عبد الله الشيخ ديب - خاص ترك برس
يُشكل اتفاق "خفض التصعيد" وما بعده مرحلة خطيرة في عمر الثورة السورية، وخطوة قد ترسم ملامح الحل المستقبلي في سورية من وجهة نظر بوتين. ورغم أن هذا المسار المتمايز أهم وأخطر ما تفتقت عنه العقلية الإمبريالية الروسية منذ احتلالها لسورية، لكن ما كان له أن ينجح لولا ثلاثة عوامل أساسية: سياسات الولايات المتحدة المربكة دوماً والمؤذية أحياناً لحلفائها المفترضين، وضعف "أصدقاء" الشعب السوري وتخاذل المجتمع الدولي، بالإضافة إلى حالة التشرذم والارتهان الخارجي لقوى المعارضة وفصائل الثورة المسلحة .
والحقيقة، ما عادت المكابرة الثورية ممكنة ولا مفيدة، سياسياً وعسكرياً قوى الثورة في تراجع، ودولياً يتم إعادة تسويق نظام الأسد، وتتوالى التصريحات الوقحة لعدد من الدول حول القبول ببقاء بشار الأسد ولو مرحلياً، وتصريحات أخرى حول إعادة التواصل مع النظام، كما ويحاول لبنان الرسمي "الذي رفع لواء النأي بالنفس"، أن يكون طليعة المطبعين مع نظام الأسد وكسر القرار العربي بمقاطعته عبر زيارة بعض وزرائه إلى سورية.
اتفاق "خفض التصعيد" في جوهره هو بداية الطريق إلى حضن الأسد .. هذه هي الحقيقة. التي تحاول بعض قوى المعارضة السياسية تجميلها بدعوى "الواقعية" السياسية التي تبرر للتنازلات التي قد تفضي إلى تهيئة الظروف الملائمة للهزيمة، وللواقع شواهده على ذلك ، فرغم حداثة الاتفاق لكنه حتى الآن، نجح في تدجين حواضن الثورة "نسبياً"، وإحياء النعرات والمزاودات المناطقيّة، وإحياء جاهليّة الريف – المدينة، حيث شهدت بعض المناطق المحررة مظاهرات تطالب بطرد النازحين، وتطالب الفصائل التي هجرت من أرضها في اتفاقيات سابقة بالخروج من هذه المناطق والذهاب لتحرير "أرضهم"، كما عمل الاتفاق أيضاً على تكريس روح الفصائلية ومداعبة أحلام بعض القادة "مدنيين وعسكريين" بمناصب كرتونية وسلطة وهمية، بالإضافة إلى عزوف شباب الثورة "المسلحين" عن العمل العسكري وبحثهم عن الوظائف المدنية، ومن بقي وسيبقى مؤمناً بالعمل المسلح ضد النظام قد لا يجد بديلاً سوى "هيئة تحرير الشام".
فالحديث اليوم عن "مشاريع إنقاذ" و"حل الهيئة" و"خطابات مطمئنة للآخر" وما إلى ذلك من المبادرات، صحي وضروري، لكن الحقيقة المؤلمة والتي يتم استبعادها أنه من دون وجود قوة عسكرية وأمنية ثورية ضاربة لا قيمة لأي مبادرة مطلقاً. وهذا الاتفاق أو هذه الحلقة البوتينيّة لن يتم كسرها عبر المناورات والذكاء السياسي، و لن تكسر بالطبع بضمانات "الأصدقاء". قدر إدلب كما قدر هذه الثورة، الاستمرار في الحرب، واقع الاحتلال الروسي والإيراني والأسدي هو ما يستدعي من السوريين الاستمرار في خيار الثورة المسلحة، لا لأن الحرب خيار جميل، ولكن لأنها الطريق الوحيد لنعيش ..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس