جلال سلمي - خاص ترك برس
لم تعد ملامح ظاهرة اليمين المتطرف التي باتت تشكل رصيدًا ملحوظًا للمواد الإعلامية الخاصة بالحملات الانتخابية، مقتصرةً على هولندا، بل غدت ملموسة في أكثر من دولة أوروبية، ولم يعد الأمر يقتصر على الحكومات بل أضحى هناك تبني شعبي كبير للتيار، وفقًا لما يوضحه موقع الجزيرة باللغة التركية.
بعد احتدام الأزمة التركية الأوروبية، عادت وسائل الإعلام التركية والعالمية إلى توجيه تركيزها على ظاهرة تنامي الخطابات اليمينية الأوروبية التي ترتفع وتيرتها في بعض الأحيان إلى حد الوصول إلى "التطرف". وفي ضوء ذلك، يُطرح تساؤل حول مستقبل أوروبا التي لطالما وُصفت "بحصن الديمقراطية"، حيث يتساءل المتابعون: ما هي الأسباب التي أدت لظهور هذه الظاهرة في أوروبا، وهل سيبقى الأمر على ذلك، أم سيتراجع؟
تُجيب على هذا التساؤل الخبيرة في شؤون العلاقات الدولية الدكتورة الأكاديمية، سينام دوزجيت، في حديث لموقع الجزيرة باللغة التركية، حيث تشير إلى أن تنامي الفكر اليميني ليس مقتصرًا على أوروبا، بل باتت ملامح تناميه ظاهرة في عدد من الدول حول العالم.
وفيما يخص تنامي هذا الفكر في أوروبا بالتحديد، تذكر دوزجيت أن السبب الرئيسي هو ثقافي قبل كل شيء، فالأوروبيون يرون أن ثقافتهم تذوب في ثقافات الشعوب المهاجرة، ويعتقدون أنها باتت غير قادرة على منافستهم أو الحفاظ على عناصرها الأساسية ضد عناصر ثقافة هذه الشعوب الدخيلة، موضحةً أن العائلات المُسلمة تتكاثر بشكل أكبر من العائلات الأوروبية، وهذا ما يثير حفيظة عدد كبير من المواطنين الأوروبيين.
وتضيف الباحثة أن هناك عاملًا ثقافيًا داخليًا لا علاقة له بالمهاجرين، فالمواطنون الأوروبيون ينظرون إلى أفكار الحرية الخضراء المطلقة التي أفرزت زواج المثلية وغيرها من الظواهر الثقافية الجديدة، على أنها أفكار "دخيلة" تؤدي إلى تآكل القيم الثقافية الأوروبية المستمدة من الماضي، لذلك تتجه أعداد كبيرة من هؤلاء المواطنين إلى الأفكار الأوروبية التاريخية القديمة التي من ضمنها فكرة "التنافس الإسلامي المسيحي" التي عاشت عليها أوروبا لسنوات طويلة.
وترى دوزجيت أن العامل الاقتصادي أيضًا يقف وراء ظهور هذا الفكر، فعدد كبير من مواطنين دول الاتحاد الأوروبي، كمواطني إسبانيا وإيطاليا واليونان وإيرلندا، اضطروا في الآونة الأخيرة إلى الهجرة إلى دول أخرى بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في بلادهم، وهذا ما أحدث انتشار البطالة بين الأيدي العاملة الأوروبية التي حملت المهاجرين مسؤولية ذلك.
وفيما يتعلق بدور الشخصيات السياسية الأوروبية في نشوء الظاهرة وانتشارها، تنوّه الخبيرة إلى أن القيم الأوروبية القائمة على العمل المؤسساتي ونفي السيطرة الشخصية لم تعد تملك التأثير ذاته، فأغلب القادة الأوروبيين أصبحوا يميلون إلى التصريحات "المتطرفة" ضد الدول الإسلامية والمسلمين والمهاجرين، بغرض رفع رصيدهم الانتخابي وإطالة عمر حياتهم السياسية، وفي يومنا لا تقتصر هذه التصريحات على القادة القوميين، بل صارت مستهلكة من قبل الأحزاب الليبرالية واليسارية أيضًا، وهذا ما تمت ملاحظته في الانتخابات الهولندية الأخيرة، حيث انضم الحزب الليبرالي الحاكم إلى التصريحات الإعلامية، وبدلًا من تهدئة الأزمة ساهم في زيادة اشتعالها.
وكانت الأزمة التركية الهولندية، على إثر منع هولندا هبوط طائرة وزيرة الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، على الرغم من وجود تصريح مسبق لهبوطه، وبلغت الأزمة أشدها بعد منع السلطات الهولندية وزيرة المرأة والشؤون الاجتماعية التركية، فاطمة بتول قايا، من دخول قنصلية بلادها، الأمر الذي قابلته القيادة التركية بتصريحات إعلامية حادة عبرت عن امتعاضها الشديد.
إن سهولة التواصل وسرعته تساهمان، بشكل أساسي، في إبقاء ظاهرة اليمين المتطرف حاضرة على الساحة الأوروبية، وتشارك العوامل المذكورة في شيوعها بحسب ما توضحه دوزجيت، التي تبيّن أن إحصاءات كشفت عن أن أغلب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتأثرون بالخطاب اليميني الشائع على وسائل التواصل، ولئن تبنّاه بعضهم سريعًا، فإن البعض الآخر يميل إليه رويدًا رويدًا حتى يصبح منادي به.
ووفقًا لدوزجيت، فإن علاقة قادة الأحزاب اليمينية السياسية أو الاقتصادية بروسيا، تدفعهم بشكل أو بآخر لاقتباس الفكر الروسي الرامي إلى إعادة "مجده القديم" عبر مشروع ما يُسمى "أوراسيا الكبرى". هذا الفكر يزرع لدى القادة الأوروبيين المحافظين رغبة في اتباع أسلوب "بوتين" المرتكز على قاعدة سيطرة الشخص الواحد، في حياتهم السياسية.
وفي السياق، أشار المؤرخ السياسي، حلمي دامير، إلى أن إسلاموفوبيا أو ترك فوبيا هو عنصر يكمن في قلوب الأوروبيين منذ القرن السادس عشر، حيث تجمع الأوروبيون الذين كانوا على فرقة دينية وسياسية شديدة ضد تحركات الدولة العثمانية، وأقروا بضرورة التحالف لدرء أخطارها عن بلادهم، مضيفًا أنه منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا والأوروبيون ينظرون إلى تركيا على أنها "دولة خطيرة" عليهم وليست حليفة.
وفي مقاله "إسلام ترك فوبيا المتنامي في أوروبا" الذي نشره في وقت سابق على موقع الجزيرة باللغة التركية، أكّد دامير أن العلاقات السياسية التاريخية بين تركيا والدول الأوروبية تنافسية، ومن الصعب أن تتحول إلى علاقات تحالفية مهما حاول الطرفان، فالتاريخ هو الموجه لحاضر الأمم، وقد ينسى أبناء الأمة الواحدة عدائهم، وإن كان عميق، أما إن كان العداء بين أمم مختلفة الهوية، ومتنافرة العناصر الثقافية، ومتباينة التوجهات فمن الصعب على هذه الأمم نسي تنافسها التاريخي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس