ولاء خضير - خاص ترك برس
أثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخطابه الرأي العام العالمي، وذلك بتصريحه المباشر برفض تعديل قانون مكافحة الإرهاب التركي، نزولًا على طلب الاتحاد الأوروبي، مقابل إعفاء الأتراك من التأشيرات لدخول أوروبا.
وبنبرة قوية، جدّد رجل تركيا الأول في خطاب عام في إسطنبول تصريحه، "الاتحاد الأوروبي يطلب منا تعديل قانون مكافحة الإرهاب، ولكن في هذه الحالة نقول: نحن في جهة، وأنتم في جهة ثانية"، وموجهًا رسالته للاتحاد قائلاً: "منذ متى بدأتم تديرون شؤون تركيا؟ من أعطاكم الحق في ذلك؟، وفي حين أن تركيا تواجه الآن تمردا كرديا وداعشيا، فإن مطالبتها بتخفيف قانون مكافحة الإرهاب يُعد غير مقبول.
تركيا التي حاربت وتحارب الإرهاب أكثر من الدول الأوربية مجتمعة، لا يحق لدول العالم مطالبها بتعديل قانون الإرهاب على ما يعدونه "غير متماشي مع المعايير الأوروبية"، في مقابل ما تؤكده التقارير التركية بأن من يسعى إلى ضرب استقرار تركيا، هي منظمات إرهابية بالأساس تتلقى دعمها من دول أوروبية، وهو ما يثير حفيظة تركيا واستهجانها الطبيعي!.
أكثر من ثلاثة ملايين سوري وعراقي فارين من الظلم والحرب والإرهاب في بلدانهم، استضافتهم تركيا، وهي نسبة ليس لها مثيل في العالم، ولم تنتظر تركيا مساعدات أوروبا والعالم، التي لا تزال تطالب تركيا بتغيير بعض قوانينها، بما في ذلك تضييق تعريفها القانوني للإرهاب، في حين وصل ما أنفقته تركيا من ميزانيتها القومية 10 مليارات دولار، وإذا أضفنا ما أنفقته المنظمات الأهلية والبلديات، يصل المبلغ إلى حوالي عشرين مليار دولار.
كل تلك الأسباب مجتمعة لم تشفع لتركيا، ويتهمها مسؤولون من الإتحاد الأوروبي بإستغلال قانون مكافحة الإرهاب "الفضفاض"، لقمع جميع المعارضين على أرضها، بيد أن أنقرة تصرح بأنها تحتاجه للتصدي للمسلحين الأكراد في الداخل، ولتنظيم الدولة الإسلامية-داعش- في العراق وسوريا، والذي يستهدف أمنها وحدودها، ووصل إلى داخلها!.
فما هي تفاصيل قانون مكافحة الإرهاب الذي تُصر المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي على المطالبة بتعديله، كما تشترط على تركيا أنه ما زالت هناك 5 معايير من أصل 72، على تركيا أن تطبقها بحلول نهاية شهر يونيو/حزيران، لجعل إجراء التأشيرات ممكنا.
وقد ذكر الباحث في الشؤون التركية جو حمورة في مقاله على موقع المفكرة القانونية، أن الجمهورية التركية ارتكزت منذ قيامها على مفهوم أولوية الأمن، فوق أي أمر آخر، فكانت السياسات التي اعتمدتها والقوانين التي أقرّتها وطبقتها، تقدّم المعايير والغايات الأمنية، على حساب مفاهيم الحريات العامة وحقوق الإنسان.
في عام 1991م، أصدرت الدولة التركية أول قانون خاص متعلق بالإرهاب، ويرى حمورة أن التعريف الذي أقره هذا القانون، والذي حمل اسم "قانون مكافحة الإرهاب"، كان فضفاضًا جدًا، كما أنه لم يأخذ العنف، كمعيار ضروري لتصنيف الجرم بالإرهابي، وجعل كل ساعٍ إلى تغيير الوضع الدستوري والقانوني والاجتماعي والاقتصادي والعلماني لتركيا "إرهابيًا"، فدفعت القوى الإسلامية، والقوى الكردية ثمن هذا القانون بدمائها.
غير أن شروط الإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي فُرضت على تركيا، جعلت تعديل هذا القانون ضروريًا لإستمرار محادثات الانضمام.
وفي عام 2013م، وافق البرلمان التركي على تعديل قانون الارهاب، ليقلص الحيز الذي ينطبق عليه تعريف الدعاية الارهابية، بما يتفق مع مطالب الاتحاد الاوروبي، الداعية الى تعزيز حرية التعبير، وخفف من العقوبات المتعلقة بالترويج للحركات الإرهابية، لكن وزير العدل التركي حينها سعد الله ارجين نفى أن تكون القوانين الجديدة ستسهل الإفراج عن سجناء لهم صلة بالمتمردين.
وواصلت تركيا استخدام التشريع على نطاق واسع، لمحاكمة آلاف السياسيين، والناشطين، والصحافيين، وكثيرا ما يكون ذلك بسبب أشياء قالوها أو كتبوها، وهو ما رأت فيه الدولة التركية تهديدًا لأمنها ووحدتها.
وبحسب ما تُصدره المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، فهي تَعد تركيا تتصدر قائمة الدول التي تنتهك المعاهدة الأوروبية لحقوق الانسان، وبناء على ذلك لطالما دعت المفوضية الأوروبية أنقرة إلى تعديل القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب، للتفريق بين التحريض على العنف، والتعبير عن أفكار لا تتسم بالعنف حسب وجهة نظرهم.
ووفقا للقانون التعديل الجديد، سيشكل فقط التحريض الإعلامي المباشر على ممارسة العنف جريمة إرهابية، في حين أصبح بث الأخبار المتعلقة بالحركات الإرهابية خارج تصنيف العمل الإرهابي، وذلك بما يتفق مع معايير المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان.
وفيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، تُصنّف تركيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الاوروبي حزب العمال كمنظمة إرهابية، وتحاكم تركيا المتهمين في هذا الحزب بتهمة الإنتماء إلى منظمة ارهابية حسب قانونها، وليس كما يدعى البعض أنه ترويج دعائي.
حزب العمال الكردستاني، وهو الحزب الذي نفذ أكثر العمليات العنفية ضد الدولة التركية، ومصالحها، وأجهزتها الأمنية والتربوية خلال العقود الماضية، يتكل على بعض الدول المحيطة بتركيا، والتي كانت تدعمه وتدرب أفراده، فكانت وما زالت بعض من الدول الأوروبية تُقدم الدعم المادي واللوجستي والسياسي للحزب لتقويض استقرار تركيا.
قد يكون هذا ملخص قانون الدولة التركية بما يتعلق بقانون ملف مكافحة الإرهاب، ونظرًا لما تعانيه تركيا الآن من إرهاب وصل داخلها التركي، وما يحاصرها من عنف وتطرف وقتال على عدة جبهات حدودية، عدا عن عمق الصراعات السياسية الداخلية بين اليمين واليسار في تركيا، ووسط غياب الحلول الجذرية لهذه الصراعات، فإن رد الرئيس التركي بما بتعلق بتعديل قانون مكافحة الإرهاب في هذا الوقت بالتحديد، يبدو منطقيًا جدًا.
وذلك حين رد الرئيس التركي بقوله "نحن دولة تكافح الإرهاب منذ 35 عامًا وسننتصر، وأقول لأوروبا إنكم لن تستطيعوا مكافحة الإرهاب وأكبر مثال تفجيرات باريس وبروكسل، وأن حزب المعارضة، أصبح مصدر مشكلة بالنسبة لتركيا، ما دام يتفق مع الإرهابيين، وأن تركيا تريد أن تصوغ دستورا جديدا يناسبها، وهذا من شأن الشعب التركي هو من يحدد ذلك، فالقرار الأخير له".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس