محمود القاعود - خاص ترك برس
كان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تُسقط بشار الأسد منذ الشهور الأولى للثورة السورية في عام 2011م.. وبأقل الخسائر ودون ملايين اللاجئيين ومئات الآلاف من الضحايا.. ودون سنوات من العذاب والدمار والتخريب.. كان بإمكانها أيضًا.. إطلاق صاروخ "كروز" واحد فقط فتقضي على بشار وأركان حكمه، وتؤسس لحكم ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة بانتخابات حقيقية، لكن أنّى لأمريكا أن تفعل ذلك وهي تمارس الإرهاب الصليبي العالمي للقضاء على المسلمين في شتّى البلاد؟ أنّى لأمريكا أن تترك سوريا دولة قوية موحدة فتقوي بذلك شوكة تركيا المسلمة؟
إن حقيقة ما جري في سوريا طوال الست سنوات الماضية، هو بالأساس موجّه إلى تركيا، لنقل الصراع للعمق التركي وتقسيم تركيا وتدميرها ونشر الخراب في ربوعها، تطبيقا لما اصطلح عليه الصليبيون الجدد "الفوضي الخلاقة".
ولذلك أمرت أمريكا روسيا أن تدخل بقوتها الباطشة في أيلول/ سبتمبر 2015م، لتساند السفاح المجرم بشار الأسد، وتقتل عشرات الآلاف في محارق مروعة أقامتها روسيا بجميع المدن السورية، كما أمرت أمريكا إيران بدعم بشار الأسد منذ اللحظة الأولى والدخول بعشرات الآلاف من المرتزقة الإيرانيين والأفغان لنشر الفوضى والرعب في المدن السورية، وكل هذا لإطالة أمد الصراع، ومن ثم نقله لتركيا المستهدفة بالأساس من كل هذه الأحداث.
الآن تركيا محاصرة بين فكيّ كماشة صليبية روسية أمريكية، تستهدف القضاء علي تركيا المسلمة الناهضة القوية، وتحويلها إلي صومال جديدة وتقسيمها إلى دويلات متناحرة لتذهب معها أي قوة توجد للمسلمين في العالم.
كلما شعرت أمريكا بأن تركيا في طريقها للاستقلال والتحرر من التبعية كلما سارعت في تنفيذ مخططها، ولذلك نشرت أمريكا في آذار/ مارس 2017م جنودها بأطراف مدينة منبج السورية، في دعم واضح وفج للميليشيات الكردية الإرهابية التي باتت تسيطر علي مساحات شاسعة من شمال سوريا، تمهيدا لإعلان "الدولة الكردية"، كما تجاهلت أمريكا الأتراك فيما يُسمى "عملية تحرير الرقة" وهي العملية التي بمقتضاها تضمن أمريكا قيام الكيان الكردي الذي هو أول خطوة في تقسيم تركيا.
في ذات التوقيت تؤسس روسيا قاعدة عسكرية في عفرين بغرب حلب، لتجد قوات "درع الفرات" نفسها محاصرة، ليكون انسحابها من سوريا مسألة وقت، ويسيطر الأكراد على مدينة الباب بدعم روسي أمريكي، فيكون الشمال السوري دولة كردية بالأمر الواقع والاعتراف الأممي المنتظر.
ولعل هذا ما يُفسر التصعيد الأوروبي الصليبي ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومهاجمة التعديلات الدستورية الجديدة والتحريض على قتل أردوغان.. وكأن رسالة الصليبية العالمية برعاية قطبيها (الروسي الأرثوذكسي والأمريكي البروتستانتي): أردوغان يُريد الخروج من الهيمنة الصليبية والاستقلال بتركيا والنهوض باقتصادها والتحوّل للنظام الرئاسي الذي يضمن وحدة تركيا.. سنقوم بمحاصرته ونخلق له دولة كردية علي حدوده وندعمها، وسنغرقه بمشاكل اللاجئين وبفوضى الإرهاب والسيارات المفخخة بإسطنبول وأنقرة ولن يدخل "النادي المسيحي" المسمى الاتحاد الأوروبي.
كيف تتخلص تركيا من هذه الورطة الرهيبة؟ لا حل الآن على الإطلاق إلا بقلب الطاولة ودعم كل طريق يؤدي لإخفاء بشار الأسد من المشهد وسيطرة الثوار على دمشق.. هذا أو الطوفان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس