محمود عثمان - خاص ترك برس
أحدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أسفرت عنه صناديق الاستفتاء زلزالًا سياسيًا، بريطانيًا وأوروبيًا ودوليًا، بل هو ميلاد ونقطة بداية لمرحلة جديدة في تاريخ أوروبا ستختلف كليا عما سبقها.
إن تصويت البريطانيين بأغلبيتهم لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، شكل ضربة قاصمة لحلم الأوروبيين بالوحدة، ليس لأنه حرك شهية اليمين المتطرف الذي يعيش صعودًا، للمطالبة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي فحسب، بل لفتحه الباب على مصراعيه أمام الحركات الانفصالية – المسلحة حتى عهد قريب - لتكرار مطالبها بالاستقلال من خلال عمليات استفتاء مماثلة، ابتداء من إقليم الباسك في إسبانيا، وليس انتهاء بإيرلندا، فما إن أعلنت نتائج الاستفتاء حتى بدأ اليمين المتطرف في فرنسا وهولندا بالدعوة إلى استفتاء على العضوية في الاتحاد الأوروبي أسوة ببريطانيا، وهذا مؤداه أن الدول الأوروبية مرشحة للانقسام عوضا عن الاتحاد، وهذا يعني أيضا أن كأس سم التقسيم والفيدرالية والكونفدرالية الذي يسوقه الغرب لمنطقة الربيع العربي من المحتمل أن يتجرعه هو قبلها، من قبيل "طابخ السم آكله".
كان على رأس المطالبين بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حزب الاستقلال البريطاني، وعدد كبير من النواب في مجلس العموم البريطاني عن حزب المحافظين وحزب العمال أيضا. كما أن هناك خمسة وزراء طالبوا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
مقابل ذلك دعم كل من حزب العمال والحزب القومي الإسكتلندي وحزب الليبراليين الديمقراطيين حملة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
يذهب كثير المحللين السياسيين إلى أن ديفيد كاميرون نجح في قلب الطاولة على خصمه بوريس جونسون، حيث الاستفتاء ليس ملزم قانونيًا، لكن السياسيين الذين لا يلتزمون بها سيدفعون ثمنا باهظًا، لذلك فإن كاميرون بدل أن يبلغ الاتحاد الأوروبي برغبة بلاده بالخروج من الاتحاد بناء على نتائج الاستفتاء، وهو ما تنص عليه المادة 50 من ميثاق الاتحاد، فقد ترك هذه المهمة لمن سيخلفه في رئاسة الوزراء، أي أنه ألقى كرة النار إلى الطرف المقابل، الذي عليه أن يتحمل جميع التكاليف والتبعات المالية والقانونية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.
من جهتهم فإن قادة حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي كانوا يعتقدون بأن كاميرون سوف يبلغ الاتحاد الأوروبي بطلب الخروج الرسمي ثم يسلمهم الراية. لكن كاميرون – بحسب الغارديان - أطاح سلفا بخصومه السياسيين وأنهى حياتهم السياسية معه، وأبرزهم بوريس جونسون وأقرانه، حيث وضعهم أمام خيارات صعبة، فإما أن يقبلوا بنتائج الاستفتاء فيدخلوا البلاد في أزمات اقتصادية ربما تؤدي إلى تفكيكها، وإما الا يلتزموا بنتيجة الاستفتاء وعندها سيظهرون بمظهر الانتهازي المخادع الذي لا يؤمن بما دعا إليه.
كاميرون قال في تصريح صحفي له بعد إعلان نتيجة الاستفتاء: "ليس من الضروري أن أعلن اليوم تواريخ محددة، ولكن علينا أن نسعى لاختيار رئيس وزراء جديد، في مؤتمر حزب المحافظين الذي سيعقد في أكتوبر/ تشرين أول المقبل".
