جلال سلمي - خاص ترك برس
"ولى زمن تقديم التنازلات"؛ بذلك التصريح خرج الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تعليقه على مصافحته مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة، نتيجة إيلامها ليد ترامب.
وبالتوازي مع تصريحات ماكرون، انطلقت يوم الخميس 25 أيار/ مايو 2017، قمة الناتو في بروكسل، والتي تُعتبر أول قمة يحضرها الرئيس الأمريكي منذ توليه مقاليد الحكم. وفيما لم تخرج القمة بنتيجة ملموسة حول الأسلحة التي تقدمها بعض دول الناتو لوحدات الحماية الكردية على وجه التحديد، شكلت تصريحات ماكرون بارقة أمل لدى القيادة التركية التي أضحت تبحث عن دورٍ مساند عشية خيبة الأمل التي أحاطت بها، نتيجة السياسة الأمريكية المتقاعسة حيال القضية السورية، وجراء تراجع التنسيق الخليجي معها.
قبل كل شيء لا بد من الإشارة إلى أن القضية السورية ليست وحدها هي الشغل الشاغل للقيادة التركية، بل أن الأمر يتعدى ليشمل ليبيا وحوض شرق البحر المتوسط وأوكرانيا ووسط آسيا، وغيرها من المناطق التي تواجه فيها تركيا نفوذاً روسياً مضاداً لمصالحها، ولا تجد فيها من يساندها، بشكلٍ حقيقيٍ، في صده.
بالنظر إلى تقييم القيادة التركية لتوقيت القمة، نجد أنها قيمته على أنه جيد، ربما لأنه شدد على أهميتها بالنسبة للدول التي تهدف إلى اتخاذ خطوات جادة قد تتجاوز التوافق مع الولايات المتحدة؛ كبريطانيا وفرنسا. ولعل تصريح ترامب خلال القمة، أحدث نوعاً من حالة الامتعاض الشديدة لدى قادة الدول الأوروبية الذين صرح بعضهم، وخاصة ماكرون، بأن التوجه بسياسات منفصلة عن الولايات المتحدة أصبح أمر مطلوب.
إلى جانب تلك المؤشرات التي تبين إمكانية انتهاج فرنسا سياسة نشطة في المنطقة قد تتجلى في تطبيق مشروع "توحيد شطري المتوسط" الهادف إلى بناء تكتلات اقتصادية وأمنية إقليمية تؤدي إلى تكثيف وتنويع أواصر العلاقات بين الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، جاءت تصريحات وزيرة الدفاع الألمانية التي أكدت وجود قوات فرنسية خاصة في سوريا، لتؤكد هذه المؤشرات، فضلاً عن المؤشر الأخير الذي تجلى برسم ماكرون خطوطاً حُمراً أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال لقائه به بالأمس، الاثنين 29 أيار/ مايو.
في سياق هذه المؤشرات، يُتوقع أن تواصل تركيا سياسة التعاون السياسي والأمني مع روسيا والصين، وذلك للإبقاء على ذاتها كدولة مالكة لأداة ضغط ضد الدول الأوروبية التي تعزف عن دعم خططها في سوريا على وجه الخصوص.
وفي إطار اتباع تركيا لهذه السياسة، قد تجد استجابة من فرنسا التي تقاسي الخطر الروسي على مصالحها في أفريقيا والشرق الأوسط بشكل صارخ، والتي تريد إجراء سياسات وقائية حقيقية ضد التغلغل الروسي في الساحة الدولية.
في ضوء ذلك، على الأرجح قد تنتهج تركيا سياسة رفع مستوى التعاون مع الدول "الواصلة" ـ دول محدودة التأثير إقليمياً ولكنها تتمتع بمميزات جيو ـ سياسية بالنسبة للدول الإقليمية والعظمى ـ كأوكرانيا وجورجيا، من أجل تأسيس علاقات وثيقة مع الدول الإقليمية والعظمى بشكلٍ سريع ومقنع. ولعل زيارة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم إلى جورجيا الأسبوع الماضي، أي قبيل قمة الناتو بأسبوع، والحديث عن التعاون والقضايا الإقليمية في إطار اجتماع مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى الرابط بين الطرفين تأتي في هذا السياق.
في الختام، إلى الآن لا زالت تركيا تحاول بناء علاقات سياسية جيدة متنوعة مع عدة دول في سبيل تحقيق مآربها في عددٍ من البقاع التي أخفقت في تحقيقها حتى يومنا هذا، وقد تجد ضالتها في الرئيس الفرنسي الجديد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس