أكرم بوغرا إيكينجي - صحيفة ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
تقاس قوة الدولة بقوة خزانتها. ويعد الحفاظ على الخزانة ممتلئة كاملة وإنفاق المال بطريقة صحيحة فن من الفنون الجميلة. وفي هذا الصدد كُتب أقدم كتاب ما يزال موجودا اليوم في العالم الإسلامي، وهو كتاب الخراج الذي ألفه أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة الذي عاش في القرن الثاني الهجري، ووضع كتابه بناء على طلب الخليفة هارون الرشيد.
ضرائب أقل تعني مزيدا من الطاعة
في الشريعة الإسلامية تتكون خزينة الدولة، التي يشار إليها باسم بيت المال، من أربعة أجزاء:
1- الزكاة المفروضة على المسلمين الأغنياء وقيمتها ربع العشر من ثرواتهم، وتوزع على الفئات المذكورة في القرآن الكريم، وهم الفقراء والمساكين والعاملون على جمع الزكاة وتوزيعها والمؤلفة قلوبهم الذين يعطون لتأليف قلوبهم على الإسلام، والرقيق المملوك ليعتق نفسه من العبودية، والمدينون، ومن تقطعت بهم السبل.
2- الجزء الثاني من غنيمة الحرب والضرائب على الأموال والثروات هو حق الفقراء والأيتام وأبناء السبيل.
3- أنفقت الضرائب المفروضة على غير المسلمين على رواتب موظفي الخدمة المدنية والجيش.
4 - تركة من لا وارث له، واللقطة التي لم يعثر على صاحبها، وقد أنفق هذان المصدران على المسلمين أو غير المسلمين الذين يحتاجون إلى الرعاية كنوع من صندوق التأمين الاجتماعي.
وإذا لم تكن هذه الإيرادات كافية لإنفاق خزينة الدولة، فيمكن أيضا تحصيل ضرائب مسبقة مقابل تقديم خدمات معينة للأشخاص الذين يستفيدون منها. ومع ذلك، فإن الحكومات العثمانية ذات الكفاءة كانت تكتفي بما في بيت المال دون فرض ضرائب حتى تضمن رضاء الناس عنها وطاعتهم لها. وإذا جمعت عائدات بيت المال بطريقة صحيحة وأنفقت في مصارفها الداخلية، لم تكن هناك حاجة إلى تحصيل ضرائب أخرى أو الاقتراض من الشعب.
ووفقا للتقاليد التي تعود إلى عصر إمبراطورية الهون، كان هناك نوعان من الخزائن في الدولة العثمانية، أحدهما خاصة بالدولة والثانية للسلطان العثماني. وكانت خزانة الدولة تعرف باسم الخزانة الخارجية، لأنها كانت توضع خارج القصر، أما الخزانة الثانية التي تتألف من ممتلكات السلطان، فكانت تسمى الخزانة الداخلية؛ لأنها وضعت داخل القصر. وبعد السلطان محمود الثاني أطلق على الخزينة الأولى (خزينة الدولة) وعلى الثانية (الخزانة الخاصة).
تاريخ الخصخصة
ووفقا للشريعة الإسلامية لا تتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، ولا تتدخل في التجارة والصناعة، وتترك هذه المعاملات للأفراد، إذ لم يكن هناك مجال للشيوعية في هذا الصدد. ويقتصر عمل الدولة على ضمان الأمن الداخلي والخارجي، وتستخدم الخزانة للوفاء بهذا الواجب. وكانت المؤسسات تدير التعليم والخدمات الصحية. أما نفقات التقاضي فيتحملها المتقاضون. ولا يتبقى سوى النفقات العسكرية، فكان الحكام العثمانيون يؤجرون أراضي الدولة للعامة، ومن حصيلة الإيجارات يعينون فرسانا بأجر، ويدفعون رواتب الضباط.
اتخذت الدولة التدابير اللازمة لضمان هذا النظام والحفاظ عليه في المجتمع، وهيأت الظروف اللازمة لذلك، وأدت دور التنسيق بين الأفراد. استند النظام الاقتصادي إلى العدالة الاجتماعية، وسمحت الدولة للشركات الخاصة وللناس كافة بالقيام بما يريدون في إطار مشروع، فلا يمكن لأحد التدخل فيما يكسبه الآخر بجهده.
هذا النظام الاقتصادي قريب من النظام الليبرالي المطبق في بلدان العالم الحر الآن، لكنها لم تكن ليبرالية خاملة؛ لأن الدولة كانت تستطيع وضع سقف للأسعار وهو ما يعرف بالتسعير، وجمع إيرادات الخزانة وإنفاقها مثل الزكاة، وفي الوقت نفسه فإن العدالة الاجتماعية كانت أمرا أساسيا في توزيع الدخل.
سك العملة والتجارة
أديرت الحياة الاقتصادية في الدولة العثمانية وفقا للمبادئ التالية:
لا يمكن انتهاك حرمة الممتلكات الخاصة. وعندما تكون هناك حاجة إلى المصلحة العامة مثل توسيع الطرق، يمكن للحكومة شراء الممتلكات الشخصية دون الحصول على موافقة المالك. وتصادر الأرباح التي حصل عليها موظفو الخدمة المدنية دون وجه حق وترد إلى الخزانة.
ترك العمل في التجارة دون قيود، لكن يمكن تحديد سقف لأسعار بعض السلع مثل الخبز واللحوم وغيرها. وحظر الاتجار في سلع مثل النبيذ ولحم الخنزير، وكان ذلك الحظر ساريا على المسلمين فقط دون غيرهم لأنها محرمة في الإسلام.
وكانت التجارة تخضع لنظام يسمى "الكدك" بغرض تنظيم علاقة العرض والطلب في السوق وتحقيق التوازن، فكان في كل بلدة عدد معين من التجار، ولم يسمح لأحد بفتح متجر جديد دون معلم، أو قبل أن يغلق متجر آخر يعمل في المجال نفسه، ولم يسمح لأي أحد بفتح متجر أو العمل في حرفة أو تجارة دون الحصول على الكدك.
كان بمقدور الحكومة حظر تصدير بعض المواد المهمة، وخاصة الحبوب حتى لا يتسبب ذلك في نقصها. وكانت السلع الزراعية والصناعية تعرض للبيع أولا على سكان البلدة التي تنتجها لتُباع، أما الباقي فيمكن تصديره إلى المدن المحيطة ومن ثم إلى الخارج. كما يمكن للدولة أن تحظر استيراد بعض المواد الاستراتيجية مثل القطن والجلود الروسية والموهير.
احتكرت الدولة إنتاج بعض السلع وبيعها. وكان هذا النظام يهدف إلى تجنب إلحاق أي ضرر بالناس بسبب الاختلاف في التكاليف أو من أجل السيطرة على تداول السلع الاستراتيجية. وكانت سلع مثل الملح والتبغ والأفيون وسمك التونة والحرير وزيت الزيتون والقطن والموهير والصوف تخضع لاحتكار الدولة من وقت لآخر. وقد ألغي هذا بعد عام 1839.
كانت الخدمات العامة تقدم من خلال المؤسسات، وتركت الحكومة خدمات مثل المستشفيات والنوافير والجسور والتكايا التي تقدم فيها وجبات الطعام للفقراء والمدارس وأماكن أخرى للشعب. كما دعمت الدولة هذه المؤسسات بتخصيص مبلغ من إيرادات الدولة وتقديم الإعفاءات لها. كما أن المؤسسات غير الإسلامية التي تحتاج إلى مساعدة أو تتعرض للانهيار، مثل المعابد أو دور الأيتام، تلقت دعما ماليا من الدولة.
وقد استوفت الدولة نفقاتها من الإيرادات، وأرسل الباقي إلى الخزانة المركزية. ولذلك فقد ازدهرت الدولة ازدهارا كبيرا بقدر إنتاجها، وكانت بعض الولايات العثمانية أكثر تطورا من غيرها.
سمح للأجانب بالتجارة في أقاليم الدولة. وإلى جانب الإعفاءات الجمركية التي قدمت لهم، فقد أتيحت لهم الفرصة أيضا لإحالة قضاياهم التجارية إلى قنصلياتهم. وكان الذهب والفضة هما العملة الرسمية. كما سكت النقود المعدنية لتلبية الاحتياجات الصغيرة. وحظر إخراج العملات الورقية لحماية الشعب، وإن كان ذلك في صالح الدولة أيضا. وكان من حق جميع الأفراد سك العملة بتوريد الذهب والفضة إلى الدولة مقابل رسوم رمزية.
كانت الدولة هي المسؤولة عن سك العملة، ولكنها سمحت أيضا بتداول عملات الدول الأخرى في السوق. ولم يكن الختم أو الصورة على العملات الذهبية والفضية مهما من حيث القيمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس