د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس
من عبق المدينة القديمة وأحيائها العتيقة المتربعة على قمة جبال ماردين الشاهقة وعراقة تصاميمها التاريخية المميزة تطل علينا جامعة أرتقلو بتخصصاتها المختلفة لتزيد من القيمة العلمية لمدينة ماردين التي كانت على مدار التاريخ قبلة للعلم والعلماء، كيف لا وقد احتضنت منذ عهد السلاجقة مدرستان عربيتان، تعادلان الجامعات في الوقت الحاضر، من حيث الاختصاص في الفقه والحقوق والطب.
إلى جانب الناحية العلمية التي تتميز بها مدينة ماردين فهي ملتقى للعديد من الديانات السماوية والأجناس والأعراق والثقافات المختلفة، حيث يتكلم سكانها العربية والتركية والكردية والآرامية السريانية، ويتعايشون مع بعضهم البعض بود واحترام وانسجام. لذلك يُطلق عليها عاصمة "المزيج الحضاري الثقافي" لوقوعها ضمن حدود بلاد ما بين النهرين والأناضول واحتضانها للعديد من الأديان والقوميات منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا.
ومنذ بدء تدفق اللاجئون السوريون إلى تركيا كانت ماردين إحدى وجهاتهم خاصةً أهالي منطقة الجزيرة السورية بحكم القرب الجغرافي والمعرفة السابقة بطبيعة المدينة وسكانها وتقارب العادات والتقاليد إلى جانب صلة القرابة حيث ينحدر الكثير من سكان المدينة من أصول سورية من عدد من المحافظات السورية ولا يزال يعيش بضعة آلاف من اللاجئين السوريين في المدينة ويحظون باحترام كبير من جميع مكونات المدينة.
وأمام المشاكل التي تواجه الشبان السوريين وتمنعهم من إكمال تعليمهم الجامعي بسبب عدم اتقانهم اللغة التركية، وانتشار الكثير من الجامعات الخاصة غير المرخصة بشكل أصولي وارتفاع أقساطها السنوية، بالإضافة للعقبات التي تواجه الأكاديميين السوريين وتمنعهم من العمل في الجامعات التركية وعلى رأسها عدم معرفتهم باللغة وعدم وجود خطة حكومية لاستيعاب هؤلاء والاستفادة من خبراتهم.
فقد قررت جامعة أرتقلو- ماردين مساعدة الطّلاب السوريين الذين لجأوا إلى الأراضي التركية هرباً من الحرب الدّائرة في بلادهم من خلال افتتاح مجموعة من التخصصات الجامعية للدراسة باللغة العربية بهدف تمهيد الطريق أمام العديد من الأكاديميين السوريين الذين انتقلوا إلى تركيا لمواصلة أداء دورهم في تأهيل الأجيال الجديدة، وتشجيعهم على البقاء في تركيا وعدم الهجرة إلى الدول الأوروبية عبر الانضمام إلى هيئة التدريس في جامعة أرتقلو وتذليل الصعوبات أمام الطلاب الذين يعانون صعوبةً في تعلّم اللغة التركية وفهم المعلومات المُعطاة لهم من قِبل الكوادر التّدريسية التركية إلى جانب تفضيلهم الدراسة باللغة العربية.
وفي معرض تعليقه على هذه الخطوة يقول البروفسور الدكتور "أحمد أغير أقجة" رئيس جامعة أرتقلو- ماردين إن الجامعة قررت فتح أربعة أقسام يتم التدريس فيها باللغة العربية بشكل كامل من خلال أكاديميين سوريين لديهم خبرة سابقة في مجال التدريس الجامعي وهذه الأقسام هي ( العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إدارة الأعمال، التاريخ، علم الاجتماع) إلى جانب معهد اللغات الحية الذي تعاقد مع عدد من الأكاديميين السوريين لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، بالإضافة إلى كليتي العلوم الإسلامية واللغة العربية اللتان تحتاجان بطبيعة الحال لأساتذة هم على معرفة تامة باللغة العربية .
ويضيف البروفسور " أغير أقجة" أن أجور الدراسة في هذا البرنامج رمزية جداً وهي 500 ليرة تركية سنوياً، كما يمكن للطالب الحصول على السكن الجامعي والطعام وكافة الخدمات الطلابية الأخرى.
وحول الكادر التدريسي أشار البروفسور " أغير أقجة" إلى أنه حتى الآن تم التعاقد مع حوالي (30) أكاديمياً سورياً من حملة شهادتي الماجستير والدكتوراه، وهذه هي البداية، ومن المتوقع أن يتم افتتاح تخصصات جديدة خلال السنة القادمة رغم العقبات البيروقراطية الكثيرة التي واجهتها الجامعة للحصول على موافقة مجلس التعليم العالي لافتتاح هذه التخصصات والتعاقد مع أكاديميين أجانب، مؤكداً على وجود خطة لدى الحكومة التركية لدمج الأكاديميين السوريين والاستفادة من خبراتهم وتعتبر جامعة ماردين السباقة في هذا المجال.
أما الدكتور "محمد رشيد" عضو الهيئة التدريسية في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية فيرى أن البرنامج يأتي ضمن أحدى المتطلبات الأساسية للطلبة السوريين ويتضمن الكثير من الفوائد الإيجابية لهم منها توفير الجهد والمال لتعلم اللغة التركية (التومر) ودورات اليوس والسات حيث يعاني أغلب الطلبة من التكلفة المادية المرتفعة لهذه البرامج والوقت الذي يحتاجونه لتجاوزها، إضافة إلى ذلك يوفر البرنامج للطالب شهادة أكاديمية معترف بها كون الجامعة حكومية ومعتمدة من قبل وزارة التعليم العالي التركية، كما يوفر البرنامج ميزة إضافية للجامعة وهي التعليم بلغة أجنبية إلى جانب اللغة الوطنية وهذا ينعكس بشكل إيجابي على التصنيف الأكاديمي العالمي للجامعة.
من جانبه يقول الدكتور "مسلم طالاس" عضو الهيئة التدريسية في كلية العلوم الاقتصادية والإدارية إن البرنامج مهم جداً ويضاهي في جودته العلمية البرامج التركية الموجودة في جامعة ماردين وغيرها من الجامعات التركية الأخرى وما كان موجوداً في الجامعات السورية المعروفة، كما تتوافر فيه كافة الاحتياجات الفنية من قاعات ومدرجات مخصصة لطلاب هذا البرنامج مزودة بكافة التجهيزات الفنية بما فيها شبكة الانترنت لجميع الطلاب ، معتبراً أن هذه الفرصة لا تقدر بثمن ولم تتوفر سابقاً للطلاب أو الأكاديميين السوريين الموجودين على الأراضي التركية، وتأتي في إطار سياسة وزارة التعليم العالي لحل مشاكل الطلاب السوريين وتذليل العقبات التي تقف أمام إكمال تعليمهم الجامعي.
في حين يشير الدكتور "محمد الفارس " عضو الهيئة التدريسية في قسم علم الاجتماع إلى أن هذه الخطوة مهمة من عدة نواح: الأولى: اطمئنان الطالب السوري أنه سيحصل على شهادة أكاديمية من جامعة حكومية معتمدة ومعترف بها لأن الاعتراف معيار مهم يبحث عنه الطالب قبل اختيار الجامعة التي سيلتحق بها، الثانية: الدراسة باللغة العربية تسهل على الطالب تلقي المعلومات والاستفادة منها بشكل أكبر، الناحية الثالثة : تتعلق بالتكلفة المادية الرمزية التي بمقدور ذوي أي طالب تأمينها.
في هذه الأثناء أكد الدكتور "رشيد شيخو" عضو الهيئة التدريسية في قسم التاريخ على أن البرنامج العربي في جامعة ماردين هو حلم أغلب الطلاب السوريين لمتابعة دراستهم بلغتهم الأم لخدمة بلدهم في المستقبل، كما أعطى الأمل للأكاديميين بالعودة للتدريس في الجامعات وإيقاظ روح البحث العلمي لديهم وأعادهم إلى المكان الذي يفترض أنه يكونوا فيه، ويرى " شيخو" أن هذا البرنامج يعتبر حتى الآن الأكثر نجاحاً في طريقة التعاطي مع المشاكل التي يعاني منها الطلاب والأكاديميين السوريين على حد سواء.
وحول كيفية الاستفادة من هذه التجربة وإمكانية تعميمها على الجامعات التركية في المحافظات الأخرى يشير الدكتور " وسام الدين العكلة" عضو الهيئة التدريسية في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلى أنه يوجد في تركيا أكثر من 190 جامعة حكومية وخاصة منتشرة في عموم الولايات التركية، وهذه الجامعات لديها إمكانيات كبيرة من شأنها التغلب على جميع العقبات التي تحول دون إكمال الطلبة السوريين لتعليمهم الجامعي واستيعاب كافة الأكاديميين الموجودين على الأراضي التركية لكي يساهموا في تخريج كفاءات علمية قادرة على بناء سوريا في المستقبل، متمنياً من الحكومة التركية أن تضع خطة واضحة للاستفادة من الخبرات الأكاديمية السورية الموجودة على أراضيها في مجال التدريس في الجامعات الحكومية والخاصة، أو في مراكز البحوث العلمية والدراسات بالتعاون مع الجهات الدولية الداعمة للعملية التعليمية.
هذا وقد عبّر الطّلاب السوريّون الذين يتابعون تعليمهم في جامعة أرتقلو، عن بالغ امتنانهم وتقديرهم للخطوة التي قامت بها الجامعة، حيث أفاد معظمهم بأن إعطاء الدّروس باللغة العربية، يساهم في فهم المعلومات بشكلٍ أكبر ويعطيهم حافزاً معنوياً من أجل النّجاح في مسيرتهم الدّراسية.
وأضاف " محمد ولي" وهو طالب في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، برأيي إطلاق الأقسام الجامعية الأربعة باللغة العربية يشكل استجابة بناءة لحاجة ملحة للطلبة السوريين اللاجئين في تركيا وبالأخص للحاصلين على شهادة الثانوية العامة ولم يتمكنوا من دخول الجامعات السورية وإكمال تعليمهم الجامعي نتيجة للأوضاع الصعبة التي تمر بها سوريا. وكذلك يساهم في مساعدتنا في تجاوز صعوبة الدراسة باللغة التركية الأكاديمية، كما أننا نشعر بالاطمئنان والثقة بخصوص نوعية وقوة الشهادة الجامعية التي سنحصل عليها كجامعة حكومية تركية معترف بها، بالإضافة لسعادتنا بكفاءة الهيئة التدريسية من الأكاديميين السوريين ونتطلع إلى أن ننجز النجاح والتفوق في دراستنا ومن هنا نشكر رئاسة الجامعة ومجلس التعليم العالي والحكومة والشعب التركي على كل مساندة ورعاية لهم لأخوتهم السوريين.
من جانبها أشارت الطالبة في قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية "أيتن عجة" إلى أن الجامعة قدمت لها بموجب هذا البرنامج فرصة كبيرة لم تكن تحلم بها لإكمال تعليمها الجامعي في هذه ظل الظروف الصعبة التي يمر بها السوريون في تركيا، وأثنت "عجة" على الكادر التدريسي ورئاسة جامعة أرتقلو وجميع العاملين في الجامعة لما بذلوه من جهود لخدمة الطلبة والأخذ بيدهم لإكمال مسيرتهم التعليمية.
وتجدر الإشارة إلى أن جامعة أرتقلو تأسست عام 2007 من قبل الحكومة التركية وزودتها بكوادر إدارية وأكاديمية على درجة عالية من الخبرة، لتجعلها أحد الجامعات الحديثة القوية القادرة على وضع بصمة تنافسية على الصعيدين الداخلي والدولي.
وتضم جامعة أرتقلو الآن 6 كليات تعليمية و3 معاهد دراسات عليا ومدارس مهنية وعددا ًمن المختبرات الكيميائية والحيوية المُزودة بأحدث التقنيات والأجهزة ومكتبة علمية ضخمة حاضنة للعديد من الكتب والمجلدات العلمية في مختلف المجالات.
وهذه الكليات هي :
كلية الآداب: وتضم مجموعة من الأقسام هي: التاريخ، الجغرافيا، آداب اللغة التركية، آداب اللغة العربية، آداب اللغة الكردية، آداب اللغة السريانية، آداب اللغة الإنجليزية، علم الاجتماع، علم النفس، علم الآثار، علم الإنسان، تاريخ الفن.
كلية العمارة: وتضم الهندسة المعمارية، الديكور الداخلي، تصاميم المواد الصناعية.
كلية العلوم الإسلامية: وتضم أقسام الفلسفة والدين، العلوم الإسلامية العامة، التاريخ والفن الإسلامي.
كلية الفنون الجميلة: وتضم مجموعة من الأقسام منها: النحت، الموسيقا، الرسم، الفنون اليدوية، التشكيل الزجاجي، تصاميم السيراميك، تصاميم الملابس.
كلية العلوم الإدارية والاقتصادية: وتضم أقسام الاقتصاد، إدارة الأعمال، الإدارة العامة، العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
كلية العلوم العامة: وتضم أقسام الكيمياء، الأحياء، الفيزياء، الرياضيات، الإحصاء.
إلى جانب هذه الكليات هناك معاهد للدراسات العليا وهي:
معهد العلوم الاجتماعية: الجغرافيا، التاريخ، علم الآثار، علم الإنسان، تاريخ الفن، علم الاجتماع، علم النفس، الاقتصاد، الإدارة العامة، العلاقات الدولية والعلوم السياسية.
معهد اللغات الحية: ويضم آداب اللغة التركية، آداب اللغة العربية، آداب اللغة الكردية، آداب اللغة السريانية، آداب اللغة الإنجليزية.
معهد العلوم العلمية: الفيزياء، الأحياء، الكيمياء، الرياضيات، الإحصاء، الهندسة المعمارية.
المدرسة العليا للإدارة السياحية والفندقية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس