بولنت إرنديتش – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

ردود الفعل التي صدرت عن أعضاء حزب الشّعب الجمهوري قبل عدّة أيام كانت ملفتة للنّظر، وذلك عندما وجّه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو انتقاداته لهم ووصفهم بأنّهم انقلابيّين ويساندون الانقلابات في تركيا وخارجها.

وقد استمرّ رئيس الوزراء في توجيه سهام انتقاداته لرئيس حزب الشّعب الجمهوري كمال كليشدار أوغلو في مدينة نفشهير، حيث دعاه من هناك إلى المواجهة مع الانقلابات التي حصلت في تركيا وإلى النّطق بكل صراحةٍ بأنّ ما جرى في الماضي من تدخّل الجيش للإطاحة بالأنظمة الشّرعية، تعدّ ضربة عسكريّة موجّهة للدّيمقراطيّة في هذا البلد.

والحملة التي أطلقها داود أوغلو في هذا الصّدد وهي "حملة المواجهة مع الانقلابات السّابقة"  يبرهن شجاعة هذه الحكومة ويؤكّد على عدم خوف تركيا الجديدة من الانقلابات العسكريّة.

ولو نظرنا إلى الانقلابات السّابقة التي حصلت في تركيا، فإنّنا نجد ثلاثة أنواع لهذه الانقلابات:

1 – الانقلابات العسكريّة: 27 آيار عام 1960، 12 آذار عام 1971، 12 أيلول عام 1980، 28 شباط عام 1997.

2 – انقلابات قضائية: قرار إغلاق حزب الرّفاه الذي كان يتزعّمه نجم الدّين أرباكان ومحاولة إغلاق حزب العدالة والتنمية عام 2009.

3 – الانقلابات السّياسيّة: محاولة الانقلاب التي قادها زعيم تنظيم الكيان الموازي في 17 /25 كانون الأول من العام الماضي. وتكمن في خفايا هذه المحاولة اليائسة، ثلاثة عوامل هامّة منها تقاسم الدّول العظمى للنفط والغاز، تقاسم النّفوذ بين الولايات المتّحدة الامريكية وروسيا في منطقة أوروبا الشّرقيّة والعامل الأخير هو محاولات إعادة رسم خريطة منطقة الشّرق الأوسط.

إنّ العقل المدبّر الخفي الذي يسعى إلى إعادة هيكلة العالم، خطّط لثلاثة عمليّات انقلاب في ثلاثة مناطق هامة ومختلفة. منها تركيا ومصر وأوكرانيا. حيث كانوا يهدفون من وراء ذلك إلى إيصال أعوانهم إلى حكم البلاد في هذه الدّول. فقد استطاعوا أن يطيحوا بحكم محمد مرسي في مصر وأنهوا حكم يانوكوفيتش في أوكرانيا. لكنّهم فشلوا في الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان.

ولو عمّقنا النظر في هذه الدّول الثلاثة وبحثنا الاستراتيجيّات المستقبليّة لكل دولة، نجد أنّ أردوغان كان يخطّط للانفتاح على شرق القارة الأوروبية عن طريق أوكرانيا، وكذلك كان يستعدّ للانفتاح على القارّة الافريقية عن طريق البوّابة المصريّة.

وكان برنامج الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغانقد بدأ تنفيذه من العام 2013 بحيث يستمرّ إلى العام 2015 وقد تمّ إعداده على الشّكل التّالي:

أوّلاً إشعال النار عبر أحداث غيزي بارك ومن ثمّ محاولات الانقلاب التي جرت في 17 / 25 كانون الاول لعام 20113 ومن ثمّ انتخابات الادارة المحليّة التي جرت في 30 آذار 2014، ومن ثمّ الانتخابات الرّئاسية التي نُصّب فيها أردوغان رئيساً للجمهوريّة. والأن يحضّرون للإنتخابات النّيابية التي ستجري في حزيران العام المقبل.

فخلال أحداث غيزي بارك، أرادوا أن يختلقوا أزمة سياسية في البلاد وبالتّالي استهدفوا من خلال ذلك إلى إضعاف نفوذ أردوغان. حيث شاهدنا جميعاً تهجّم الاوساط الإعلامية التي يقودها اللوبي اليهودي ضدّ أردوغان وحزب العدالة والتنمية آنذاك.

وعندما فشلت محاولة تشويه صورة حزب العدالة والتنمية من خلال أحداث غيزي بارك، عمدت هذه الأطراف إلى إفتعال فتنةٍ جديدة من خلال إلصاق الحكومة التركية تهم الاختلاس والسّرقة، وذلك في 17 / 25 كانون الأول من العام الماضي بقيادة زعيم تنظيم الكيان الموازي فتح الله غولن.

من المعروف أن لا أحد يعتلي مكانةً ما عن طريق الصّدفة، كما لا يتمّ أختيار أحدٍ ما لقيادة انقلاب عن طريق الصّدفة أيضاً. فأجهزة الاستخبارات الأمريكية "سي اي اي" كانت تدرك أنّها تمتلك جوهرةً ثمينة بين يديها. إذ كانوا يعلمون أنّ انصار هذا الرّجل (فتح الله غولن) قد تمكّنوا من التغلغل داخل الأجهزة الحسّاسة للدولة التركية منذ سنوات طويلة. ولذلك قاموا بإختيار فتح الله غولن لقياداة هذه العمليّة الانقلابية.

والحقيقة إنّهم أرادوا من خلال محاولة الانقلاب في 17 / 25 كانون الاول عام 2013، عرقلة تقدّم حزب العدالة والتنمية في انتخابات الادارة المحليّة التي جرت في 30 آذار من هذا العام وإنهاء حكم أردوغان وإيصال كمال كليشدار أوغلو إلى سدّة الحكم في البلاد. لكنّ الشّعب التركي لم يسمح بهذا وعبّر عن امتنانه وحبّه لرجب طيب أردوغان خلال هذه الانتخابات.

وبعد هذا الفشل أيضاً توجّه أنظارهؤلاء إلى الانتخابات الرئاسيّة. وهنا إتّفق حزبي الشّعب الجمهوري والحركة القوميّة حول مرشّح واحدٍ ضد رجب طيب أردوغان للإطاحة به وهو أكمل الدّين إحسان أوغلو.

وقد تعمّد الحزبان ترشيح شخصٍ مثل إحسان أوغلو المعروف بقربه من الطّائفة المتديّة في تركيا، وذلك من أجل سحب البساط من تحت أردوغان وكسب أصوات النّاخبين المتديّنين في هذا البلد. وهنا يجدر الاشارة إلى ماقاله زعيم تنظيم الكيان الموازي عقب خسارة المرشّح التّوافقي أكمل الدّين إحسان أوغلو. حيث قال غولن تعقيباً على نتائج الانتخابات " إنّ حزبي الحركة القومية والشّعب الجمهوري حاولا كثيراً لكن لم ينجحا في الإطاحة بأردوغان"

والأن وضعوا نصب أعينهم انتخابات عام 2015. حيث يهدفون من خلال هذه الانتخابات إلى تخفيض نسبة اصوات حزب العدالة والتنمية لكي لا يستطيع هذا الحزب تحقيق 330 مقعداً في البرلمان. لأنّ تعديل الدّستور يحتاج إلى موافقة 330 نائباً وبالتّالي يحاولون إرغام رجب طيب أردوغان إلى متابعة العمل بالدّستور الانقلابي القديم المعمول به حاليّاً في تركيا.

لكنني أعتقد انّ الشّعب التركي سوف يحبط هذه المحاولة أيضاً مثلما أحبط المحاولات السّابقة 

عن الكاتب

بولنت إرانداتش

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس