أيجاز زاكا سيد - سعودي جازيت - ترجمة وتحرير ترك برس
خلال زيارتنا الأخيرة لتركيا في خريف عام 2013 قضينا أقل من أسبوع في مدينة إسطنبول. ويصعب وصف شعور المرء عن تجربة الحياة في هذه المدينة ما لم تجربوها بأنفسكم، فإسطنبول لها سحر مغناطيسي ودفء يجعل الغرباء يقعون في حبها، ويشعرون أنهم في ديارهم. ليست إسطنبول أو القسطنطينية مجرد رابط بين آسيا وأوروبا أوبين البحر الأسود ببحر مرمرة عبر مضيق البوسفور، لكنها كانت على مدى قرون مسرحا لتزاوج حضارتين عظيمتين.
ومثلما وصف حميد دباشي إسطنبول ببراعة حين قال إن الطبيعة الشاملة التي تتسم بها المدينة وخاصيتها الكونية العالمية وتميزها عن جميع المدن الحديثة عموما هي ما استهدفه المعتدون على ملهى رينا الليلي في ليلة رأس السنة .
جاء معظم المحتفلين الذين تجمعوا للاحتفال بالعام الجديد مع أصدقائهم الأتراك من مختلف أنخاء الشرق الأوسط ومن جميع أنحاء العالم، ومنهم من جاء من مناطق بعيدة مثل الهند، ولم يكن احتفالهم بهذا " العيد الوثني"، على حد وصف داعش تجار الكراهية، سوى تعبير عن التحرر من أفكار الشرق والغرب والصراع الحضاري ومواجهة النظرة الضيقة للمتعصبين.
لم يكن احتفال هؤلاء بعيد رأس السنة المسيحي هو ما جعل منهم هدفا محتملا للإرهابيين، لأن إسطنبول وتركيا نفسها بمزيجها الفريد من الكونية والتسامح جعل منها هدفا للمتعصبين.
هذا الهجوم، كما يقول دباشي، كان هجوما على ثقافة التسامح وعلى التعددية الفعلية في البلاد الإسلامية ممثلة في إسطنبول. امتدت الإمبراطورية العثمانية الواسعة من من القوقاز في أوروبا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ووسط آسيا، ورحبت وآوت اليهود عندما كانوا يصطادون كالحيوانات في أوروبا، كما شهدت على مدى قرون طويلة ازدهار المجتمعات المسيحية والزراديشتية والبوذية والهندوسية قبل أن تنهار الإمبراطورية خلال الحرب العالمية الأولى .
وكما يقول دباشي فقد عاش المسلمون جنبا إلى جنب مع أتباع الديانات الأخرى في الإمبراطوريات العباسية والسلجوقية والعثمانية والصفوية والمغولية، وقبل اصطدامها مع الإمبريالية الأوروبية، كانت إسطنبول تمثل مركزا ثقافيا عالميا. فكيف يمكن إذن اتهام هذه الإمبراطورية العالمية بالتعصب قصير النظر إلى طائفة معينة ؟
ليس تسامح تركيا وطبيعتها المضيافة فقط هو ما يتعرض للهجوم، ذلك أن تركيا فتحت حدودها على مدى السنوات الخمس الماضية لضيافة أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وانحازت باستمرار إلى جانب الشعب السوري المظلوم ضد النظام البعثي في دمشق ما جعلها هدفا للإرهاب. استغل الإرهابيون من مختلف أنحاء العالم والمتمردون الأكراد وقوات النظام السوري حدود تركيا المفتوجة لتوجيه الضربات إليها.
كان اعتداء رأس السنة واحدا من عشرات الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا خلال العام الماضي التي أوقعت مئات الضحايا، فضلا عن الأثر المدمر الذي ألحقته بقطاع السياحة المهم والاقتصاد التركي النابض. وهكذا تجد تركيا نفسها في عين العاصفة.
والأكثر من ذلك أن تركيا تعزل بشكل متزايد عن حلفائها الغربيين وحلف الناتو بعد الاتهامات المبطنة التي وجهها الرئيس، رجب طيب أردوغان، للغرب في الآونة الأخيرة بمباركة محاولة الانقلاب العسكري، كما اتهم واشنطون بدعم فتح الله غولن، رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة والمتهم بتدبير الانقلاب.
تتهم أنقرة أيضا الولايات المتحدة بتسليح المقاتلين الأكراد ودعمهم، ودعم إرهابيي داعش في سوريا وفي المناطق الحدودية مع تركيا، وهو اتهام خطير إن صح، كما كانت هناك تلميحات بأن السفارة الأمريكية في أنقرة كان لديها معلومات استخباراتية حول هجوم ليلة رأس السنة لكنها لم تشاركها مع الدولة المضيفة.
لا غرابة إذن في استياء أردوغان الذي تحدث بغضب مذكرا الولايات المتحدة والأصدقاء الأوروبيين والحلفاء بأن تركيا بوصفها عضوا في الناتو تستحق الدعم وليس الإرهابيين، وفي الوقت نفسه حسن أردوغان المعادلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو ما ساعد في عملهما معا على وقف إطلاق النار في سوريا رغم دعمهما للجانبين المتحاربين على مدى سنوات.
ما يجعل تركيا عرضة للحرب الإرهابية ووضعها في الخط الأمامي هو حربها على داعش التي شنتها في العمق السوري. وحسبما تنقل تقارير مستقلة عن منشقين عن داعش فإن هجوم إسطنبول هو إعلان للحرب على الدولة التركية من قبل داعش. وتعلل داعش شن هذه الحرب وفقا لما جاء في إعلانها تبني الهجوم على ملهى رينا إلى أن تركيا " حامية الصليب".
وفي الوقت الذي يتركز فيه الاهتمام الغربي على الهجمات في أوربا وعلى هشاشة وضعها الأمني، وقعت اسوأ الأعمال الإرهابية في تركيا بينما يشن الجيش النركي عملية كبيرة ضد داعش في سوريا وقتل 16 جنديا تركيا على أعتاب مدينة الباب . ويبدو أن داعش مصمم على رد الضربة، وعلى مدى الأشهر الماضية اعترضت تركيا تدفق كثير من مقاتلي داعش الذين حاولوا دخولها عبر الحدود السورية بكميات ضخمة من الأسلحة .
بينما تخوض داعش معركة البقاء في الموصل في العراق وفي عاصمتها المزعومة في مدينة الرقة السورية، تصب جام غضبها على تركيا التي تصفها بأنها " البلد المسلم الذي تحالف مع الأمريكيين والروس، وقال أحد المنشقين عن داعش لصحيفة الإندبدنت إن التنظيم أعلن حربا مفتوحة على تركيا.
لا يمكن لتركيا أن تخسر هذه الحرب على الرغم من اللامبالاة التي أبدتها العواصم الغربية تجاه المذبحة التي وقعت في إسطنبول، ما دفع روبرت فيسك المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إلى وصف رد الفعل الغربي بالعنصري. وأخيرا على الذين يستمتعون بمشاكل أنقرة أن لا ينسوا أنها تحارب نيابة عنهم ، فهذه حرب الجميع، وإذا سقطت تركيا، فلن يربحوا أيضا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس