدكتور محمد يانمش مفاجئة بالنسبة لنا.
تشير تلك النتائج إلى أنّ 76.6% من الأكراد يرون بأنّ حفر الخنادق هو أمر خاطئ، وعلينا أنْ لا ننسى بأنّ هذه المناطق صوتت لحزب الشعوب الديمقراطي بنسب تتراوح بين 80-90%، وهذا يعني أنّ الأكراد يرفعون الكرت الأحمر في وجه حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي، وعدم توقيع النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي عبد الباقي سومر على بيان مجلس النواب الرافض للتفجير الإرهابي، يشير بوضوح إلى أنّ الحزب قد دق مسمار نعشه الأخير.
كنت قبل مدة مع يالتشين أكدوغان نائب رئيس الوزراء في كيليس، وبعد أداء صلاة الجمعة، تحدث رئيس بلدية كيليس بأنّ "المحافظة تضم 90 ألف و400 مواطن تركي، كما تضم الآن 125 ألف و700 لاجئ سوري مسجلين، وهناك 15 إلى 20 ألف غير مسجلين في الكشوفات الرسمية".
فإذا كانت محافظة كيليس تضم الآن ضعف ونصف ضعف عدد سكانها الأصليين من اللاجئين السوريين، فكم من اللاجئين السوريين تستقبل الولايات المتحدة الأمريكية التي عدد سكانها 318 مليون نسمة؟ بالكتابة ثلاثمائة وبالأرقام 300 لاجئ فقط.
ولهذا نسألكم والجواب عندكم، ألا تستحق "كيليس" جائزة نوبل للسلام؟ لكن لأنّ امرأة يونانية قامت بإطعام لاجئ من خلال "رضاعة"، رشحوها لجائزة نوبل للسلام، ولذلك ربما علينا إرسال طن منها إلى "كيليس".
الإنسانية فشلت في اختبار اللاجئين السوريين، فآيسلندا التي دخلها القومي 36 ألف دولار، كشفت عن أنها استضافت 50 لاجئا سوريا، بينما العراق التي دخلها القومي 3 آلاف و500 دولار، استقبلت واحتضنت 249 ألف لاجئ سوري، والدنمارك التي دخلها القومي 36 ألف دولار، لم تستقبل أي لاجئ سوري، بينما تستقبل الأردن التي دخلها القومي 5 آلاف دولار ما يقارب 629 ألف لاجئ.
أما تركيا التي دخلها القومي 10 آلاف دولار، أنفقت خلال 5 سنوات مبلغ 9 مليار دولار، واستقبلت 2.5 مليون لاجئ سوري، بينما أعلن الفاتيكان عن أنه سيستقبل عائلتين سوريتين.
على الفاتيكان أنْ لا يتعب نفسه، "كيليس" ستحتضن هاتين العائلتين أيضا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس