جلال سلمي - خاص ترك برس
التقى زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المعارض "صلاح دميرطاش" بقادة إقليم كردستان العراق، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، وكان رئيس الإقليم "مسعود برزاني" وزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المعارض "جلال طالباني" من أبرز القادة الأكراد الذين التقى بهم دميرطاش الذي مكث في الإقليم لمدة يومين ومن ثم توجه إلى كركوك ملتقيًا بمحافظها، ومن المتوقع أنه حلّ ضيفًا على العاصمة بغداد أيضًا.
في الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو 2014، استطاع دميرطاش دمج الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني تحت سقف حزب سياسي واحد أُطلق عليه "حزب الشعوب الديمقراطي" الذي يديره داميرطاش بشكل مشترك مع "فيغان يوكسيك داغ".
تميّز دميرطاش بشخصية سياسية محنكة وذكية، وقد أثبت حنكته السياسية عندما استطاع إقناع ثلة كبيرة من الجناح "اليساري العلماني" المعارض لفكر حزب العدالة والتنمية بانتخاب حزبه الذي حصل على نسبة 13% بعدما كانت نسبة الأحزاب الكردية السابقة من الأصوات لا تتخطى 7%.
إن أسلوب التواصل السياسي الشمولي الذي ركن إليه أثناء الحملات الانتخابية، وذلك من خلال عزفه على وتر حقوق الإنسان والمواطن دون التركيز على الهوية وتأكيده على ضرورة كسر "الدكتاتورية" من خلال التلويح بشعار "لن نجعلك رئيسًا"، رفع هوية دميرطاش السياسية عاليًا وعاد على حزبه بمردود انتخابي وافر.
منذ توليه لمناصب سياسية هامة في الأحزاب الكردية اتّسمت علاقات دميرطاش بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا بالسخونة والاحتدام، كما أنه ألمح أكثر من مرة إلى عدالة الهجمات التي تقوم بها قوات حزب العمال الكردستاني التي تصفها الحكومة التركية بالإرهابية، بينما يصفها هو بأنها "قوات الثورة المحاربة من أجل الحرية والديمقراطية."
دفع دعم دميرطاش السياسي والإعلامي لقوات حزب العمال الكردستاني عددًا من المسؤولين والخبراء السياسين الأتراك إلى جانب بعض وسائل الإعلام التركية إلى وصفه بأنه زعيم حزب الجناح السياسي لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وقد سعى المسؤولون في ذلك الإطار إلى رفع الحصانة عن دميرطاش وبعض أعضاء حزبه البرلمانيين للمحاكمة بتهمة دعم الإرهاب سياسيًا ولوجستيًا كما أثبتت بعض كاميرات المراقبة التي التقطت تصويرًا للنائب عن الحزب "فيصل ساري يلديز" وهو يؤمن الأسلحة وينقلها لصالح عناصر حزب العمال الكردستاني، وهنا يمكن استنباط شواهد التعاون الوثيق بين حزبي الشعوب الديمقراطي والعمال الكردستاني.
لم يتوقف دعم حزب الشعوب الديمقراطي للعناصر الكردية المسلحة على الصعيد الداخلي، بل شمل الصعيد الإقليمي من خلال اتجاه دميرطاش نحو روسيا إبان الأزمة التركية الروسية، للمساهمة في إقناعها بفتح مكتب تمثيلي لحزب الاتحاد الديمقراطي، والاستفادة من تدهور العلاقات التركية الروسية لصالح توفير الدعم لحزب العمال الكردستاني.
ولعل تقييم زيارة دميرطاش للعراق الذي يشهد علاقات متوترة مع تركيا، على النسق ذاته للزيارة التي قام بها إلى روسيا لن يخرجنا عن نطاق الصواب.
من الممكن تقييم مساعي زيارة دميرطاش للعراق في عدة نقاط:
ـ مساومة زعيم إقليم كردستان:
بات من المعروف أن إقليم كردستان العراق يكابد وقائع اقتصادية خانقة لم يبرز لها مثيل من قبل، فالموظفون بدون رواتب والشباب بدون عمل والدخل النفطي متوقف والخزينة العمومية على شفا الانهيار، وفي ضوء انتهاء الولاية الرئاسية لبرزاني بتاريخ 20 آب/ أغسطس من العام المنصرم، فإن جميع العوامل المذكورة تنذر ببوادر انتفاض شعبي عارم.
وفي خضم ما يمر به الإقليم من الأزمات، سعى دميرطاش على الأرجح إلى مساومة زعيم الإقليم على غض الطرف عن عناصر حزب العمال الكردستاني والكف عن مهاجمتهم إعلاميًا بين الفينة والأخرى مقابل تفعيل عمليات دعمه الشعبية وحتى دعمه ماديًا من خلال توفير دعم من إيران التي تسلك كل السبل من أجل الحصول على فرصة للتغلغل داخل الإقليم.
إن النهج الميكيافلي، الغاية تبرر الوسيلة، الماركسي الثوري الذي يسير عليه دميرطاش يفسح له المجال لمساومة أي طرف كان، فمن ساوم المواطن الكردي على انتخاب حزب الشعوب الديمقراطي أو الخراب لن يتورع عن مساومة زعيم سياسي. قد يكون لهذه المساومة بعض التأثير، ولكن ربما يكون لرفع تركيا وتيرة الدعم المادي والإداري والعسكري للإقليم دور في إفشال مسعى دميرطاش.
ـ كسب كافة الأطراف:
لم يقتصر دميرطاش على مقابلة برزاني، بل قابل زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني "جلال طالباني" أيضًا. الاتحاد الوطني الكردستاني هو المنافس السياسي الأول لحزب برزاني السياسي، وهنا يكشف دميرطاش عن وجهته "البراغماتية"، سياسة المصالح لا المبادئ، حيث سعى إلى توثيق رباط العلاقات مع جميع الأطراف السياسية في كردستان العراق، لكسب دعمهم جميعًا، بصرف النظر عن فكرهم أو نهجهم.
ـ كسب دعم الحكومة العراقية:
بدأ دميرطاش زيارته لبغداد من كركوك التي لطالما حاولت تركيا ضمها لحدودها القومية في السابق. اختيار دميرطاش لمدينة كركوك يدل على دعمه الكبير للرؤية العراقية في الحق التاريخي فيها وفي مدينة الموصل.
أبدت الخارجية العراقية قلقها الواضح إزاء أي دخول للقوات التركية في العراق، خشية ضمها للموصل وكركوك، وقصد دميرطاش العزف على هذا الوتر في مؤتمره مع محافظ كركوك، ملمّحًا إلى دعم وحدة العراق، أي دعم أحقية العراق في المدينتين، وهنا برزت براعة التواصل السياسي لدميرطاش مع براعته الدبلوماسية في تملق عواطف الحكومة العراقية، بهدف تضخيم تدهور العلاقات بينها وبين تركيا.
ـ تضخيم تدهور العلاقات بين البلدين:
المنظمات الإرهابية تمول نفسها من خلال وسيلتين؛ الوسيلة الأولى المؤسسات الخاصة، والوسيلة الثانية دعم الدول المعادية للدولة التي تحاربها. يجمع العراق وتركيا نوعًا من التدهور الملموس في العلاقات نتيجة محاولة تركيا لعب دور أساسي في عملية تحرير الموصل.
إن مما لا شك فيه أن استمرار التدهور بين الطرفين يصب في صالح حزب الشعوب الديمقراطي وبالتالي في صالح حزب العمال الكردستاني بشكل كبير، فهكذا مول الحزب نفسه لسنوات طويلة من خلال استغلال تدهور العلاقات التركية السورية، وبرهن دميرطاش مسعى منظمته في استغلال ذلك، من خلال انطلاقه نحو روسيا عقب نشوب الأزمة التركية الروسية بأيام قلائل.
أثبت حزب الشعوب الديمقراطي دعمه السياسي المفتوح لحزب العمال الكردستاني في أكثر من مناسبة، وعلى الأرجح فإن تحركه السياسي الخارجي سيتمحور حول صب الفائدة الدبلوماسية والمادية على حزب العمال الكردستاني، وشُهد له في زيارته لروسيا، إذ أعقبها فتح ممثلية لحزب الاتحاد الديمقراطي ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، والمنتظر الآن هو نوعية الفائدة التي سيعود بها على حزب العمال الكردستاني عشية زيارته لبغداد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس