جلال سلمي - خاص ترك برس
احتمال قبول تركيا لذلك العرض في الوقت الراهن ووفقًا للظروف المحيطة كبير جدًا، ولا يلوح في الأفق ما يمنع تركيا عن استغلال هذه الفرصة التي ستسرع حل الأزمة السورية وستوسع نطاق تأثير تركيا على مجريات الحل الخاصة بالقضية السورية.
ليست إمكانية تسريع حل القضية السورية فقط هي العامل الذي سيلعب دورًا في إقناع تركيا بقبول عرض أوباما، بل أن رفع شأن الهوية التركية على الساحة الدولية وشخصية أردوغان القيادية والرغبة في وقاية نفسها من هجمات داعش بشكل كامل وإضفاء المزيد من الشرعية على تحركها في سوريا ستكون عوامل أخرى تحفز تركيا على القبول بمثل هذه الفرصة التي يمكن تقييمها على أنها ذهبية.
دوافع وحوافز لقبول تركيا بعرض أوباما للعمل المشترك على تحرير الرقة
ـ الحصول على كلمة أكبر في حل الأزمة السورية: الحرب السورية هي حرب جيوسياسية قبل كل شيء، فتلك الدولة ترغب في الحفاظ على وجودها الجغرافي السياسي العسكري في الدولة الحليفة الوحيدة لها في الشرق الأوسط، والأخرى تريد نشر تغلغلها المذهبي، وتلك ترمي إلى فتح منفذ لها في سوريا من خلال القوات الكردية بعد الانتظار طويلًا لفرصة سانحة، أما تركيا فتتخوف من جميع هذه الأهداف التي تؤثر على أمنها واستقرارها الاستراتيجيين بشكل واضح، لذا تسعى لكسب أكبر قدر ممكن من بيادق شطرنج اللعبة السورية، لتحريكها وفقًا لمصالحها. هذا العرض سينولها مبتغاها وسياسهم في كسبها ورقة ضغط قوية على الولايات الأمريكية المتحدة والعناصر الأخرى لتعجيل حل الأزمة السورية وفقًا لرؤية مشتركة تجميع جميع الأطراف الفاعلة في سوريا.
ـ الارتقاء بالهوية التركية: تسير السياسة الخارجية التركية ضمن إطار نظريات عودة "العظمة" لتركيا الوريث التاريخي للدولة العثمانية. تم تسطير هذه النظرية في إطار النظرية البنائية "Constructivism theory" التي تقضي بأن نوعية الهوية الدبلوماسية والثقافية والحضارية للدولة هي التي تحدد موقعها على الساحة الدولية، فكلما كانت نشطة دبلوماسيًا وفاعلة ثقافيًا وذات هوية حضارية تاريخية تليدة راسخة كان لها اعتبار أكبر على الساحة الدولية. تركيا تسعى للظفر بهذه الهوية مفتخرةً بتاريخها العثماني القديم، وتدخلها العسكري باتجاه الرقة وفي هذا التوقيت بالذات سيكون له وزنه الثقيل على مبتغاها.
ـ المثالية القانونية والإنسانية: تحظى المثالية التي تدعو للسلام وحفظ حقوق الإنسان ووحدة أراضي الدول المجاورة بنصيب كبير من خطط الحكومة التركية التي تولي أيضًا نظريات المدرسة الإنجليزية الداعمة لفكرة "التدخل الإنساني" بدافع أمني تعاوني وآخر حقوقي، أهمية عالية.
ـ العامل الفردي "أردوغان": يتحلى أردوغان بشخصية سياسية مغامرة وحذرة في آن واحد. بحسب النظرية الواقعية الجديد، التي تنص على أن الفرد له أثر كبير في مسار الأنشطة السياسية على الساحة الدولية على العكس من النظرية الواقعية التي تنفي الفرد وأفكاره، وبحسب النظرية السلوكية الإدارية والسياسية والنفسية، فإن الدوافع الشخصية الداخلية لأردوغان، والتي تُظهره على أنه يرغب دوما ً في استغلال الفرص التي تسنح أمامه بشكل براغماتي ومُغامر، سترفع من احتمالية قبول تركيا لهذا العرض.
ـ التخلص من الخطر الداعشي: تتمركز داعش في الموصل والرقة بشكل أساسي، وعرض الولايات الأمريكية المتحدة عرض على تركيا للتعاون في القضاء على داعش في الرقة ومن ثم الموصل يصب في الصالح التركي، حيث ستنعم تركيا بالقضاء أو إضعاف وتيرة الخطر الإرهابي لداعش وستحظى بتخليص الموصل التي تشكل بوابتها الاقتصادية الأساسية للشرق الأوسط، ولا يساور أحد الشك في أن هاتين الورقتين جاذبتين جدا ً لتركيا التي تضررت كثيرا ً من التهديد الداعشي.
ـ إضفاء المزيد من الشرعية: تشرع المادة 51 في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حق الدول، فرادى وجمعات، في الدفاع عن نفسها ضد أي خطر رسمي أو غير رسمي خارج حدودها، وقد تحركت تركيا وفقا ً لهذه المادة، ومع تحرك الولايات الأمريكية المتحدة بشكل مشترك إلى جانبها، فإنها ستعزز اعتمادها على القانون الدولي وستحظى بغطاء ودعم دوليين واسعين، وهذا من صالحها الدبلوماسي والسياسي والأمني والإعلامي.
مخاطر التحرك في إطار العرض الأمريكي
بالرغم من الميزات التي يوفرها العرض الأمريكي، إلا أن التحركات السياسية سيف ذو حدين لا تخلو من المثالب أيضًا.
قد تواجه تركيا ثلة من المخاطر إذا قبلت بالعرض الأمريكي؛ مثل:
ـ الفخ الأمريكي: قد يكون هذا العرض هو بمثابة فخ أمريكي للفت تركيا عن منبج التي تخضع لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي "البي ي دي"، أو قد يكون محاولة منها لإنهاك تركيا في تحركها أو غمرها بوحل الأزمة السورية ومن ثم التخلي عنها مما يؤدي إلى الانقلاب على عقبيها دون تحصيل أي فائدة، لذا لا بد من الحذر الاستخباراتي والتكتيكي الشديد من قبل تركيا.
ـ الخطر الداعشي: استهدفت داعش تركيا أكثر من مرة كردة فعل لاستهداف تركيا بعض أهدافها وتحركاتها في سوريا. امتداد عملية درع الفرات قد يعرض تركيا التي ما زالت تعاني من هزة أمنية نتيجة محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو الفاشلة، بعضًا من هجمات داعش الإرهابية، وهذا ما يستدعي تأمين الجبهة الداخلية بشكل حذر وصارم.
كفة المميزات تطغى على كفة المخاطر، ولكن في ظل حالة عدم الاستقرار الموجودة داخل الجيش التركي الذي تعرض لهزة شديدة قبل بضعة أسابيع وفي ضوء احتمال مواجهتها لاعتراض روسي إيراني، "قد" توافق تركيا على العرض ولكن بعدد محدود وعدة محصورة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس