إيرينا أليكسنيس - روسكايا فيسنا - ترجمة وتحرير ترك برس
تبدو العلاقات التركية الروسية الأكثر إثارة للجدل في العالم حيث تتسم بالودية والتعاون على المستوى الدبلوماسي. ويعمل قادة الدولتين على تكثيف التعاون الثنائي على جميع الأصعدة على الرغم من وجود بعض الاختلافات في وجهات النظر التركية والروسية حول بعض القضايا الشائكة والحساسة. والجدير بالذكر أن زيارة رجب طيب أردوغان إلى موسكو عززت الانطباع الذي يفضي بوجود بعض الغموض الذي يميز العلاقات الثنائية، فكيف يمكن تفسير ذلك؟
في الواقع، ساد الاختلاف في وجهات النظر العلاقات التركية الروسية منذ سنوات عديدة حتى بلغ في بعض الأحيان درجة من العداوة. لكن أخذت هذه العلاقة تتحسن تدريجيا خلال السنوات الأخيرة، إذ ساهمت زيارة أردوغان إلى روسيا فضلا عن النتائج التي تم التوصل إليها من خلال لقاء قادة الدولتين، في بث مشاعر التفاؤل لدى كل من أنقرة وموسكو بالإضافة إلى فتح آفاق عمل مشتركة.
خلال السادس عشر من شهر آذار/ مارس، عيّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سفيرا تركيا جديدا في روسيا وأعلن عن مزيد العمل من أجل تطبيع العلاقات الروسية التركية. في المقابل، وبالتزامن مع الخطابات المتفائلة والتوقعات التي تصبّ في خانة التعاون الايجابي، يتخذ الطرفان التركي والروسي قرارات من الصعب اعتبارها "ودية".
ومن بين هذه القرارات التي تتراوح بين التناقض والرغبة في تطبيع العلاقات الثنائية، نذكر:
- الموقف التركي من قضية شبه جزيرة القرم، إذ أن تركيا ترفض الاعتراف بشرعية ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وهو الموقف الذي أعلنت عنه في تشرين الأول/ أكتوبر من سنة 2016 عندما كانت العلاقات الروسية التركية في أسوأ حالاتها. ومن جهتها، تدعم تركيا وحدة وسيادة الأراضي الأوكرانية على الرغم من علاقات التطبيع التي تجمعها بروسيا.
- فرض تركيا لقيود على تصدير الحبوب الروسية.
ومع ذلك، من الخطأ اعتبار أن هذا النوع من القرارات نابع من الجانب التركي فقط، فروسيا تواصل هي الأخرى اتباع سياسة اللامبالاة فيما يتعلّق ببعض القضايا المهمة بالنسبة تركيا.
- يواصل فلاديمير بوتين تجاهل وعوده حول رفع الحظر المفروض على توظيف العمال الأتراك في روسيا بعد حادثة الطائرة الروسية، بالإضافة إلى موضوع المواطنين الأتراك من التأشيرة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المواضيع تُعدّ غاية في الأهمية بالنسبة لتركيا.
- رفع القيود على توريد بعض المواد الغذائية التركية.
- لا يمكن غض الطرف عن التطورات السلبية التي شهدتها تركيا في سوريا مؤخرا، إذ طالبت دمشق القوات التركية بمغادرة الأراضي السورية. بالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن القوات العسكرية التركية من تحقيق كافة أهدافها من عملية "درع الفرات"، كما لا يمكن تجاهل كم التناقض بين روسيا وتركيا فيما يتعلّق بالحرب السورية وقضية الأكراد.
ورغم كل ما ذكر آنفا، تحافظ العلاقات الثنائية على طابعها الودي. وفي هذا السياق، أعلنت السلطات الروسية والتركية أن إمكانية قيام تركيا بفرض قيود على تصدير الحبوب الروسية لن يؤثر على تطبيع العلاقات، إلا أنها، حسب الخبراء، تعد فعليا خطوة غير "ودية" من الجانب التركي واجهتها السلطات الروسية برد فعل هادئ.
وفي هذا الصدد يمكن طرح السؤال البديهي على غرار: ما طبيعة العلاقات الروسية التركية؟
أكدت السنوات الأخيرة أن روسيا وتركيا تعدّان على الصعيد السياسي منافسين جيوسياسين طبيعيين، لذلك من البديهي أن تواجه علاقتهما قائمة طويلة من العقبات فضلا عن الكثير من التعارض في مواقفهما. وبالتأكيد لا يمكن تجاهل التاريخ الروسي التركي الحافل بالحروب، فهل من الممكن التغلب عن هذا الكم الكبير من التناقضات دون استخدام القوة العسكرية؟
رغم التناقضات الحادة التي تميّز العلاقة بين روسيا وتركيا حول العديد من القضايا، إلا أن عليهما مواصلة الحوار وإيجاد لغة مشتركة والاستمرار في تطبيع العلاقات وتوطيدها، خاصة أن هناك بعض الدوافع التي تدفعهما لمواصلة الحوار وبذل كل الجهود الممكنة لعدم قطع العلاقات.
أولا، سيكون الصراع العسكري أو السياسي بين قوتين مهمتين على غرار روسيا وتركيا بمثابة "هبة من السماء" لعدد كبير من البلدان الفاعلة في البحر الأسود والشرق الأوسط. في المقابل، فإن أي مواجهة روسية –تركية ستؤدي إلى إضعاف كليهما.
ثانيا، على الرغم من تباين وجهات النظر بين روسيا وتركيا، إلا أن هناك العديد من المواضيع التي من شأنها أن تخدم المصالح المشتركة لكلا البلدين، على غرار التعاون في مجال الطاقة، خاصة وأن تركيا في حاجة لروسيا في هذا المجال. في المقابل، تبدو السوق التركية جذابة بالنسبة لروسيا.
والجدير بالذكر أنه خلال زيارة الرئيس التركي إلى موسكو، أخذت مسألة التعاون التركي الروسي في مجال الطاقة حيزا هاما من المحادثات، ووصف التعاون في هذا المجال "بالضروري" بالنسبة للدولتين.
وعموما، عند محاولة استخلاص النقاط الرئيسية التي تميز الوضع الجديد للعلاقات الروسية التركية، يمكن وصفها كالتالي:
- المحافظة على العلاقات الدبلوماسية في أحسن أحوالها.
- عدم تجاوز بعض "الخطوط الحمراء" من كلا الطرفين، وذلك بهدف تجنب انزلاق العلاقات الثنائية إلى "العصر الجليدي" من جديد ما من شأنها أن يعود بالنفع على أطراف أخرى.
- عدم تخلّي الطرفين عن المنافسة التقليدية والاختلاف حول بعض القضايا الدولية. باختص
ار، على الرغم من أن أي طرف من الأطراف لن يغيّر وجهات نظره مهما كانت مناقضة لمصالح الطرف الآخر، إلا أنه لا مجال للتراجع عن التعاون الثنائي.
قد تنمّ طبيعة هذه العلاقة عن ضعف الكرملين وإبراز الشخصية القيادية لدى أردوغان. لكن تحسين العلاقات مع تركيا التي تُعتبر قوة إقليمية هامة، يعد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لروسيا. وبالتالي، على كلا الطرفين مواصلة الحوار وعدم التراجع عن التعاون الثنائي مهما كانت الظروف، ومحاولة تحقيق التفاهم على الرغم من تباين وجهات النظر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس