ترك برس
ولد اﻷمير صباح الدين في قصر عثماني في إسطنبول يوم 13 شباط/ فبراير 1879، وكان والده محمود جلال باشا وزيرا للعدل، ووالدته هي السلطانة سنيحة ابنة السلطان عبد المجيد وأخت السلطان عبد الحميد الثاني . لُقِّبَ بالسلطان زاده (ابن السلطان)، واستخدم لقب اﻷمير في أوروبا.
تربّى في قصر عائلته، وتلقى تعليمه الخاص على يد مثقفين بارزين، وتشير المصادر إلى أن والده رغب بتربيته كرجل غربي بالكامل. درس اﻷمير صباح الدين العلوم الاجتماعية بعد لقائه بادموند ديمولنيز مؤسس مدرسة دي روشيس، فكان تحت تأثير وجهة نظر لي بلاي الاجتماعية.
كان صباح الدين متأثرًا بالسياسات الغربية ورأى أن طريقة الحكم التي استمرت سبعة قرون في الإمبراطورية العثمانية غير مجدية، فدافع عن اللامركزية في الإمبراطورية، وهي ما يعني أن كل ولاية سيحكمها حاكم تعينه الدولة المركزية، ينتخبه شعب تلك الولاية. ولذلك كانت اتجاهاته، ونمط حياته وأفكاره غير مالوفة لدى زملائه العثمانيين، ولذلك رأوه رجلًا غربيًّا قادمًا من أصول ملكية تركية.
لم يكن اﻷمير صباح الدين مجرد شخصية سياسية بديلة بين الشباب اﻷتراك، ولكن أيضا أول عالم اجتماع تركي، في القرن التاسع عشر. كان المثقفون البارزون يميلون إلى التركيز على المسألة الملحة حول كيفية إنقاذ الدولة. وكان معظم المفكرين العثمانيين موظفين حكوميين، وللعديد منهم أنشطة فكرية وسياسية في إطار واجباتهم العامة.
ومنذ ذلك الحين، كان للأمير تأثير كبير على الفكر السياسي الحديث، ولا زال الكتاب اﻷتراك يميلون للعمل مثل معلميهم من رجال الدولة.
ترافقت هذه الأفكار ﻹنقاذ الدولة مع بعض المعضلات. أولا كانت عمليات التغريب والعلمانية معقدة ومتناقضة دائما في معظم الحالات، لأن العلمانيين يميلون دائما إلى رؤية العلمانية كفرصة لتحديث الدولة، إلا أنها نادرا ما تفكر في الحقوق الليبرالية أو الذات الفردية، فالحداثة لديهم ليست وسيلة لتحرير للفرد، لكن ينبغي أن تكون التزامًا رسميا.
من ناحية أخرى، اشتمل الفكر العثماني المتأخر أيضا على بعض اﻷفكار الليبرالية، التي لم تحكم الدولة لكنها بقيت قابلة للنقاش لدى دائرة صغيرة من المثقفين والليبراليين العثمانيين النادرين، اللذين ناقشوا سبل إنقاذ "الدولة العليّة" (Devlet-i Aliyye). لكنهم قدموا اللامركزية للدولة ﻹنقاذها، وإن لم تؤخذ على محمل الجديّة، يمكن لنهج اللامركزية أن يقاوم الفناء بفضل عمقه الاجتماعي، الذي جاء أساسا من الأرستقراطية، كانت هذه آراء اﻷمير صباح الدين.
الاتحاد والانفصال
شارك محمود جلال الدين باشا والد اﻷمير صباح الدين في انقلاب فاشل ضد السلطان عبد الحميد الثاني، فاضطر إلى ترك منصبه كوزير للعدل. سامح عبد الحميد محمود باشا، إلا أنه استمر في خيانة الدولة مما دفعه للهرب منها إلى أوروبا في 1899 مع ولديه، فعاشوا في لندن، وجنيف، وفي النهاية انتقلوا إلى باريس.
في أوروبا عاش محمود باشا مع ولديه بأعلى المستويات الأرستقراطية بين الشباب اﻷتراك، وفي المؤتمر العثماني (طالب الحرية) الذي عقد عام 1902 كان محمود باشا الرئيس الفخري، وابنه صباح الدين كان الرئيس الفعلي للمؤتمر.
كان اﻷمير صباح الدين زعيم الليبراليين ضد جماعة أحمد رضا اﻷكثر تحفظا. كما كان نهجه ذا صلة بتحفيز المبادرة الخاصة بالسياسات الاقتصادية الليبرالية، والعلاقات الوثيقة بين مختلف الجماعات الدينية والعرقية داخل اﻷراضي العثمانية.
لم يتفق صباح الدين ورضا على المبادئ، فبدأت جماعةُ صباح الدين بمفردها، في حين أصبح رضا زعيم حركة الشباب اﻷتراك، وجمعية الاتحاد والترقي.
بروز أول حزب ليبرالي تركي
بعد انفصال كل من جماعتي رضا وصباح الدين، أسس صباح الدين جمعية للمشاريع الخاصة واللامركزية في باريس، وكان يعلم أن الانفصال بين جماعته وجماعة رضا سيوفر جوًّا للنزاعات سياسية بينهما، التي قد تؤثر على اﻷنشطة السياسية واﻷفكار خلال عصر الدستور الثاني بعد ثورة 1908.
أسس صباح الدين الحزب الليبرالي "فرقة اﻷحرار" Ahrar Fırkası كمنافس مركزي لجمعية الاتحاد والترقي في المنفى.
و من ناحية أخرى بذل قصارى جهده لتأسيس مؤتمرٍ ثانٍ للشباب التركي ليجمع فيه المعارضة من الشباب الأتراك، وتمكن في 1907 من عقد مؤتمره الثاني الذي اقترب فيه من رضا، واجتمعا على هدف واحد وهو دفع ثورة ضد السلطان عبد الحميد الثاني، وبالفعل كانت الثورة في العام التالي.
الخصم إلى الأبد
بعد ثورة 1908، عاد اﻷمير صباح الدين إلى إسطنبول، ومع ذلك أصبح خصمًا ضد سياسات الاتحاد والترقي. وكردّ فعل حظرت حكومة الاتحاد والترقي حزبه الليبرالي مرتين، في عام 1909 و1913، وبالتالي كان عليه أن يذهب إلى المنفى اﻷوروبي للمرة الثانية.
عاش في سويسرا في أثناء الحرب العالمية اﻷولى، ثم عاد إلى إسطنبول. وحينما انتهت الحرب العالمية الأولى، هرب قادة جمعية الاتحاد والترقي من تركيا. ولم تكن لديه فرصة أفضل مع مجيء النظام الكمالي بعد حرب الاستقلال، واستبدال الدولة العثمانية بالجمهورية التركية بحدود أصغر بكثير.
حظر الكماليون حزبه تماما مثل أسلافهم، وبالتالي هرب مرة أخرى إلى أوروبا. وفي الواقع، أصدر نظام الحزب الكمالي قانونا خاصا بنفي جميع المعارضة السياسية، بما فيها العائلة الملكية العثمانية التي كان اﻷمير صباح الدين جزءا منها.
كانت هذه هي نهاية اﻷمير صباح الدين، وأيامه اﻷخيرة في تركيا، فكان عليه أن يحمل حلم تركيا الليبرالية والديمقراطية معه إلى المنفى.
اﻹحباط و الموت
عاش اﻷمير في نيوشاتيل، وسويسرا، حتى وفاته في 1948. وتزوج مرتين، اﻷولى من "تابيناك هانم" التي انجبت له "فتحية صباح الدين كيندي"، وزواجه الثاني من "كاموران هانم" اﻷخت الصغرى لزوجته تابيناك.
تم الاحتفاظ بجسده في تابوت معدني لأربع سنوات في سويسرا قبل أن يحمل إلى إسطنبول، ويدفن في مقبرة أيوب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!