ولاء خضير - خاص ترك برس
يُعد دير ماركبرئيل أقدم دير باق للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وواحدا من أقدم الأديرة والمراكز الروحية المسيحية في العالم، عمره يقدر بأكثر من 1700عام، يقع في منطقة طورعبدين في جنوب شرق تركيا، ويعود بناؤه للقرن الرابع الميلادي (397)، أسسه راهب يُدعى صموئيل، وراهب اّخر معه يدعى شمعون، كما أنّ بعض مباني الدير، شُيدت تحت رعاية أباطرة آخرين، ولا تزال قائمة حتى اليوم.
ويقام في دير ماركبرئيل كل عام عيد القديس ماكبرئيل، حيث يصل المسيحيون من كل مكان في العالم لهذا الدير الشهير، والذي يصادف تاريخ 31 آب/ أغسطس للمشاركة في هذه المناسبة الروحية، التي تقام في كل عام في هذا اليوم.
ويصل عدد الحضور في هذا العيد إلى حوالي 900 شخص، يأتون من أوروبا والدول العربية مثل سوريا، ومن كل قرى طور عبدين المجاورة، ليشاركوا في القداس.
ويقال أن قديسا يسمى مار كبرئيل، ولد في عام 574 للميلاد، في قرية باقسيان الواقعة في طورعبدين جنوب شرق تركيا، وكان قد تعلم في مدرسة كنيسة القرية، أراد أبواه أن يزوجاه، ولكنه أحب أن يكرس حياته للعبادة، فغادر بيت أهله وتتلمذ لدى ناسك فاضل اسمه جاروجي (كيوركيس)، وبعد أن علمه واختبره بأمور كثيرة ألبسه زي الرهبنة المقدس.
وبعد أن قضى سبع سنين في التعلم، أراد ماركبرئيل أن يبتعد من مدينته، فأذن له معلمه فذهب إلى دير مار شمعون، وهناك رحب به الرهبان، وعاش معهم سنوات كثيرة، لمسوا فيها تواضعه ومحبته وأعماله الصالحة، وجعلوه فيما بعد رئيسا للدير، ومن ثم مطرانًا للأبرشية وهو في الستين من عمره، وتوفي في 23 كانون الأول/ ديسمبر 667.
ويُعد دير مار كبرئيل، أقدم على الأقل بأربعمئة سنة من أقدم أديرة جبل آثوس المعروف (بالجبل المقدس) في اليونان، وقد سبق بناؤه بناء دير القديس سابا في فلسطين بثمانين سنة، كما أنه أقدم بنصف قرن من دير سانت كاترين في سيناء.
لذلك يصنف الدير من بين أندر الأديرة المسيحية وأقدمها، والتي تمكنت من المحافظة على نمط حياتها الرهبانية باستمرار خلال هذه الفترة الطويلة (16 قرن بالنسبة لدير مار كبرئيل)، باستثناء بعض الفترات القصيرة، التي هُجر فيها الرهبان بسبب الحروب، أو الاضطرابات المحلية الداخلية في تركيا.
يضم الدير الكثير من التحف المعمارية، والتي يعود تاريخها للقرنين الخامس والسادس للميلاده، مثل قطع موزاييك بيزنطية نادرة، وقبب، وأروقة، وأبراج، وشرفات، وأبواب، ونقوش، وأعمال حرفية جميلة، وتتخذ أبنية الدير تصاميم هندسية مختلفة، وذلك بسبب بنائه في مراحل وحقب متفاوتة.
على مر التاريخ أعطي هذا الدير تسميات عدة، حيث أطلق عليه في البداية اسم دير مار صاموئيل ومار شمعون نسبة إلى مؤسسيه، كما عُرِف الدير بدير العمر ديرو دعومرو، وعومرو دمور كبرييل، ومعناها مقر الإقامة، أي مكان إقامة الرهبان، ومن تلك التسمية اشتقت التسمية العربية دير العُمر، والتي استعملت كذلك في اللغة التركية، وفي نفس الوقت سمي بدير قرطمين، بسبب قرية قرطمين الواقعة بالقرب منه.
أما اسمه الحالي كما ذكرنا يرجع للقديس مار كبرئيل (634 - 668) أسقف طور عبدين، والذي عزي إليه اجتراح المعجزات، وقد لعب هذا الأسقف دوراً هاماً في تطوير الدير، حيث كان مقر إدارته الكنسية.
ودير مار كبرئيل اليوم هو مركز أبرشية طورعبدين، ومقر نيافة الحبر الجليل المطران مار طيمثاوس صموئيل أقطاش، كما يعتبر الدير مركز لاهوتيًا تخرج فيه الكثير من المطارنة والرهبان والكهنة، وهو لا يزال اليوم عامر بالرهبان والراهبات.
وطيلة فترة الحكم العثماني، كانت متسامحة تجاه الطوائف الدينية الأخرى، حيث عاشت الطائفة السريانية بأمان وسلام، ففي نهاية القرن التاسع عشر كان يعيش في تركيا ما يناهز مئتي ألف سرياني في منطقة طور عابدين، الإ أن العدد تراجع الآن أقل من ثلاثة آلاف، كما مرّ الدير مار كبرئيل بأوقاتا عصيبة، بحيث يقطنه الآن عدد قليل من الرهبان لا يتعدى عدد أصابع اليد.
وقد تمكن الدير من البقاء خلال القرون، على الرغم من كل الحروب والكوارث التي مرت عليه، كان آخرها النزاع المسلح الذي وقع في المنطقة، بين الجيش التركي، وحزب العمال الكردستاني الإنفصالي"بي كي كي"، حيث يتعرض الدير بين الحين والآخر لمضايقات من قبل القرى الكردية المجاورة.
وتتمحور تلك المشاكل حول ملكيات الأراضي التي تحيط بالدير، خاصة وأن هذه الأراضي غير مسجلة بسند ملكية رسمي لأوقاف الدير، بالإضافة إلى رغبة سكان القرى المجاورة بالإستيلاء على أراضي الدير.
وكانت الحكومة التركية قد أصدرت قراراً بضم هذه الأراضي إلى الخزينة العامة، والتي امتلكها الدير لمدة 16 قرن، ووضعها تحت تصرف وزارة البيئة والغابات، الإ أنه مؤخراً أعادت الحكومة التركية، دير ما كبرئيل التاريخي إلى الكنيسة السريانية، التي طالما كانت تطالب بعودته إلى أملاكها التاريخية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!