ترك برس
إن بعض الدراسات الفردية التي ركزت على القراءة والكتابة في بعض الولايات العثمانية كدمشق والقاهرة، تُبين أن تركات عدد معين من عامة أهل دمشق احتوت على الكتب، وفي هذا دلالة على أن ثقافة الكتب والقراءة كانت منتشرة في الطبقات الوسطى والدنيا في العصر العثماني في الأقطار العربية، وأن فكرة الاضمحلال والانحلال والتخلف التي يتغنى بها مؤرخو القومية فكرة مضللة وكاذبة.
ويشير الباحث في التاريخ و التراث، محمد شعبان ايوب، إلى أن الثقافةُ في القاهرة ودمشق والأقطار العربية الأخرى ظلَّت عربية أصيلة، ويكفيك أن تعود إلى نجم الدين الغزِّي في "الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة"، وللمُحبي في كتابه "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر"، والمرادي في "سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر"، أو ابن البيطار الميداني في "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر"، أو تاريخ الجبرتي "عجائب الآثار في التراجم والآثار"، أو "حوادث دمشق اليومية" لشمس الدين البديري، أو "سمط النجوم العوالي" للعصامي، وغير هؤلاء ممن أرّخوا للفترة العثمانية في مصر وبلاد الشام لترى أن طرائق التعليم التي اعتاد عليها طلاب العلم والعلماء في العصر المملوكي بقيت كما هي في العصر العثماني، وعلى رأسها التعليم والتدريس والتأليف باللغة العربية.
بل أكثر من ذلك تلاحظه نيللي حنا وهو يمثل ظاهرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وهو "وجود أعداد كبيرة من الكتب التي تم نسخها، وكذلك أعداد كبيرة من النصوص الشفاهية تم تدوينها". وتعتمد نيللي حنا في استخلاص هذه النتيجة المهمة على "أعداد المخطوطات التي كُتبت خلال تلك الفترة بالرجوع إلى كتالوجات المخطوطات بالقاهرة وغيرها من المدن والبلاد. فكتالوجات المخطوطات العربية في العالم العربي، وتركيا، وأوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية تحتوي على مئات الآلاف من تلك المخطوطات، كُتبت أو نُسخ كثير منها في مطلع العصر الحديث، وتشير إلى مكان لثقافة الكتب من أهمية بالغة".
ويبين الباحث أنه "يجب أن نفصّل هذه المسألة أكثر بالوقوف مع أهم المؤسسات العلمية والفكرية والشرعية في ذلك العصر في مصر، وهي مؤسسة الأزهر التي كانت قد أخذت شكل المؤسسية والاستقلالية وظهور منصب المشيخة منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي، لنرى الأهمية الثقافية بل والسياسية لهذه المؤسسة في ظل تبعية مصر للعثمانيين".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!