ما هو الاتحاد الأوروبي؟
الاتحاد الأوروبي هو مجموعة من 28 دولة أوروبية، وقد نشأ بعد الحرب العالمية الثانية في شكل اتحاد اقتصادي وتجاري مبني على فكرة أن الدول التي تتعاون اقتصاديا تقلل من فرص دخولها في الصراعات المسلحة.
وتطور الاتحاد الأوروبي ليتحول إلى سوق أوروبية مشتركة ككيان سياسي، وبعد أن دخلت العملة الموحدة اليورو حيز التنفيذ، وحلت محل العملات المحلية في أغلب بلدانه، أخذ الاتحاد الأوروبي بعدا آخر فأصبح له برلمان ومحاكم، وسياسة خارجية موحدة.
استياء دول الاتحاد الأوربي من نتيجة الاستفتاء
لم يخف قادة الاتحاد الأوروبي قلقهم واستياءهم من نتيجة استفتاء بريطانيا، حينما طالبوا وضع قرار الخروج من الاتحاد حيز التنفيذ فورا، في إشارة إلى انزعاجهم من نتائج التصويت، مشيرين إلى عدم وجود نية لعقد أي محادثات جديدة معها للبقاء فيه.
وقال قادة الاتحاد في بيان لهم، إنهم حزينون من نتائج الاستفتاء لكنهم يحترمونها بذات الوقت. وقالوا في بيانهم: "بالرغم من كون هذه العملية مؤلمة، فإننا ننتظر من حكومة المملكة المتحدة، تسريع تطبيق قرار الشعب، وأي تأخير من شأنه أن يزيد من حالة الغموض".
تركيا واستفتاء بريطانيا
الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" هنأ الشعب البريطاني على قراره، مؤكدا أن على الجميع احترام العملية الديمقراطية والإرادة الوطنية الحرة للشعب البريطاني، مضيفا أنّ مرحلة جديدة تنتظر الاتحاد الأوروبي، عقب تصويت الشعب البريطاني لصالح قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتمنى أردوغان أن يعود هذا القرار بالخير على الشعب البريطاني، مشيرًا إلى أنّ ازدواجية المعايير التي يتبعها الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا، ستظهر بشكل أوضح بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد.
أردوغان لم يفوت الفرصة للرد على تصريحات رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" الذي قال في وقت سابق أن تركيا لا تستطيع الانضمام إلى الاتحاد قبل عام 3000، ليرد قائلا: "الذين كانوا يدعون بأنّ أنقرة لن تتمكن من الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي حتى عام 3000، نراهم لم يستطيعوا الصمود 3 أيام".
العلاقات الأوربية التركية بعد استفتاء بريطانيا
تعتبر أوروبا مشروعًا حضاريًا بالنسبة لتركيا، وبالتالي فإن الدخول في الاتحاد الأوروبي ليس هدفا بحد ذاته، بل هو وسيلة للحاق بركب التطور والحضارة الحديثة، لذلك نجد هناك صبر وإصرار على البقاء تحت المظلة الأوروبية رغم العراقيل والمعوقات، سواء من خلال حلف الناتو، أو من خلال المحافظة على شعرة معاوية في مسيرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وما عدا شريحة صغيرة، فإن غالبية الرأي العام في تركيا ترى أن الأوروبيين ليسوا صادقين مع الأتراك في عضوية الاتحاد، بل يماطلون ويستخدمون ازدواجية في المعايير بخصوص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولعل خير شاهد على ذلك تصريحات ديفيد كاميرون، الذي قال قبل عام إن أوروبا ستكون قوية وعلى أكثر من صعيد بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لكن وجدناه يوم أمس يصرح بعكس ذلك تماما، عندما بأن تركيا تحتاج ألف عام لتدخل الاتحاد الأوروبي.
تبدو أوروبا الآن بحاجة إلى تركيا أكثر من حاجة تركيا لأوروبا، خصوصا بعد أن دق استفتاء بريطانيا ناقوس الخطر، وبدأت الشكوك تحوم حول امكانية استمرار الاتحاد الأوروبي وحفاظه على كيانه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس