أفق أولوطاش – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس
بات المشهد والسيناريو التركي القديم والذي عايشنه في السنوات القليلة الماضية حدثا مُسجلا وجاهزا للتكرار والإعادة، فكما قامت تنظيمات الإرهاب في تركيا باستخدام إبرة المنوم "وقف إطلاق النار" من أجل كسب الوقت وتهدئة الساحة ريثما يجهزون لهجماتهم الإرهابية، تقوم اليوم أطراف مشابهة لها في سوريا باستخدام هذه المصطلحات من أجل شرعنة إجرامهم وإيغالهم في دماء المدنيين العزل. ورغم أن كلمة "سلام" و"وقف إطلاق نار" ترمز في العادة لأمور إيجابية إلا أنها باتت اليوم تُشفّر إلى غير ذلك من المعاني بأيدي التنظيمات الإرهابية من أمثال حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وذراعة العسكري وحدات حماية الشعب الكردي وحزب الشعوب الديمقراطية ودول من أمثال إيران وروسيا والنظام البعثي السوري.
نرى اليوم وعلى شاشات التلفاز المختلفة كيف صبغوا أفعالهم الإجرامية بصبغة الشرعية وهم يستخدمون مثل هذه المصطلحات ذات النغمة الناعمة والرخمة اللطيفة، حتى باتوا لا يصدقون ما يرونه من جرائم حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، ثم ينكرون حصوله ويتبرؤون مما يرونه بجهل أو عناد، ومع هذا كله تستمر الهدنة الساذجة التي جاءت بعد خمس سنوات سبحت فيها المنطقة بالدماء وكان الروس والأمريكان هم صاحبي الأيدي الأكثر تلطخا بهذه الدماء، لتاتي المفارقة العجيبة بأن يتحالف المتناقضان والغريمان الروس والأمريكان حتى يخرجوا بمثل هذه المصالحة، ومع كل هذا تواردت الأسئلة وتهطلت كالمطر الغزير ليكون سؤال التشكيك والاستنكار "لماذا وقف إطلاق نار بعد خمس سنوات؟" هو الأكثر تواردا.
بعد كل هذه الحقائق يجب ان نعلم جيدا السبب وراء فشل اتفاق وقف إطلاق النار من اللحظة الأولى لإعلانه، فلو وضعنا أنفسنا مكان مثلث روسيا-إيران-الأسد وتخلصنا من إنسانيتنا وأخلاقنا كما هو حالهم وهم يمطرون الشعب الأعزل بالقنابل والمتفجرات ويقصفون كل معالم الحياة من المدارس والروضات إلى المستشفيات والمخابز مستخدمين في كل هذا أذنابهم من المليشيات الإرهابية المختلفة أمثال حزب الاتحاد الديمقراطي وداعش، فهل حقا كنا سنقبل بمثل هكذا هدنة وهم يهددون حلب والمعارضة المعتدلة؟ في المقابل لا أجد مصوغا حقيقيا يدفع المعارضة وجبهتها لقبول بمثل هكذا هدنة حتى لو كانت الأفكار الدافعة لها هي محاولات توحيد المعارضة.
ولو قبلنا أسبابهم في موافقتهم على الهدنة؛ لا نعلم كيف كانوا يعتقدون بأن تنفيذها وارد، فبمجرد ترك كلمة "الإرهاب" حرة دون تقييد لها في الرؤية الروسية التي ترى كل المعارضة إرهابيين وتقصفهم بحجة انهم من جبهة النصرة، فهذه الحقيقة وحدها بإمكانها أن تظهر لنا ما كانت ستؤول إليه الأمور عند بدئ تنفيذ الاتفاق. في المقابل فإن الرد الأمريكي على الخُرقات المتكررة لروسيا وحلفها لم يكن كما يجب وغير مناسب مع للواقعة والحدث، فـ"السلام" الأمريكي ما زال مستمرا حسب رؤيتها رغم كل تلك الطائرات التي ما تزال تقصف وتقتل في السوريين.
سيستخدم الروس والإيرانيين لعبتهم القذرة في استفزاز المعارضة السورية المعتدلة كورقة رابحة في مؤتمر جنيف القادم، فهم سيطيرون بخبر إفشال المعارضة لاتفاق المصالحة عندما ردت الأخيرة على الخروقات الروسية، وفي أثناء ترقبهم للتحركات الأمريكية غير مرتاحة من تصرفاتهم سيستمر حلف روسيا وإيران والأسد وحزب الاتحاد الدمقراطي في قصفهم وتفجيرهم من جهة ومن جهة أخرى سيتمرون في أكاذيبهم وألاعيبهم الخبيثة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس