أحمد فارول – صحيفة يني أكيت – ترجمة وتحرير ترك برس
تقع مدينة كركوك على بعد 83 كيلو متراً جنوب مدينة أربيل عاصمة إقليم شمال العراق، وشرق مدينة السليمانية. عندما تأسس إقليم شمال العراق كانت مدينة كركوك تابعة لإدارة بغداد, لكن أصبحت تحت سيطرة إدارة إقليم الشمال فيما بعد.
لمدينة كركوك ميزتان، الأولى هي موقعها الديمغرافي الذي يجعلها هدفاً بشكل دائم، إذ كركوك عادةً هي نقطة تمركز السكان التركمان، إلأ أنّ معظمهم أجبروا على الهجرة نتيجة الضغط الذي تعرضوا له في المنطقة. ازداد تعداد العرب في المنطقة لفترة معينة، وبعد أن خضعت كركوك لإدارة شمال العراق تغيرت طبيعة المنطقة الديمغرافية جزئياً مما أدى إلى زيادة النفوس الكردي.
أما الميزة الثانية لمدينة كركوك فهي احتواؤها لآبار نفط غنية ومصفاة، لكن احتواؤها لآبار النفط يجعلها هدفاُ رئيسا في الحسابات السياسية.
لقد أعاد استفتاء الاستقلال الذي نظمته إدارة إقليم شمال العراق النقاش في خصوص الحدود إلى طاولة الحوار. وكان موقع كركوك أحد المسائل الأكثر أهمية في إطار النقاش المطروح. إذ عرضت إدارة الإقليم مسألة كركوك على الشعب وتركت الخيار لهم من خلال التصويت في صناديق الانتخابات. مما يعني أن كركوك ستغدو تحت سيطرة الدولة الكردية التي ستنشأ عقب الإعلان عن استقلال إقليم شمال العراق في حال نجاح الاستفتاء. لكن سرعان ما أثارت هذه المبادرة رد فعل حكومة بغداد ودفعتها إلى مطالبة إدارة الإقليم بالانسحاب من كركوك.
رفض برازاني هذا الطلب وأعلن عن عدم انسحابه من كركوك. لكن استطاعت حكومة بغداد السيطرة على كركوك نتيجة انسحاب قوات البشمركة المتمركزة في كركوك من دون أي مقاومة تُذكر أمام الجنود وميليشيات الحشد الشعبي التي أرسلتها حكومة بغداد.
جاءت تعليقات عديدة تنص على أن الأثر الكبير في انسحاب قوات البشمركة من كركوك من دون مقاومة يعود إلى الموقف الذي أظهره زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي أنشأه "جلال طلباني" قبل وفاته. إذ يرفض زعماء الاتحاد الوطني الكردستاني الاتهامات الموجهة إليهم، لكن يوضّح الوضع الحالي أنه كان لموقفهم السياسي وقراراتهم في هذا الخصوص تأثير كبير على مجرى الأحداث.
أصبحت كركوك عقب مجريات الأحداث الأخيرة تحت سيطرة حكومة بغداد وأسلحة الحشد الشعبي الذي يعدّ نموذجاً شيعياُ للتنظيم الإرهابي داعش.
حظيت استعادة حكومة بغداد لكركوك وإجبار برازاني على الانسحاب منها على تقدير كبير من قبل الأتراك المعارضين للاستفتاء الذي أجراه برازاني بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول، لكن يجب أن لا ننسى أن حركة الحشد الشعبي لا تقل خطورة عن داعش، إضافةً إلى المأساة التي عاشها شعب مدينة الموصل خلال وعقب مرحلة سيطرة الحشد الشعبي على الموصل.
إضافةً إلى ذلك إن إيران هي الرابح الأول من تغيير الهيمنة السياسية في كركوك. إذ أصبحت حكومة بغداد بمثابة حكومة ذات تحكم عن بعد تديرها إيران كيفما تشاء، وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن توطيد إيران لتمركزها في كركوك قد يخدم مصالح تركيا الإقليمية في المنطقة.
من جهة أخرى لن يكون تصاعد التوتر في المنطقة لصالح أي طرف. إن الأعمال التي تهدف إلى تأسيس إدارة عراقية جديدة مهتمة بمصالح كافة الشعوب في المنطقة ستمكن هذه البلاد من الوصول إلى الاستقرار والأمان بكل ما تعنيه الكلمة. أما بالنسبة إلى توسّع نطاق الهيمنة الإيرانية في العراق فسيؤدي ذلك إلى خلق أزمات ومشاكل جديدة خلال المراحل القادمة.
إن الاعتقاد بوجود احتمال راحة تركمان المنطقة وضمان مستقبلهم في حال سيطرة ميليشيات الحشد الشعبي على كركوك سيكون تفكيراً خاطئاً ولا جدوى منه. مهما كانت حكومة بغداد تستغل ميليشيات الحشد الشعبي لتسخير مصالحها الشخصية إلا أنه يجب علينا ألا ننسى أن هذه الميليشيات أشبه بعصابات الشبيحة في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس