خليل المقداد - ترك برس
ليس من عادة المسؤولين السياسيين العرب إعطاء الكثير من التصريحات الخاصة ولا إجراء المقابلات المتلفزة، فكيف بالعسكريين الذين لا نكاد نراهم أو نسمع عنهم إلا ما ندر؟ رئيس هيئة الأركان الأردني وقبل أسابيع قليلة، كسر هذه القاعدة عندما أجرى مقابلة خاصة مع محطة عالمية هي "بي بي سي" العربية، حيث خصص المقابلة ليبعث برسائل سياسية وعسكرية وفي أكثر من اتجاه.
مقابلة الجنرال الأردني بتاريخ 30\12\2016 أتت بعد عدة أحداث محلية وإقليمية ودولية هامة، فمحلياً كانت عملية الكرك التي خلفت عشرة قتلى، أما إقليميا فكان سقوط حلب المدوي، ودولياً أتت بعيد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عبر الفريق الركن "محمود فريحات" حينها عن مخاوف الأردن من تمدد الميليشيات الشيعية وعدم قبول الأردن بوصولها إلى حدوده عبر سورية، لكنه أيضاً عكس قلقا داخلياً عميقاً، مرده الفوضى الحاصلة في العراق وسورية، والخوف من تأثيرها على الداخل الأردني، لكنه حرص على تأكيد أن الأردن لايزال يعترف بشرعية النظام السوري ولا يعترف بأي من فصائل المعارضة، وأن الحدود مع سورية مغلقة ولن تفتح إلا بالتنسيق مع جهة رسمية، وأن أي تدخل عسكري أردني كان فقط بهدف قتال التنظيمات المتشددة حفاظاً على أمن الأردن، بل إنه قد ذهب في حديثة وتطميناته حداً أبعد من ذلك حين قال إن الأردن قد درب فصائل سورية من ضمنها "جيش العشائر" من أجل قتال تنظيم داعش وليس نظام الأسد.
حالة الغزل المتبادل بين الأردن ونظام الأسد، وخاصة من طرف الأردن لم تقتصر على تصريحات الفريق فريحات، بل شملت الكثير من المسؤولين الأردنيين كان أخرهم وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة "محمد المومني" الذي صرح بتاريخ 5 يناير/ كانون الثاني الجاري، أن علاقات بلاده الدبلوماسية مع سورية مستمرة منذ بداية الأزمة، وأن سفارات البلدين لازالت تعمل، كما أكد على أن الأردن إستثنى نفسه من قرار تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية.
كان من الواضح أن مجرد ظهور الجنرال الأردني على وسائل الإعلام يعتبر مقدمة لتطورات وأحداث مستقبلية يجري التحضير لها، وهو ما يمكن إعتباره تماهياً مع سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة، التي وضعت مسألة الحرب على تنظيم داعش على رأس أولوياتها، وبدأت بالفعل العمل على تشكيل تحالف عسكري ضد التنظيم في كل من سورية والعراق، وهو ما يمكن ربطه مع إعلان الأردن عن إستهداف مواقع لجيش خالد بن الوليد في منطقة حوض اليرموك جنوب سورية.
توقيت العملية العسكرية الأردنية، جاء بعد زيارة ملك الأردن لروسيا وأثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، ما يعني أن الأردن قد حصل على ضوء أمريكي – روسي وإسرائيلي أخضر، خاصة بعد زيارة وفد عسكري يتبع نظام الأسد للعاصمة الأردنية وإجتماعه بقيادات عسكرية بحسب صحيفة "رأي اليوم" الأردنية التي نشرت خبر الزيارة بتاريخ 26 كانون الثاني \ يناير من هذا العام، وأكدت حسب مصادرها أن الوفدين وخلال الاجتماع كانا على إتصال دائم مع خبراء روس وأمريكيين!
التنسيق الأردني الروسي في أفضل حالاته، ويعتبر إنعكاساً لإجتماع موسكو الرباعي الذي ضم قادة كل من روسيا ومصر والأردن والإمارات أواخر الشهر الثامن من العام 2015، والذي أحدث تحولات جذرية في مسار الأزمة السورية، ليس أقله إدخال الجبهة الجنوبية في حالة من السبات العسكري، من خلال هدنة غير معلنة بين فصائل المعارضة ونظام الأسد، بل ورسم خطة منع سقوط نظام الأسد وتعزيز قوته، وهو ما أكده التدخل العسكري الروسي بعد شهر من هذه القمة، وبالتالي فإن هذا التقارب والتنسيق كان يتم برعاية ومباركة روسية لجمت نظام الأسد عن القيام بأي فعل يضر بإستقرار الأردن.
أمريكياً، يعود السبب في إعتماد إدارة ترامب على الأردن شريكا في تنفيذ إستراتيجيتها في المنطقة، إلى الدور الذي يلعبه الأردن في المنطقة العربية عموماً وسورية خصوصاً، حيث يُحكِم الأردن قبضته على معظم كافة فصائل المعارضة السورية التي تتلقى دعمها من خلال غرفة العمليات الدولية التي تسمى "الموك"، إضافة إلى أن الأردن ومعه مصر، هما الدولتان العربيتان اللتان تقيمان علاقات دبلوماسية مع "الدولة العبرية" ووقعتا معها إتفاقات سلام، الأمر الذي يجعلهما مصدر ثقة وإطمئنان الدول العظمى، ما يؤهلهما للعب دور مميز في سورية والمنطقة.
