ياسر التركي - خاص ترك برس
استمرت الليرة التركية بالهبوط أمام العملات الأجنبية لتصل إلى مستوى قياسي جديد، وسط غموض يلف مصيرها. حيث بلغ سعر صرف الليرة التركية، أمس الثلاثاء 22 أيار/ مايو، 4.6190 ليرة للدولار بحلول الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش، بالمقارنة مع 4.5740 عند الإغلاق الاثنين. وانخفضت الليرة التركية نحو 19 بالمئة منذ بداية العام الجاري لتصبح إحدى أسوأ العملات أداء في الأسواق الناشئة.
وكثرت في الآونة الأخيرة التساؤلات حول مصير الليرة التركية، وخاصة في ظل إقبال تركيا على انتخابات رئاسية.
فانخفاض الليرة التركية المستمر يعود إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية.
أولا- الأسباب الاقتصادية:
1-عجز الميزان التجاري
فعلى الرغم من أن معدل النمو الاقتصادي التركي كان الأعلى في العالم خلال العام 2017، حيث وصل معدل نمو اقتصاد تركيا إلى 7.4 % ووصف بالنمو التاريخي، وحققت الصادرات قفزة نوعية في العام الماضي بزيادة بلغت بنسبة 10.2% بقيمة 157.09 مليار دولار، إلا أن هناك في الطرف المقابل ارتفاع كبير للواردات حيث بلغت نسبة زيادة معدل الواردات 17.9% بقيمة 234.16 مليار دولار، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى زيادة العجز التجاري والتي بلغت وفقا لبيانات وزارة الجمارك والتجارة التركية 37.5 بالمئة بقيمة 77.06 مليار دولار.
وللتخفيف من نسبة هذا العجز تلجأ الدول إلى فرض مزيد من الرسوم الجمركية لكبح جماح الواردات، إلا أن الحال في تركيا يختلف نوعا ما بسبب أن الصادرات التركية تعتمد كثيرا في مكوناتها على المواد الخام المستوردة من الخارج، وبالتالي فإن زيادة الصادرات ترافقها زيادة في الواردات.
2- سعر الفائدة
سعر الفائدة هو أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، حيث يرفع البنك المركزي الفائدة عندما ترتفع نسبة التضخم في الاقتصاد (زيادة أسعار السلع والخدمات) وبالتالي يصبح سعر البضائع غالياً فيتراجع الاقتراض للأشخاص والأعمال ويقل الإنفاق والطلب على الاستهلاك فينخفض التضخم، والعكس في حالة الركود.
فالخلاف الحاصل بين الرئيس أردوغان والبنك المركزي حول أسعار الفائدة، له تأثيره على سعر الصرف، فأردوغان متمسك بموقفه المطالب بضرورة خفض الفائدة لدعم الاستثمار، بانياً فكرته على عنصرين، الأول تجربته الاقتصادية سواء لتخصصه الدراسي حيث تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة مرمرة، مروراً بتجاربه الناجحة اقتصادياً منذ انتخابه رئيساً لبلدية إسطنبول، وصولاً إلى رئاسته الحكومة ثم الدولة.
وأما العنصر الثاني، فيتجسد في نجاحات الاقتصاد التركي خلال العامين الماضيين، رغم محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/ تموز 2016، والتي تعتمد بشكل أساس على الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية والتي انعكست على معدل النمو الذي حقق معدلات قياسية، وأن هناك قطاعات تحتاج إلى ضخ سيولة في السوق مع خفض تكلفة الإقراض.
بينما يرى البنك المركزي التركي أن العلاج الأنجع للتضخم المتصاعد حالياً، وانخفاض سعر الليرة، هو رفع أسعار الفائدة في البنوك كحل تقليدي تلجأ إليه البنوك المركزية في العالم لمواجهة مثل تلك الأزمات، بخاصة أن هذه الخطوة يترتب عليها سحب السيولة الفائضة من الأسواق، وإضعاف الطلب على النقد الأجنبي مقابل زيادته على العملة الوطنية.
فبين رغبة أردوغان وموقف البنك المركزي تواصل الليرة التراجع.
3- تدفقات رؤوس الأموال إلى الخارج
والتي تؤدي إلى الضغط على موارد النقد الأجنبي للدولة، في الوقت الذي يحتاج فيه البنك المركزي التركي لهذه التدفقات لتمويل العجز في ميزان المدفوعات ولأغراض التدخل في سوق الصرف الأجنبي للدفاع عن الليرة التركية.
ثانيا- الأسباب السياسية الداخلية والأمنية
تعتبر سوق العملات من أكثر الأسواق حساسية تجاه الأوضاع السياسية، حيث نجد الليرة تتحرك صعودًا مع الاستقرار السياسي، وهبوطًا في ظل وجود أي توترات سياسية داخل تركيا، كمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا العام الماضي، والمشاركة العسكرية التركية في سوريا، وفي شمال العراق، بالإضافة إلى أجواء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، وكل هذه الأسباب تقريبًا موجودة حاليًا، وهو الأمر الذي يجعل هبوط الليرة أمرًا طبيعيًا.
ثالثا- الأسباب السياسية الخارجية
وهي الأسباب المتعلقة بوكالات التصنيف الائتماني الدولي، حيث أعلنت وكالة "موديز" الدولية، خفض تصنيفها الائتماني لتركيا من (Ba1) إلى (Ba2) أي غير استثمارية، مشيرة إلى استمرار ضعف مؤسساتها الاقتصادية والسياسية وتنامي المخاطر من العجز الكبير في ميزان المعاملات الجارية.
وكذلك الأمر مع وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز" التي خفضت أيضا التصنيف الائتماني لتركيا
مع دخولها أجواء الانتخابات، في فترة يشهد فيها اقتصادها قفزات نوعية وأداء مميزا بين اقتصادات العالم.
وفي العام الماضي أيضا لجأت وكالات التصنيف الدولية إلى الأسلوب نفسه مرات عدة حتى أنها اضطرت لتعديل توقعاتها عن نمو الاقتصاد التركي مرارا واضطرت لرفع توقعاتها في هذا الخصوص بعد أن كانت قد أظهرته متدنيا بشكل كبير، الأمر الذي يثير الشكوك حول مصداقية هذه الوكالات ومدى تسييسها.
يُضاف إلى هذا، اقتراب ميعاد العقوبات الأمريكية على "بنك خلق" التركي الحكومي، الذي تسبب في توتر العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا.
ونرى من الأسباب المذكورة أعلاه أن التقلبات في أسعار صرف العملات، هي تقلبات مؤقتة ومحدودة ولا تعكس على الإطلاق، حالة الاقتصاد التركي، والهبوط في سعر صرف الليرة ليس نتيجة ضعف اقتصاد البلاد، وأن الاقتصاد التركي سيواصل نموه المستقر في عام 2018 مستمراً في تقدمه لمنافسة المراتب الأولى في العالم، وذلك بعد انتخابات الرئاسة المقررة في 24 يونيو/ حزيران المقبل، وهو ما يعني الإقبال على الليرة التركية واستقرار سعرها وارتفاع الاحتياطي الأجنبي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس