د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس
ربما لم يخطر على بالنا يوماً من الأيام أن نرى مسؤولاً في دولة الاحتلال التي ولدت منبوذة من محيطها الإقليمي والإسلامي وقامت على جماجم أطفال فلسطين، يتقلد منصباً دولياً رفيعاً في منظمة أممية يفترض أنها تقوم على مبادئ العدل والمساواة واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
هذا يحدث عندما نكون في عالم مثالي تسمو فيه الأخلاق وقيم العدل والمساواة بين بني البشر، لكن في السياسة الدولية لا توجد محرمات، فها هي وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني" المعروفة بدورها الكبير في التحريض على قتل الشعب الفلسطيني والمتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب على قطاع غزة عام 2008 بموجب دعاوى لا يزال ينظر بها من قبل محاكم أوروبية، قد تصبح نائب الأمين العام للأمم المتحدة للمنظمات الدولية في غضون أيام وهو ما تدفع إليه بقوة إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".
فقد اعترضت مندوبة الولايات المتحدة الجديدة في مجلس الأمن الدولي "نيكي هايلي" على قرار تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني السابق "سلام فياض" مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى ليبيا، والذريعة هي أن منظمة الأمم المتحدة خاصة في الفترة الأخيرة من الإدارة الأمريكية السابقة قد انحازت للفلسطينيين وتجاهلت مصالح إسرائيل والشعب اليهودي عندما سمحت بتمرير قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016 الذي طالب إسرائيل بأن توقف فوراً وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى وصف القرار بـــــ "المخزي" من الأمم المتحدة، متهماً "إدارة أوباما بأنها لم تفشل فقط في حماية إسرائيل من هذه العصابة (في إشارة إلى السلطة الفلسطينية) في الأمم المتحدة، بل تواطأت معها وراء الكواليس".
إلى جانب ذلك ترى إدارة "ترامب" أن إدارة سلفه فشلت باتخاذ الخطوات اللازمة لمنع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) من إصدار قرارها الأخير في تشرين الأول/أكتوبر الماضي الذي ينكر حق اليهود، وينفي أي علاقة لهم بالمقدسات في مدينة القدس، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي اعتبرته تراث إسلامي خالص، كما سبق لمنظمة "اليونسكو" أن منحت فلسطين العضوية الكاملة بالمنظمة عام 2011 في خطوة كان من شأنها أن تعزز المطالب الفلسطينية بعضوية كاملة داخل الأمم المتحدة فيما لو تم استثمارها دبلوماسياً من قبل الدول العربية والإسلامية الصديقة للقضية الفلسطينية.
تحاول إدارة "ترامب" إعادة ما فقدته إسرائيل على المستوى الدولي لصالح الفلسطينيين خلال السنوات الماضية من خلال تقديمه ( ترامب) الوعود للوبي الصهيوني الذي دعمه في الانتخابات الأخيرة بتعيين "ليفني" نائباً للأمين العام للأمم المتحدة ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس في خطوة استفزازية تدعم مطالب اليهود بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية.
وللخروج من الاعتراض الذي قد تبديه بعض الدول ضد تعيين "ليفني" فقد ترددت أنباء من داخل أروقة الأمم المتحدة عن وجود صفقة تقضي بقبول تعيين "ليفني" نائباً للأمين العام للأمم المتحدة مقابل تمرير تعيين "سلام فياض" مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى ليبيا، وإذا صحت هذه الأنباء فيتوجب على "فياض" رفض هذه الصفقة لأنها لا تشكل إهانة للشعب الفلسطيني فحسب، بل لجميع الدول والشعوب العربية والإسلامية، وبالتالي تفويت الفرصة أمام وزيرة ملطخة أيديها بدماء أطفال غزة ومتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بتقلد منصب نائب الأمين العام من خلال الاعتذار عن تولي منصب ثانوي جداً لن يقدم شيء لا لفلسطين ولا لليبيا على حد سواء.
وكانت إسرائيل قد طلبت من إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأسبوع الفائت عرقلة ترشح "فياض" للمنصب الجديد خلفاً للألماني "مارتن كوبلر" بدعوى أن ذلك يمثل انحيازاً إلى الفلسطينيين، وصرح رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو"، الأحد الماضي، أن إسرائيل كانت وراء إحباط الولايات المتحدة تعيين "فياض".
وبغض النظر عن أهمية المنصب المقترح إلا أن إسناده لشخصية مثل " ليفني" المعروفة بتاريخها الأسود ووقوفها وراء العديد من عمليات الاغتيال بحق نشطاء فلسطينيين ومسؤوليتها عن العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني، إلى جانب سمعتها الأخلاقية السيئة حيث اعترفت مراراً أنها عملت كعاهرة ومارست الرذيلة الحلال -كما تسميها- مع مسؤولين فلسطينيين وعرب لأجل مصلحة إسرائيل، إنما ينطوي على إشكالية أخلاقية داخل الأمم المتحدة ويشكل بداية غير موفقة للأمين العام الجديد "أنطونيو غوتيريش" المشهود له بالنزاهة واحترام حقوق الإنسان ووقوفه إلى جانب ضحايا الصراعات والحروب عندما كان مفوضاً سامياً لشؤون اللاجئين، فضلاً عن ذلك سيكون هذا أعلى منصب على الإطلاق يحصل عليه مسؤول إسرائيلي في الأمم المتحدة منذ إنشائها.
وتجدر الإشارة إلى أن منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة أنشئ بموجب قرار الجمعية رقم 12/52 لعام 1997 الذي نص على أن نائب الأمين العام يعين من قبل أمين عام الأمم المتحدة عقب مشاورات مع الدول الأعضاء، ووفقا للمادة 101 من ميثاق الأمم المتحدة، ويشترط عدم اعتراض أي دولة داخل مجلس الأمن على المرشح للتعيين. كما ينبغي على الأمين العام أن يراعي في المكان الأول عند ترشيحه لشخصية معينة لتولي هذا المنصب ضرورة الحصول على أعلى مستوى من المقدرة والكفاية والنزاهة، كما أن من المهم أن يراعى في اختياره أكبر ما يستطاع من معاني التوزيع الجغرافي، وتطبيق قاعدة التناوب الجغرافي بين "الشمال" و"الجنـوب".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس