د. باسل الحاج جاسم - صحيفة الحياة
تصدرت أعمال القمة الثالثة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي التي اختتمت أعمالها الجمعة 15 نيسان (أبريل) الجاري في مدينة إسطنبول التركية، ملفات الإرهاب و سورية واليمن وليبيا والعراق، ونزاع إقليم ناغورني كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، والتعاون الاقتصادي، وأوضاع الأقليات المسلمة، إلى جانب ظاهرة الإسلاموفوبيا، كما لم يكن الفتور التركي - المصري بعيداً عن أجواء القمة، وهي قضايا مليئة بالتحديات بين الدول الإسلامية من جهة، وبين الدول الأعضاء في التعاون الإسلامي والعالم من جهة ثانية. أعربت دول منظمة التعاون الإسلامي في بيان القمة الختامي، عن أسفها حيال التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لبعض الدول الأعضاء كسورية والبحرين واليمن والصومال، فضلاً عن استمرار دعم إيران للإرهاب، وأكّد البيان أن قيام إيران بالاعتداء على الممثليات الديبلوماسية السعودية في كل من طهران ومشهد، يعد انتهاكاً واضحاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية والقوانين الدولية الخاصة بحصانة البعثات الدبلوماسية، وذكر الأمين العام للمنظمة إياد مدني أن البيان الختامي لمؤتمر القمة تضمن أكثر من 200 بند.
كشفت قمة اسطنبول عن فيض من التحديات، يواجه منظمة التعاون الإسلامي بقيادة تركيا التي تولت رئاسة المنظمة، في ظرف تعصف فيه الفتنة المذهبية بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية، وربما هذا ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإعلان أن بلاده «تكافح الإرهاب والجماعات التي تتخذ المذاهب ديناً لها» خلال احتفال المولد النبوي الشريف قبل أيام وفق وكالة الاناضول. تقود منظمة التعاون الإسلامي البلدان الأعضاء في العديد من المجالات والمحافل الدولية، باعتبارها ثاني أكبر منظمة دولية بعد منظمة الأمم المتحدة، وتتعامل مع قضية حماية مصالح العالم الإسلامي بقدر كبير من المسؤولية.
لكن تداخل العمليات السياسية والاقتصادية العالمية يثير تحديات جديدة أمام كل دولة، وكل هيئة دولية، بما في ذلك منظمة التعاون الإسلامي والبلدان الإسلامية، ودفع الفهم الجيد لهذه التحديات، قادة الدول الإسلامية إلى بدء البحث عن السبل لجعل المنظمة تلبي الاحتياجات الملحة للأمة الإسلامية، كما أثار اندلاع الثورات الشعبية في بعض البلدان العربية تحديات جديدة ينبغي على منظمة التعاون الإسلامي التعامل معها.
واعتمد المشاركون في الدورة الثامنة والثلاثون لمجلس وزراء خارجية بلدان المنظمة في أستانة عاصمة كازاخستان، أواخر حزيران (يونيو) 2011، 110 قرارات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والإنسانية، وبين تلك القرارات تغيير اسم منظمة المؤتمر الإسلامي التي عرفت المنظمة به منذ 1969 إلى منظمة التعاون الإسلامي، وتصدر تغيير الاسم جدول أعمال المؤتمر، لأن الجميع يتفهم الحاجة لجعل المنظمة الإسلامية الأكبر قادرة على المواجهة الناجحة للتحديات العالمية، التي تواجه الأمة الإسلامية في الوقت الراهن. وفي الواقع، تبدو حاجة منظمة التعاون الإسلامي لتصبح كياناً دولياً بارزاً وفعالاً جلية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العالم الاسلامي، على رغم إمكاناته الهائلة، لا يعد منافساً في العديد من المجالات، بالمقارنة مع الكثير من بلدان العالم، فعلى سبيل المثال تمتلك بلدان منظمة التعاون الإسلامي 70 في المئة من موارد الطاقة في العالم، إلا أنها في الوقت نفسه لا تساهم إلا بنسبة 7.5 في المئة من إجمالي الناتج العالمي، و11 في المئة من حجم التجارة العالمية.
و أشار أردوغان في افتتاح القمة الاسلامية في اسطنبول، إلى أن التمثيل غير العادل للمسلمين في آليات صنع القرار العالمي يسبب مشقة كبيرة بين المسلمين، وقال الرئيس التركي: «المسلمون يشكلون ربع سكان العالم، هل لديهم حتى الآن ممثل دائم واحد في مجلس الأمن للأمم المتحدة؟ ما معنى أن يكون تمثيلهم غير دائم ؟ أضف إلى ذلك أن الدول الخمس الدائمة العضوية تتصرف بشكل سلبي، لذلك أقول «العالم هو أكبر من 5 دول».
و يتضح اقتران البطالة المتصاعدة بالركود الاقتصادي، وقد اعتبرت السبب الجذري للاضطرابات الاجتماعية والسياسية الجارية في بعض الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي،الذي يشار إليه شعبياً باسم «الربيع العربي»، وتبعاً لذلك تراجع حجم المساعدات الإنمائية الرسمية لبلدان منظمة التعاون الإسلامي بواقع تسعة مليارات دولار، بينما وصلت قيمة الواردات الغذائية الصافية إلى 126 مليار دولار في عام 2009. والدعوة إلى تعاون وثيق بين الدول الإسلامية، في المجالات التي من شأنها بالفعل أن تجعل الاقتصاد العالمي عصرياً ومتقدماً باتت أمراً ملحاً، لكن من الواضح أيضاً أن التنمية الناجحة للبلدان الإسلامية، وتعاونها مع بقية دول العالم يعتمدان في شكل كبير على الفهم العام للدين الإسلامي. ويمكن اعتبار ظاهرة كراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا) والبحث عن السبل للتغلب عليها تحدياً حقيقياً للعالم الإسلامي كله، ويتمثل أحد هذه السبل في تأسيس وتطوير الأرضية ذات التأثير الدولي لحوار رفيع المستوى بين الإسلام والحضارات الأخرى.
ولا بد من التذكير بأهمية إطلاق فضائية باسم المنظمة «OIC»، سيكون لها إسهام في تبادل المعلومات والأخبار حول العالم الإسلامي والخارجي ودعم جهود توضيح صورة الإسلام الناصعة. ويبقى القول، على رغم امتلاك تركيا خبرة سياسية كبيرة وتجربة متميزة في قطاع منظمات المجتمع المدني، إلا أن بيروقراطية عمل المنظمة منذ تأسيسها، بالإضافة للخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء، سيشكلان عقبة كبيرة أمامها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس