ترك برس
رأى الباحث والكاتب الفلسطيني أسامة مصالحة، أن هناك "مناطق رمادية" تمنع تركيا من رفع مستوى علاقاتها مع روسيا إلى مستوى التحالف الاستراتيجي.
وفي مقال له بصحيفة "الحياة" اللندنية، قال مصالحة إن من تلك المناطق الرمادية "الملف السوري الحارق"، و"المسألة الكردية المدمرة"، و"النظام الإقليمي وبنيته وتوازناته".
تُضاف إلى ذلك طموحات تركيا السياسية في المناطق المحيطة وتلك "النزعة الطورانية" الداعية إلى ضم الشعوب الناطقة بالتركية في كازاخستان وقيرغيستان وتركمانستان وأوزبكستان وتتار جزيرة القرم، وهي الدول التي تتمتع فيها روسيا بنفوذ عسكري وسياسي فريد بعدما غيرت خريطتها الديموغرافية في الزمن السوفياتي.
واعتبر مصالحة أن روسيا لم تعد "قلعة الشيوعية"، كما كانت من قبل، وليس في وسع تركيا أن تظل "قاعدة أطلسية" الى اﻷبد، مبينًا أن المبادئ والتحالفات والمصالح والتوجهات تتغير، بل إن هناك في الغرب من بات يطلق تعبير "الإمبرياليات الجديدة" على كليهما.
وأشار إلى أن الغرب يطالب بتوسيع مدى العقوبات الاقتصادية على روسيا وتطبيق عقوبة إسقاط الترشح لعضوية الاتحاد اﻷوروبي على تركيا، استناداً إلى قناعة مفادها أن ثمة مؤشرات تفيد ببدء تبلور "تعاون استراتيجي" بين القوتين الصاعدتين، تعاون قد يرتقي إلى مستوى التحالف.
وبحسب مصالحة، فإن "ممرّ الطاقة"، في نظر هؤلاء، هو كلمة السر والقاعدة والنواة الصلبة في هذا التعاون المزعوم، و"الممر" المذكور، أو "السيل الجنوبي"، عبارة عن شبكة عملاقة من خطوط أنابيب الغاز تضم القوقاز وآسيا الوسطى وتربط الصين بشرق البحر اﻷبيض المتوسط عبر تركيا.
وإلى جانب الطاقة، يرى هؤلاء أن التجارة تلعب دوراً حيوياً في هذا التعاون بين القوتين، إذ تستورد تركيا ستين في المئة من حاجتها إلى الغاز من روسيا، ويقترب حجم الميزان التجاري بين البلدين إلى حدود الثلاثين بليون دولار. هذا كله من دون ذكر المشروع الروسي لبناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا هي محطة أكويو.
وأضاف: "إذا كانت ’السياسة اقتصاداً مكثفاً‘، فإن حجم هذه المصالح الاقتصادية الضخمة يدفع بتركيا، أكثر فأكثر، إلى التوقف عن لعب دور ’القاعدة الأطلسية‘ الملحقة بالغرب والمُعادية لروسيا.
لهذا لم تجد ’تركيا الجديدة‘ نفسها ملزمة بالتناغم مع استراتيجية الحلف الأطلسي الجديدة الداعية إلى مواجهة "غزو روسي محتمل لأوروبا"، وهي رفضت، ولا تزال، الالتزام بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا إثر الأزمة الأوكرانية".
وتابع المقال.. إذا كانت الرؤية الروسية لهذا التعاون لا تحتاج إلى تحليل، كونها تستند إلى سياسة براغماتية صرفة وتشتغل على خلق اختراقات داخل منظومة حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فإن الرؤية التركية تحتاج إلى بعض التوضيح:
وفق قواعد اللعبة الجديدة، التي صممها حزب العدالة والتنمية، لن تقبل تركيا بلعب دور الوكيل لسياسات الغرب واستراتيجيته إلى ما لا نهاية. فلتركيا، في نظر الحزب، ماضٍ تليد يتمثل بالإرثٍ العثماني.
ولقد كان الغرب بالذات هو من قطع أوصال الإمبراطورية عندما أبرم الصفقات السرية التي أدت إلى تقسيمها وانهيارها. وصفقة سايكس - بيكو - سازانوف، أو اتفاق آسيا الوسطى، كانت واحدة من أكثر تلك الصفقات ضرراً بالمصالح الحيوية لتركيا.
إعادة تصويب مسار التاريخ، على ما يعتقد حزب العدالة، إذاً، هي المهمة الكبرى التي يعتقد أنه يجب على تركيا الجديدة إنجازها. وتتمثل هذه المهمة بإعاده بناء مجد الإمبراطورية العثمانية، التي لن تكون إعادة بناء مجدها ممكنةً عبر توسل عضوية اتحاد أوروبي متهاو تعصف به اﻷزمات من كل جانب.
عندما صرح الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، قبل فترة، أنه يجب إبعاد "اللورنسات العرب" الجدد من المنطقة، كان كمن يحيل إلى ذاكرة قديمة، تستحضر "الخيانة" التي تعرضت لها الدولة العثمانية من طرف الغرب ويحذر من إعادة تكرارها. في هذا، هو يتقدم خطوات باتجاه روسيا، لكنه يبتعد أميالاً من الاتحاد الأوروبي.
هذا من جهة، طوّقت روسيا تركيا بالقواعد العسكرية الاستراتيجية من كل الاتجاهات: وجود عسكري روسي في قاعدة حميميم في اللاذقية، وقاعدة غيماري الأرمنية اللصيقة بالحدود التركية مع أرمينيا، وقاعدة همذان في إيران، وقاعدة غوداوتا في أبخازيا الجنوبية في جورجيا، وأسطول البحر الأسود في البحر الأسود، وغواصات نووية في البحر الأبيض المتوسط.
وكمن يمشي على حبل مشدود بين جبلين مرتفعين وتحته وادٍ سحيق، تترنح السياسة التركية، فإذا مالت باتجاه روسيا كثيراً واجهت خطراً محدقاً على مصالحها من طرف الاتحاد الأوروبي وأميركا، وإذا مالت باتجاه الاتحاد الأوروبي أكثر واجهت خطراً محدقاً على مصالحها من طرف روسيا.
لهذا كله ستظل علاقات تركيا بروسيا، كما هي حالياً مع أوروبا وأميركا، تتعرض للرد والأخذ، وللجذب والنبذ حتى إشعار آخر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!