قد لا تكون الضربة الجوية الأردنية ضد مواقع جيش خالد بن الوليد على علاقة مباشرة بمسألة المناطق السورية الأمنة التي يقترحها ترامب، لكنها وبكل تأكيد تدخل في إطار التمهيد لعمل ما، خاصة إذا ما شهدت المنطقة مزيداً من التصعيد العسكري، فقد بات واضحاً أن ترامب سيعتمد إعتمادا وثيقاً على تركيا والأردن وسيجعل منهما حجرا الرحى في حربه على تنظيم داعش، خاصة في ظل ما سرب عن أن الضربة الأردنية كانت دعماً لنظام الأسد.
الأردن اليوم يمسك بالعديد من الملفات الإقليمية، فهو يسيطر على فصائل المعارضة في الجنوب، ودخل على خط "المصالحة" في أستانا والتسوية في جنيف، ويستضيف مئات الألوف من اللاجئين السوريين، وهو كذلك وسيط مقبول فيما يسمى المصالحة العشائرية السنية – الشيعية في العراق، ويتمتع بعلاقة طيبة مع زعماء الأحزاب العراقية الشيعية الذين يزورون الأردن باستمرار، وله ضباط إرتباط عسكريون في غرف عمليات الموصل والرقة، وربما يكون له دور في معركة إستعادة مدينة تدمر من يد تنظيم داعش، الذي يواجه حرباً حقيقية أدت إلى تقلص رقعة الأرض التي يسيطر عليها في كل من العراق وسورية رغم قدرته الكبيرة على مباغتة أعداءه وفتح جبهات جديدة، إضافة لبروز لاعب جديد هو هيئة تحرير الشام، التي باتت ثاني أكبر وأقوى الفصائل الجهادية في سورية.
كل ما يحدث يؤشر إلى أننا مقبلون على مرحلة جديدة عنوانها، "تقسيم وعزل مناطقي" غير معلن، وإنشاء مناطق "لجوء وإحتواء" لاجئين، تشرف عليها تركيا شمالاً والأردن جنوباً، مع نفوذ إسرائيلي من خلال "العمل الإنساني" الذي تديره غرفة إرتباط ميدانية، فيما سيبقى الساحل مع دمشق وريفها وأجزاء من حمص وحماة بيد نظام الأسد بإنتظار نتائج الحرب في الرقة ودير الزور وتدمر، فهل حصل الأردن على الضوء الأخضر للإشراف على منطقة آمنة جنوب سورية؟ ربما، ولكن سيبقى هذا الأمر رهناً بمدى جدية الرئيس ترامب وقدرته على فرض مشروعه وإخراجه للعلن.
ما يعزز الرأي بقرب البدء بتنفيذ المشروع هو التوافق الدولي الإقليمي، وإستعداد عدد من الدول العربية الخليجية لتمويله، إضافة لما سرب عن إنجاز مشروع إدارة محلية لا مركزية في محافظة درعا، حيث نشرت بتاريخ 5\2\2017 وثائق أعدها أكاديميون وحقوقيون من درعا، تضع أسس وقواعد تنظم الجانب الإداري والخدمي والقضائي والقانوني والإعلامي والتعليمي والثقافي والديني في المحافظة، وذلك بهدف القضاء على حالة الفوضى والفلتان الأمني التي تعاني منها المناطق المحررة في درعا بحسب الوثيقة المؤلفة من 28 صفحة و48 مادة، فهكذا مشروع لا يمكن تطبيقه في ظل الفوضى الحاصلة ولابد له من قوة تفرضه على الأرض فتلزم الجميع به.
إن حديث المسؤولين الأردنيين عن تمدد الميليشيات الشيعية ورفض وصولها إلى حدود الأردن مع سورية مرده بالدرجة الأولى لخشية الأردن ليس من هذه الميليشيات بشكل مباشر، ولكن من التأثير الكبير الذي قد يحدثه تواجدها من تجييش للمحيط العربي السني، الذي لن يقبل أن يقف مكتوف الأيدي وهو يشاهد إيران وميليشياتها تبتلع المنطقة تحت شعار "الثأر لآل البيت" هذا الشعار الذي بات معروفاً أنه يعني "آل بيت كسرى"، وهو ما سيعني إنخراط الآلاف من السوريين والأردنيين والعرب في صفوف الفصائل الجهادية، الأمر الذي سيؤدي لتعزيز قوتها ونفوذها ليس في سورية والعراق فحسب وإنما في المنطقة ككل، وهو ما سيصعب مهمة الحرب عليها وقد ينقل الفوضى إلى آفاق جديدة وغير مسبوقة، فهل سيفعلها الأردن؟
مثلما أن كثير من السوريين ينظرون لأي تدخل أردني على أنه إحتلال، فإن شريحة أخرى سترحب بهكذا تدخل، سيلبي طموحات الأردن بلعب دور محوري في أزمات المنطقة، وهو ما يمكن أن يوفر له رافعة إقتصادية تسهم في إنعاش الإقتصاد المتهالك، وتوحد الشارع على مشروع مكافحة ما يسمى الإرهاب، لكن يبقى هذا الأمر سلاحاً دو حدين، فلكل شيئ ثمن، والنيران لا تشتعل وتمدد من تلقاء نفسها مالم تتوفر لها الشروط المطلوبة، وكذلك الحروب والفوضى تحتاج لمن هو مستعد لدفع تكلفتها فيطلق رصاصتها الأولى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس