د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس
انتهت بالأمس الجولة الثالثة من المفاوضات الخاصة بالملف السوري تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف دون تحقيق أي تقدم يذكر، بل على العكس من ذلك، فقد خيم التشاؤم على مجريات ونتائج هذه الجولة بالذات خلافًا لسابقتها التي جرت في شهر آذار/ مارس الماضي بسبب تعليق وفد الهيئة العليا للمفاوضات مشاركته فيها على خلفية الانتهاكات المتكررة للنظام لبنود وقف إطلاق النار الذي تم تبنيه من قبل مجلس الأمن الدولي بقراره 2268 الصادر في 26 شباط/ فبراير 2016. إلى جانب التدهور الكبير في الأوضاع الإنسانية واستمرار النظام في حصار المناطق التي يقطنها المدنيون، وتصعيد القتال في شمال سوريا في محاولة من قوات النظام بدعم جوي روسي استعادة السيطرة على كامل محافظة حلب.
أبرز السمات التي تميزت بها الجولة المنقضية من المفاوضات هي تزايد الضغوط الروسية والأمريكية على حد سواء على وفد الهيئة العليا للمفاوضات للقبول بالتسوية الروسية المقترحة والمتمثلة بتشكيل حكومة موسعة تضم ممثلين عن النظام والمعارضة وعدم الخوض في مصير بشار الأسد، والالتفاف على بيان جنيف لعام 2012 القاضي بتشكيل جسم حكم انتقالي كامل الصلاحيات والمؤيد بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 لعام 2013.
محاولة الالتفاف على بيان جنيف تمثلت بمبادرة روسية طرحها المبعوث الخاص للأمم المتحدة "ستيفان ديمستورا" تضمنت مجموعة من المقترحات أبرزها تعيين ثلاثة أو خمسة نواب للرئيس يكونون بمثابة "مجلس رئاسي" بدلاً من البحث في خياري "هيئة الحكم الانتقالي" أو "الحكومة الموسعة "، وإقرار دستور جديد للبلاد تمت كتابة الفقرات الأساسية منه بشكل مسبق من قبل خبراء في القانون الدستوري في موسكو، من شأنه أن يؤسس لتقسيم سوريا تحت اسم الفيدرالية ويرسم صورة سوريا وشكلها بما يتوافق مع مصالح موسكو وحلفائها.
ترافق طرح هذه المبادرة مع استمرار الضغوط لإعادة تشكيل وفد المعارضة لإدخال ممثلين عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وما يسمى بــ "معارضة حميميم" التي تم تصنيعها في القاعدة العسكرية الروسية هناك، إضافة إلى ما بات يعرف بمنصة موسكو والقاهرة والأستانة وإخراج ممثلي حركة أحرار الشام الإسلامية وجيش الإسلام من وفد الهيئة العليا للمفاوضات واعتبارهما منظمتين إرهابيتين بعد أن تقدمت روسيا رسميًا بطلب إلى مجلس الأمن لإدراجهما على اللائحة السوداء للأمم المتحدة المخصصة للتنظيمات الإرهابية.
باعتقادنا أن العملية التفاوضية التي عوَّل عليها بعض السوريين بداية هذا العام قد انهارت تحت ركام القصف الهمجي لسلاح الجو الروسي على مراكز الدفاع المدني والمشافي والمراكز الطبية في حلب وريفها ولن تفلح جميع المحاولات الدولية لإنقاذها بسبب انكشاف المخطط الروسي لجر المعارضة السورية إلى نقطة الصفر أي ما قبل الثورة السورية وإجبارها على قبول الدخول في حكومة موسعة بقيادة "بشار الأسد"، يبقى فيها كافة رموز النظام الملطخة أيديهم بدماء الشعب السوري .
ويبدو أن الإدارة الأمريكية لا تعارض الخطة الروسية على الأقل حاليًا، وهو ما أكدته تصريحات الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" التي عارض فيها ارسال قوات عسكرية للإطاحة ببشار الأسد وعدم وجود إمكانية لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا وضرورة التركيز على مقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من خلال إرسال المزيد من المستشارين والعسكريين الأمريكيين إلى شمال شرق سوريا لدعم حلفاء واشنطن هناك.
روسيا والنظام وإيران يعولون على كسب الوقت مستفيدين من التجارب السابقة المماثلة في العراق والشيشان وحتى الجزائر والمفاوضات الماراثونية التي خاضتها إيران مع المجموعة الدولية (5 + 1) حيث يدرك هؤلاء أن مرور الوقت كفيل بتغيير قناعات الدول ومصالحها خاصة تلك التي وقفت إلى جانب الشعب السوري مع انتشار العمليات الإرهابية خارج سوريا وتجييرها من قبل النظام وحلفائه لمصلحته من خلال إظهار جيش "بشار الأسد" على أنه هو القوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليه في محاربة الإرهاب.
كل الحلول المطروحة حالياً للانتقال السياسي في سوريا صعبة التنفيذ إن لم نقل مستحيلة طالما تتجاهل حقيقة الوضع على أرض الميدان، فالتعويل على معارضات موسكو وحميميم والقاهرة لن يعيد للنظام شرعيته وما خسره خلال السنوات الماضية، والتقدم الذي أحرزته قوات النظام خلال الفترة الأخيرة لا يغير من موازين القوى على المدى البعيد لأنه تحقق بفعل سياسة الأرض المحروقة التي أتبعها الطيران الروسي في تلك المناطق.
خلال مداخلته عبر الدائرة التلفزيونية مع مجلس الأمن الدولي عقب إنتهاء الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف أشار "ديمستورا " إلى تحقيق تقدم خلال هذه الجولة وهو ما يجافي الحقيقة، فجميع المراقبين ووسائل الإعلام تبث تقارير يومية عن انتهاكات النظام للهدنة وتزايد الحصار وتصاعد القصف الروسي الهمجي على مناطق المدنيين بشكل يتناقض مع كافة الاعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية.
لا يمكن بحال من الأحوال تحميل الهيئة العليا فشل المفاوضات في جنيف كما فعل الروس، ومن يتحمل مسؤولية الفشل هو النظام وروسيا بالدرجة الأولى، إضافة إلى المبعوث الأممي الخاص الذي أصبح لعبة بيد روسيا توجهه كما تشاء وفقا لمصالحها ومصالح حلفائها. فموسكو اليوم هي الخصم والحكم والمقرر في القضية السورية تدعو من تشاء وتبعد من تشاء وتقرر وتفرض مواعيد بدء المفاوضات ومواعيد انتهائها وتضع الدستور وتحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وهي من تقرر من يكون إرهابياً ومن يكون معتدلاً حسب تماشيه مع سياستها في المنطقة في الوقت الذي تكتفي الإدارة الأمريكية بالمراقبة وإصدار التصريحات المتضاربة بشكل مقصود للاستهلاك الإعلامي لزيادة تعقيدات الملف السوري المعقد أصلاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس